نبذة عن كتاب

بقلم
يوسف المتوكل
النظرية التكاملية عند طه عبد الرحمن آفاق التجديد في مناهج تقويم علوم التراث الإسلامي العربي
 لم يكد يَغرُب نَجمُ الاستعمار على البلاد العربيّة والإسلاميّة ويَبزُغ فجر الاستقلال والحرّية، حتّى طَفت على سطح الوجود العربي تحدّيات جِسام وأسئلة عظام، حول القضايا والإشكالات الكبرى التي تَمُسُّ الرَّكائز والمقومات الأساسيّة التي تقوم عليها نهضة الأمّة العربيّة الإسلاميّة. وقد كان من بين أبرز هذه القضايا، التي خصّصنا لكلّ واحدة منها عملا عِلمِيّاً مستقلا: 
أوّلا: إشكاليّة المنهج في قراءة وتقويم علوم التّراث الإسلامي العربي، وكيفية التّعاطي مع نصوصه ورموزه وعلومه معرفيّا ومنهجيّا. 
ثانيا: سؤال الإبداع في الفكر الفلسفي العربي، والكيفيّة التي تمّ بها اسْتِشْكَال قضايا الفلسفة، والمسالك التي انتهجتها الفلسفة الإسلاميّة والعربيّة لتحقيق النّهوض الفكري والحضاري. 
ثالثا: إشكاليّة التَّجديد في القضايا المرتبطة بالفكر الدّيني الإسلامي، المرتبطة أساسا بفلسفة الدّين فكرا ومنهجا. 
على ظاهر اختلاف مواضيع هذه القضايا وتشعُّب إشكالاتها، إلاّ أنّها تشكّل منظومة مقومات متكاملة، يشدّ بعضها بعضا، وتظلّ مترابطة متظافرة تضفي على مشروع النّهضة العربيّة الإسلاميّة طابع الوحدة والتّكامل. 
يجمع بين هذه القضايا إشكال رئيسي كانت الإجابة عنه محور هذه الأعمال العلميّة المكوّن من ثلاثة أجزاء/كتب. مفاد هذا الإشكال هو: كيف السّبيل إلى إبداع أُنْمُوذَجٍ فكري مُستقل ومتحرّر عن الآخر؟ وماهي المقتضيات المعرفيّة والشّروط المنهجيّة للنّظر الفكري والفلسفي المبدع وفق الخصوصيّة الثّقافيّة لمجال التّداول الإسلامي العربي؟
وفي محاولة منها لمواجهة هذه التّحدّيات والإجابة عن هذه الإشكالات، انقسمت النُّخب الفكريّة العربيّة إلى اتجاهات مُتعدِّدَة، وتِيَّارات مختلفة، ورؤى أحيانا متناقضة، تروم استشكال القضايا المصيريّة، التي تهمّ إشكاليّة المنهج في تقويم علوم التّراث الإسلامي العربي. في خضم التّنوّع والتّعدّد الذي يطبع الفكري العربي، وما أفرزه من إنتاجات علميّة وفلسفيّة غزيرة، تروم مقاربة إشكاليّة النّهضة العربيّة في أبرز مقوماتها الحضاريّة، والتي يُشكّل فيها التّراث العربي الهويّة والمرجعيّة الثّقافيّة، لم يجد كثير من الباحثين والمفكّرين المعاصرين في الخطابات والإنتاجات العلميّة الجادّة من ينظر برؤية مختلفة لهذه التّحديات، ويحاول الإجابة عن الإشكالات بِجواب أَوْفَى من الجواب الذي انْتَهَضَ لِنَحْتِهِ وتحريره الفيلسوف والمفكر العربي الدّكتور طه عبد الرّحمن. 
وهو الرّجل الذي ما فَتِئَ يحاول الدّفاع والانتصار للمرجعيّة العربيّة والإسلاميّة بمفهومها الواسع، ولمنهجه التّحليلي المنطقي الذي يَرتَكِز على مبدأ الحوار وآليّة المناظرة، ولرؤيته المعرفيّة العميقة التي يؤسّس لَها بمصطلحات ومفاهيم وتصوّرات جديدة مُستَقاة من حقل التّراث، ومُستندة إلى آخر ما توصّل إليه الفكر الغربي المعاصر على مستوى نظريّات الخطاب والمنطق الحجاجي وفلسفة الأخلاق. وهو الأمر الذي يجعل البحث في المسالك المعرفيّة والمنهجيّة لمشروعه الفكري مُتَفَرِّدا جدّا، وفُرادَتُه تأتي من كونه يُشكّل أُنموذَجا حقيقيّا في النّظر والتّفلسف وِفق ما تَتَطَلُّبه الخصوصيّة العربيّة والهويّة الثّقافيّة الإسلاميّة.
أهمّية الكتاب
يتحدّث الكتاب الذي بين أيدينا (1)عن أطروحة علميّة في غاية الأهمّية ضمن أعمال الفيلسوف العربي طه عبد الرحمن؛ وهي: «النّظريّة التّكامليّة في تقويم علوم التّراث الإسلامي العربي». الأطروحة التي حاول فيها الرّجل أن يُجَدِّد النّظر في المناهج العلميّة المعاصرة التي رَامت تقويم علوم التّراث بمنهجيّة مُغايِرة عن المنهجيّة التي بُنيت بها نصوصه وشُيِّدَت بها معارفه.
