يعدّ تدريب النّفس عمليّة قديمة تمتدّ عبر التّاريخ إلى الحضارات القديمة في العالم. فقد اهتمت الحضارات المتعاقبة بتطوير تقنيات تدريب النّفس لتحسين جودة الحياة وزيادة الرّفاهيّة النّفسيّة للأفراد. ففي الهند القديمة، تأسّست تقنية «اليوغا» لتطوير الوعي والتّحكّم في الأفكار والمشاعر. وفي الصّين، تأسّست تقنية التّأمّل والتّنفّس الصّحيح لتحسين الصّحّة العامّة وتحقيق السّعادة. وعلى مرّ العصور، استمرت هذه التّقنيات في الانتشار والتّطوّر في مختلف أنحاء العالم. وفي العصر الحديث، أصبحت تقنيات تدريب النّفس موضوع اهتمام للعديد من الأشخاص والمؤسّسات، حيث يسعون لتحسين جودة الحياة والتّحكّم في المشاعر والأفكار والسّلوكيّات. ومع زيادة الاهتمام بالصّحة النّفسيّة، أصبح التّدريب على تطوير الوعي والاسترخاء والتّأمّل جزءًا أساسيًّا من برامج العلاج النّفسي والتّنمية الشّخصيّة.

يمكن تعريف التّدريب من النّاحية اللّغويّة بكونها مشتقّة من الجذر الثّلاثي «د، ر، ب»، حسب معجم المعاني الجامع، يقال درِب بالأمرِ أو درِب على الأمر أي اعتاده وأُولع به حتَّى أصبح حاذقًا بصنعه، مَرَن وحَذَق، والتّدريب مصدر درّب أي يقال درَّبه على الشَّيءِ أو درَّبه في الشَّيء أي عَوَّده إيّاه ومَرَّنَه عليه، وباختصار فإنّ تدريب النّفس تعويدها على شيء معيّن كقيمة أو فضيلة(1). 

أمّا اصطلاحا فتدريب النّفس يشير إلى العمليّة التي يخضع لها الشّخص لتعلّم مهارات جديدة أو تطوير مهارات قائمة بهدف تحسين أدائه وتحقيق أهدافه. ويمكن أن يشير التّدريب إلى العمليّة التّعليميّة والمهنيّة على السّواء.

تدريب النّفس هو عمليّة تطوير الوعي والقدرة على التّحكّم في الأفكار والمشاعر والسّلوكيّات. يهدف تدريب النّفس إلى تحسين جودة الحياة والعلاقات الشّخصيّة والعمليّة والصّحيّة. ويشمل تدريب النّفس العديد من الممارسات والتّقنيات مثل التّأمّل والتّنفّس والتّأمّل الإيجابي والمحادثة الذّاتية الإيجابيّة. يمكن القول كذلك أنّ تدريب النّفس هو تدريب على  عادات إيجابيّة كالمهارات السّلوكيّة والتّنظيميّة المتنوّعة والمختلفة.

وتعتمد فعاليّة تدريب النّفس على العديد من العوامل، مثل تركيز الشّخص على تجربة اللّحظة الحاليّة وتجاهل الأفكار المنحرفة والتّحكّم في الاستجابات العاطفيّة والتّنفّس بشكل صحيح. ويمكن أن يساعد تدريب النّفس على التّغلّب على التّوتّر والقلق والاكتئاب والمشاعر السّلبيّة الأخرى، كما يمكن أن يحسّن الصّحّة العامّة ويزيد من السّعادة والرّضا عن الحياة.

ويمكن لأيّ شخص البدء في تدريب النّفس، ولكن ينبغي البدء ببطء والتّركيز على تقنية واحدة في البداية وتدريب النّفس بانتظام والمثابرة عليها. كما يمكن الحصول على مساعدة من مدرب تدريب النّفس أو معالج نفسي متخصّص لتوجيه الشّخص في هذه العمليّة.

