شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. حميد داباشي
 حميد داباشي هو أستاذٌ محاضرٌ للدّراسات الإيرانيّة والأدب المقارن بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأميركية. وُلد من عائلة إيرانيّة في الخامس عشر من جوان 1951، في جنوب شرق مدينة الأهواز في محافظة خوزستان في إيران من إقليم الأحواز، حيث درس هناك ثمّ في انتقل إلى العاصمة طهران ليواصل تعليمه الجامعي هناك قبل أن يهاجر إلى الولايات المتّحدة ويحصل على دكتوراه مزدوجة في علم اجتماع الثّقافة والدّراسات الإسلاميّة من جامعة بنسيلفينيا سنة 1984 عن «السّلطة الكاريزميّة في نظريّة ماكس فيبر»، ثمّ أتبعها بزمالة مابعد الدكتوراة من جامعة هارفارد.. وهو أحد مؤسّسي معهد الاجتماع والأدب المقارن ومركز الدّراسات الفلسطينيّة بجامعة كولومبيا. ولديه أيضا اهتمام بالسّينما والفنون وعمل ضمن لجان تحكيم مهرجانات سينمائيّة دوليّة.
تتوزّع اهتماماته البحثيّة من «دراسات ما بعد الاستعمار» و«الاستشراق» إلى السّياسة الإيرانيّة وتحوّلات المجتمع الإيراني، ومن التغيّرات السّياسيّة والثّقافيّة في المنطقة العربيّة خصوصا بعد الرّبيع العربي إلى جماليّات السّينما والفنون الشّرقيّة.  
صدرت له العديد من الكتب والدراسات باللّغة الانجليزيّة، وتُرجمت كتاباته إلى عدّة لغات، تشمل اليابانيّة والألمانيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والبرتغاليّة والفارسيّة والأرديّة والأسبانيّة والتّركيّة والعبريّة والبولنديّة والكاتالانيّة والرّوسيّة والدّنماركيّة والكوريّة. ولم يتعرّف عليه القارئ العربي إلاّ متأخّرا من خلال أعمال قليلة تُرجمت في السّنوات السّابقة أهمّها : «الرّبيع العربي: نهاية حقبة ما بعد الإستعمار» (2014)، و«بشرة سمراء. أقنعة بيضاء»(2014)، و«ما بعد الاستشراق: المعرفة والسّلطة في زمن الإرهاب» (2015)، و«هل يستطيع غير الأوروبي التّفكير؟»(2016) ثمّ كتابه المحرّر «أحلام وطن: عن السّينما الفلسطينيّة» (2017)
يعتبر كتابه «ما بعد الاستشراق: المعرفة والسّلطة في زمن الإرهاب»، واحدا من أهم الكتب حول الاستشراق، أراد من خلاله أن يكمل ما بدأه زميله وصديقه إدوارد سعيد في كتابه «الاستشراق». إنّه تأكيد إلى الحاجة إلى أبجديّة جديدة لقراءة هذا العالم وفهم علاقات القوّة التي تحكمه. 
أشار  داباشي إلى حصول إنزياح في النّموذج النّظري للاستشراق باتجاه «دراسات المناطق»التي أصبحت تخدم صناعة السّياسات الاستعماريّة الجديدة، ويقول باستنزاف الاستشراق التّقليدي قدراته التّفسيريّة، وتغيّر النّظام الاستعماري، ودخوله في طور جديد فيما يخصّ تعامله مع «الشرق»، 
ودعا إلى عدم حصر الاستشراق في نمط واحد من أنماط انتاج المعرفة والاستمرار في تتبع كيف تطوّرت الامبرياليّة وكيف يتطوّر رأس المال لمعرفة كيف يتغيّر نمط انتاج المعرفة، وبدون ذلك لا يمكن أن نفهم ما يدور حولنا ولا نستطيع أن نقاوم.
حاول المفكر حميد داباشي عن طريق دراسة مختلف القضايا المتعلّقة بمرحلة مابعد الاستعمار من منظور ما سمّاه بسوسيولوجيا المعرفة ومن منظور استراتيجيّات جديدة، التغلغل في تفسير ما أطلق عليه «الرّبيع العربي» مبيّنا طرق التّنظير لهذه التّحوّلات الجذريّة التي مرّت بها شعوب البلدان العربيّة. ليصل في الأخير إلى منطق تأويلي يرى أنّ هذه التّغيرات التي جاءت متعاقبة في مختلف البلدان العربيّة وغيرها استندت على بعضها البعض وساندت إحداها الأخرى تحت شعار فكّ الارتباط بين الأمّة(الشّعب) والدّولة . 
ورغم ما حصل للثّورات العربيّة، فإنّ داباشي مازال يعتقد أنّها لم تُهزم، وأنّها نجحت على الأقل في الكشف عن غياب مشروعيّة الدّول ما بعد الاستعماريّة أو ما يسمّى بالدّولة القوميّة التي انبثقت من الحطام الذي تركته القوى الاستعماريّة وتأسّست على مبدأ الدّولة الأمّة. ونجحت في فكّ هذا الارتباط، فذهبت الأمّة في طريقها والدّولة في طريق آخر.
المفكر داباشي متحمّس للقضيّة الفلسطينيّة ومن المدافعين عنها، حيث كان من مؤسّسي مركز الدّراسات الفلسطينيّة بجامعة كولومبيا. وهو يرى أنّ الفلسطينيّين ألهموا الثّورات العربيّة ولكنّهم استفادوا منها حيث كرّسوا فكّ الارتباط بين الدّولة والأمّة بشكل واضح. الفلسطينيّون شعب بلا دولة و«إسرائيل» دولة بلا شعب. والفلسطينيّون لا يزالون متمسّكين بكونهم شعبا أكثر من أيّ وقت مضى،ينتجون أدبا وثقافة ويمتلكون آمالهم وتطلّعاتهم وتاريخهم الخاصّ، ولا يزالون يعرّفون بأنفسهم أنّهم فلسطينيّون، يكتبون تاريخهم كفلسطينيين، يصوغون فنونهم وأفلامهم وثقافتهم كفلسطينيين، مع أنّهم لا يملكون دولة ، على الجانب الآخر لا يستطيع الاسرائليّون رغم ضخّ مليارات الدّولارات أن تكون لهم هويّة، فملايين اليهود ضدّهم ولا يعترفون بكيانهم. إنّهم مستوطنة كولينيالية       استيطانيّة، دولة  تحاول أن تحكم ملايين  الفلسطينيين ولا تستطيع.