حديقة الشعراء

بقلم
رشيد سوسان
فردوس الآلاَمِ
 قسماً لَشقائِقُنا، في الطُّهرِ وفي العِفّةِ،
مريمُنا العذْراءُ،
وهُنّ فِداءُ شقائِقِهنَّ،
أَميراتٌ في قصر قصورِ الإِنسانِ،
على مرِّ الأَزمانِ، 
لَهُنّ البَيْعَةُ والرِّضوانُ، 
لهُنّ الجنّةُ والرّيْحانُ، 
وهُنَّ ظِلالُ الشّمسِ، وأَفْياءُ الأنهارِ، 
وما أَحْلَى تقديمَ زَكاةِ الأعْذارِ لَهُنَّ 
على أَلمٍ يَصْلِينَ جِمارَ جِمارهِ، في صبرٍ، 
مِن أَجلِ الإِنسانِ، 
فَعُذراً لِشقائِقِنا عُذراً،
 فالحمْلُ بِكَرهٍ، في جَلَدٍ، 
والوَضعُ، بكَرهٍ، في أَلمٍ، 
هذا ما أَخْبَرَنِيهِ الرّاوي، 
في مَسرى رُوحِي نَحوَ المَشْفَى، 
قالَ شقائِقُنا يَشتقْنَ إِلى جِذعِ النّخلةِ والثّمَراتِ، 
ويُسْلِمْنَ الرّوحَ لِبارِيها في ثِقةٍ، 
هذا ألمٌ يؤلِمُهنَّ ويُؤلِمُنا، 
يُسعِدُني يا وَلْهانُ بِأنْ تُبحِرَ 
مَوْجاتٍ مِن وَيْلاتِ شرارَتِهِ قَصْدَ الذِّكرَى. 
قال الرّاوي: 
ألمٌ مثلُ تَكَسُّرِ أَعْظُمِهِنَّ المِائَةِ الصَّلْبةِ، 
مثلُ البُركانِ بِأَعماقِ البَطنِ، 
وكَالزّلزالِ يُدمِّرُ كُلَّ الأَحْشاءِ، 
وأَشْبهُ بِخُروجِ جميعِ الأمْعاءِ، 
وتَدْميرِ أُصولِ الأَعْضاءِ، 
وأَقْسَى مِن آلامِ كُلَى الإنسانِ إِذا انْفَجرتْ. 
قال الرّاوي: 
وَجعٌ يُدمِي كُلَّ الأَوْرِدةِ الحَرَّى، 
ويُذيبُ بِبطْشِ فَيالِقهِ أَرْتالَ مَناعَتِهنَّ، 
ويُشعِلُ ناراً في العَضَلاتِ، 
وصَعْقاً في الأَعْصابِ، 
ويُذْكِي هَيَجانَ صُداعٍ عُنْقودِيٍّ، 
في كُلّ عِظامِ الجِسمِ بِلا شَكْوَى. 
هَذِي آلامٌ تَتقطّعُ أَنْفُسُهنَّ لهُ، طَوْعاً، 
فَتُمَزَّقُ، في عَجبٍ، آلاتُ التَّخطِيطِ، 
فَتَتْبَعُها كُلُّ أَنابِيبِ الإِنعاشِ على خَجلٍ، وتَخدَّرتِ الأَجْهزةُ التَّخْديرِيَّةُ كَالْمَرضى، ضاعتْ دِقَّتُها مِن هَوْلِ الآلامِ، 
ومِن وَقْع صُراخٍ يَتلَوَّى، 
وتَكادُ الأَرْواحُ تَوقَّفُ في رَمْشةِ آهٍ فاتنةٍ، 
أَو نَظْرةِ أُنبوبٍ مخدورٍ، 
أَو شَهقةِ تَخطيطٍ مخروطٍ، 
أَو زفْرةِ أُكْسِيجِينٍ مَضغوطٍ، 
أَو كِلْمَةِ قَلبٍ مُصطَنعٍ، 
أو نفثة جرّاح مُنتظِرٍ... 