يمكن التّأكيد على أهمّية تدريب النّفس في العصر الحديث وأنواعه وفوائده وكيفيّة البدء في التّدريب عليها، مع إلقاء الضّوء على التّقنيات التي تمّ تطويرها من خلال التّاريخ والتي لا تزال تستخدم حتّى اليوم. يمكن تقسيم الموضوع إلى قسمين؛ أهمّية تدريب النّفس من جهة أولى (الجزء الأول) وكيفيّة تدريب النّفس (الجزء الثّاني)

تنقسم أهمّية تدريب النّفس إلى النّظر في قسمين؛ أهمّية علميّة (العنصر الأول) وأهمّية عمليّة (العنصر الثّاني) وذلك في إشارة إلى فوائده.

يعتبر تدريب النّفس موضوعًا مهمًّا في علم النّفس الحديث، حيث تطوّرت عدّة مدارس ونظريّات تهتم بتحسين الصّحّة النّفسيّة والاستفادة من الإمكانيّات العقليّة والنّفسيّة للفرد. وقد حدثت تطوّرات علميّة كبيرة في علم النّفس التّربوي وعلم النّفس السّياسي التي تؤكّد أهمّية تدريب النّفس في هذه المجالات.

في علم النّفس التّربوي، يهدف تدريب النّفس إلى تحسين القدرات العقليّة والنّفسيّة للطّلاب، وتعزيز الاستقلاليّة والتّفكير الإبداعي والإيجابي لديهم. وقد أثبتت الدّراسات العلميّة أنّ تدريب النّفس يساعد الطّلاب على التّحكّم في المشاعر والتّفكير الإيجابي والتّحسين من أدائهم الأكاديمي والسّلوكي.

بالإضافة إلى ذلك، تقوم بعض الجامعات والمؤسّسات التّعليميّة بتدريب طلاّبها على تقنيات تدريب النّفس كجزء من برامج التّدريب العملي والتّطوير الشّخصي، حيث يتمّ تعزيز القدرات النّفسيّة للطّلاب وتحسين مهاراتهم في التّعامل مع الآخرين وتحقيق الأهداف.

أمّا في علم النّفس السّياسي، فإنّ تدريب النّفس يهدف إلى تحسين القدرات العقليّة والنّفسيّة للأفراد لتمكينهم من المشاركة الفعّالة في الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة. ويتمّ ذلك من خلال تدريب الأفراد على التّفكير النّقدي والإبداعي والتّواصل الفعّال والتّحكّم في المشاعر والتّعامل مع الضّغوط النّفسيّة.

بما أنّ تدريب النّفس هو عمليّة تحسين مستمر للصّحة النّفسيّة وتطوير القدرات العقليّة والنّفسيّة للفرد، فله فوائد عديدة على المستوى الفردي والجماعي؛

فعلى المستوى الفردي، يساعد تدريب النّفس على تحكّم الفرد في مشاعره والتّفكير الإيجابي والتّحسين من الذّات، كما يساعد في تحسين مهارات التّواصل والعمل الجماعي والتّفكير الإبداعي، ويعمل على تحسين الصّحّة النّفسيّة والحالة العامّة للشّخص، ويعزّز الشّعور بالثّقة بالنّفس والاستقلاليّة والتّحكّم في الحياة.

أمّا على المستوى الجماعي، فإنّ تدريب النّفس يمكن أن يحقّق فوائد كبيرة على المجتمع بأسره، حيث يساعد على تعزيز التّعاون والتّفاهم بين الأفراد والمجموعات المختلفة. كما يمكن لتدريب النّفس أن يساعد في تعزيز العمل الجماعي والتّعاون في المؤسّسات والشّركات، ويمكن أن يعمل على تحسين العلاقات بين الأفراد وتحسين المناخ العام للعمل والحياة الاجتماعيّة.

ويمكن لتدريب النفس أيضًا أن يحقق فوائد في مجالات مثل التّعليم والرّياضة والصّحّة العامّة، حيث يمكن استخدام تقنيات تدريب النّفس لتحسين الأداء الأكاديمي والرّياضي، كما يمكن استخدامه في مجال العلاج النّفسي وتحسين الصّحّة العامّة.

تنقسم كيفيّة تدريب النّفس إلى النّظر في قسمين؛ في أنواعه (العنصر الأول) وفي آليّاته (العنصر الثّاني).

يشمل تدريب النّفس العديد من الأنواع المختلفة التي تهدف جميعها إلى تحسين الصّحّة النّفسيّة وتطوير القدرات العقليّة والنّفسيّة للفرد. ومن بين الأنواع الرّئيسيّة لتدريب النّفس:

1 - التّأمّل: وهو نوع من التّدريب الذي يتضمّن تركيز الانتباه على الحاضر والتّأمّل في اللّحظة الحاليّة.