زادَ الرّاوي: 
أَلمُ الآلامِ يُقطِّعُ أَوصالَ بَراءَتِهِنَّ، 
ويُدمِي أَورِدةَ الآمالِ الجُلَّى، 
ويُمزِّقُ أَحشاءَ المُهَجِ المُلقاةِ 
على الأَعْمِدةِ الجَوْفاءِ 
لِمَتنِ أَسِرَّتِهنَّ الشّارِدةِ الْمذْهُولةِ، 
هذا قَدرُ الْموتِ يَدُقُّ الأَبْوابَ، 
ويُلقِي أَطْوادَ السَّكَراتِ، 
ويَخْطُبُ وُدَّ شَقائقِنا في عِزِّ العُمْرِ.
أَنا الواقِفُ، مُنتظِراً، 
بِكياني الْيَصْغرُ يَصغرُ يَصغرُ 
حتّى صارَ كظِلِّ حصاةٍ، 
ما خَلَّفَني آهٍ ما خَلّفني، 
وقَدِ ابْتَعتُ ظِلالاً ومَتاعاً للذِّكْرَى، 
وأَنا الواقفُ، مَفزوعاً، 
أسمعُ آهاتٍ تِلْوَ الآهاتِ، 
أَكادُ أُكسِّرُ بابَ الغُرفةِ والمَشفَى 
لمّا يَتوقّفُ وَقْعُ الآهاتِ، 
فَيَمْنعُني مِن ذلك صوتُ مُمرِّضةٍ 
تَدْعونِي، في رُشدٍ، أَن أَصبِرَ، 
ثُمّ بَدأْتُ أَسيرُ أَجيءُ، بِلا وَعْيٍ، 
وأَطوفُ بِلا حِسٍّ كالنّاسكِ، 
ثُمّ أَدورُ كَما الأَعْمَى حَوْلِي، 
والنّاسُ، أَمامِي، لا أُبْصِرُهمْ، 
قالوا: مَخْبولٌ مَمسوسٌ، 
وبَقِيتُ أَسيرُ أَجيءُ كَمجنونٍ، 
أَدعُو وأُحَوقِلُ، 
لا أَدْري كيفَ أَعودُ إلى رُشدي، 
أو كيفَ يعودُ الرّشدُ إليَّ أَنا الْسَمَّوْنِي، 
بالزّورِ، رَشيداً... 
ودَعاني صوتُ مُمرّضةٍ، 
أَرَشيدُ ادْخُلْ، 
فَدخلتُ كَمجنونٍ، أَتخبّطُ في خَطْوي، 
أَتَلعْثمُ في كَلِمي، 
حتّى أَبْصرتُ أمامي نُورَ الأُمِّ فَغَشّانِي... وتَسلّمْتُ من الأُمّ النُّورِ مَلاكاً نُوراً،
يا بُشرايَ بِهذا البدْرِ السّاطعِ،
أَخلَصتُ الشّكرَ لِنورِ الْكونِ: 
وتِيجانُ مَطايَا الأَفْئِدةِ الوَلْهانةِ أَنوارٌ، حَمدَلتُ، وكبّرتُ، وأَذّنتُ، 
أَقمْتُ صلاتي، في وعيٍ، 
أَحسسْتُ بِروحي تَعرُجُ، تَعرُجُ، تَعرُجُ، 
في طُهْرٍ، 
وأَنا أُمسِكُ رُوحاً بينَ يَديَّ،
 تُمِدُّ كياني الأَصْغرَ بالنّبَضاتِ الأَنْقَى، 
تُحيِي جَدْبِي بِأَزاهيرِ حياةٍ أَقْوَى، 
وَسْطَ ظِلالِ نَخيلِ الأَسْرارِ... 
أَلاَ ما خَلّفَني آهٍ ما خَلّفني، 
ويْحِي ما خلَّفني؟ 
وقَدِ ابْتعْتُ ظِلالاً ومَتاعاً للذِّكرَى... أَشَقائِقَنا عُذراً عُذراً عُذراً، أَنتُنَّ أميراتٌ، ولَكُنَّ البَيعَةُ والرِّضوانُ، 
لَكُنَّ الجَنّةُ والرَّيحانْ.