2 - التّدريب العقلي: ويهدف إلى تغيير التّفكير السّلبي إلى التّفكير الإيجابي وتعزيز الصّحّة النّفسيّة والتّحكّم في العواطف والتّفاعلات الاجتماعيّة.

3- التّدريب العاطفي: ويهدف إلى تحسين القدرة على التّعامل مع المشاعر والتّفاعلات العاطفيّة وتحسين العلاقات الاجتماعيّة والعائليّة.

4- التّدريب الفعّال: وهو نوع من التّدريب يهدف إلى تحسين مهارات الاتصال والتّواصل والعمل الجماعي والإدارة الذّاتيّة.

5- التّدريب النّفسي العلاجي: ويهدف إلى تحسين الصّحّة النّفسيّة للفرد وتطوير المهارات الشّخصيّة لمواجهة التّحديات الحياتيّة والاضطرابات النّفسيّة والتّأقلم معها، وفيه أنواع عديدة أهمّها العلاج السّلوكي المعرفي والعلاج بالتّقبّل والالتزام وغيره..(2) 

يمكن للأشخاص اختيار النّوع المناسب لتدريب النّفس وفقًا لاحتياجاتهم وأهدافهم الشّخصيّة، ويمكن للعديد من الأنواع السّابقة أن تستخدم معًا لتحقيق الفائدة القصوى لصحّة النّفس.

تدريب النّفس هو عمليّة تحسين الوعي وتنمية القدرات النّفسيّة للفرد، ويمكن تقسيمه إلى تقنيات وآليّات. وتتضمّن التّقنيات تمارين وتدريبات تستخدم لتحسين الوعي وتحقيق الاسترخاء والتّأمّل والتّركيز والتّحكّم في الأفكار والمشاعر، بينما تتضمّن الآليّات تغييرات في السّلوك والعادات النّفسيّة والتّفكير الإيجابي.

ومن بين أهمّ التّقنيات التي تستخدم في تدريب النّفس:

1 - التّأمّل: وهو عبارة عن تقنية تستخدم لتحقيق الاسترخاء والتّركيز وتحسين الوعي. ويتضمّن التّأمّل التّركيز على النّفس والتّركيز على التّنفس والتّركيز على الأفكار والمشاعر.

2 - الصّلاة: وهي عبادة جليلة من يحسن إقامتها تساعده على تحسين الوعي والتّحكّم في الظّروف النّفسيّة المختلفة كالحزن أو الغضب أو الفرح...  وهي ترفع نسبة قيمة التّواضع كإحدى أهمّ القيم الإنسانيّة الأساسيّة

3 - التّدريب العقلي: وهو عبارة عن تقنية تستخدم لتحسين الوعي والتّحكم في الأفكار والمشاعر والتّعامل مع الضّغوط النّفسيّة. وتشمل التّدريبات العقليّة تحليل الأفكار وتغيير العادات النّفسيّة السّلبيّة.

4 - الصّيام: اذ يعتبر ترك شهوات النّفس (شهوات البطن، شهوات الفرج، ...) من أفضل أنواع التّدريبات النّفسيّة إذ ترفع في قيم عديدة أهمّها قيمة الصّبر كإحدى أهمّ القيم الإنسانيّة الأساسيّة ما قد يؤثّر إيجابا على الحياة النّفسيّة للفرد بصفة عامّة.

تدريب النّفس هو جزء أساسي من تربية النّفس، حيث يهدف إلى تحسين وتطوير الصّفات الشّخصيّة والسّلوكيّات الإيجابيّة وخاصّة على المستوى القيمي. ويعتمد تدريب النّفس على مبادئ علم النّفس التّربوي(3)، الذي يهتم بدراسة سلوكيّات الإنسان وتطويرها بما يساعد على تحقيق الأهداف الشّخصيّة والمجتمعيّة. ويمكن القول أنّ تربية النّفس هي نتيجة للتّدريب النّفسي، حيث يتمّ التدريب على المهارات اللاّزمة لتحقيق التّحوّل الإيجابي في السّلوك والنّموّ الشّخصي.