لقد كانت الغاية الأساسيّة من تأليف هذا الكتاب محاولة العمل على كَشف وإبراز الطُّرق والمسالك والإجراءات العلميّة المعرفيّة والمنهجيّة التي انْتَهَجَها طه عبد الرحمن في بِناء أنموذجه الفكري، لاسِيما في مجال تكامل علوم التّراث الإسلامي العربي. فكان هذا البحث العلمي، وغيره من الأبحاث التي سترى النُّور في القريب العاجل، يُلزمني إِلزاما كبيرا أن أُبحِر وأغُوص في جُلّ الإنجازات الفكريّة والفلسفيّة لفيلسوف الأخلاق، وأن أُحِيطَ عِلماً بِجُملة من التّصورات والمسلّمات والمفاهيم والأحكام والدّعاوى التي بنى عليها نظرياته، بدءا بـ«النّظريّة التّكامليّة في التّراث»، مرورا بـ«النّظريّة التّداوليّة في الفلسفة»، وانتهاء بـ«الفلسفة الائتمانيّة»، باعتبارها أُطُراً معرفيّة ومنهجيّة، وأُسسا مفاهيميّة مُوَجِّهَة ومُسَدِّدَة ومُرشِدَة للبحث. 
وبناء عليه، فإنّ هذا الكتاب سيكون كَاشِفا لأهمّ الخُلاصات والنّتائج التي يمكن أن يَستَنير بها الباحث المختصّ والقارئ العربي عموما، ويرسم على أساسها صورة جامعة وواضحة للمسار العلمي والمعرفي الذي سلكه فيلسوفنا طه عبد الرحمن من جهة؛ ومن جهة ثانية، سيكون هذا الكتاب فاتحا لآفاق علميّة ومعرفيّة للطّرق والمسالك الأصيلة للاشتغال على حقل التّراث، وإمكانيّة تطوير وتجديد المنظور التّقليدي الذي دَأَبَ عليه معظم الباحثين الذي اشتغلوا على تقويم مضامين علوم التّراث؛ وهو ما يمكن اعتباره تَعبِيدا للطّريق في رسم مسار علمي مختلف ومُتَجدِّد، يُلبّي حاجة القارئ والباحث إلى مزيد من الوعي بالمشاريع الفكريّة الواعدة، التي تشتغل على تقويم الموروث الثّقافي، والنّهل من معين فلسفته.
تكمن أهمّية الكتاب الذي يبحث في قضيّة شائكة ومعقّدة، من حيث أنّ البحث والعمل على المشروع الفكري التّجديدي للفيلسوف طه عبد الرحمن، يشكّل لحظة زمنيّة مهمّة ومتميّزة في الوعي العربي المعاصر، في الوقت الذي تَحَوَّل فيه سؤال التّجديد في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، وفي مناهج دراسة العلوم الإسلاميّة التّراثيّة، مناسبة لإحداث تغيير حقيقي في أبرز مقومات فكر النّهضة، التي ما فتئ العرب والمسلمون يشتغلون على قضاياها منذ زمن ليس باليسير. وتكمن أيضا هذه الأهمّية العلميّة في التّعرف على مستوى النّقد المنهجي والمعرفي الرّصين الذي وُجِّه لِرُواد الفكر العربي والغربي على حدّ سواء، ونقده لأطروحاتهم ومدارسهم العلميّة المتعدّدة.
وعليه، فقد كانت الأهمّية القصوى لهذا الكتاب تَنبُع من جانب رَاهِنِيَّة الدّرس الفكري والفلسفي للفيلسوف طه عبد الرحمن، من حيث إسهامه الكبير والوازن في بلورة رؤية جديدة في السّاحة الفكريّة العربيّة والدّوليّة، ومحاولته إِنجاز وإنتاج أنموذج فكري مبدع ومتجدّد. لقد تحوّل الدّرس الفكري لفيلسوف الأخلاق طه عبد الرحمن، لاسيّما في الألفيّة الثالثة إلى هَمٍّ مَعرفي جَمْعِي، مَلَكَ هموم الباحثين المختصّين والقارئ العربي عموما؛ من حيث أنّه يعمل في طَرحه العِلمي على اسْتِفزاز الملكات والقدرات المعرفيّة والنّقديّة لِلنُّخبَة المثقّفة، ويحاول إثارة أسئلة حارِقة ومُقلِقة تَمَلَّكَت كيانات المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، يَستَشكل بها الواقع الفكري والثقافي المُتردِّي. 
يستند هذا البحث العلمي، الذي عمل فقيه الفلسفة على بلورته في عدد من مؤلفاته وأبحاثه إلى مقومات ومبادئ رئيسيّة، تَنزل منزلة «الأُنْمُوذَج الفكري»، أو البَّرَادِيغْم Paradigme، أو النّظريّات التي سَلَك فيها منهجيّة ورؤية محدّدة، تَهدف إلى إعادة النّظر في قضايا النّهضة والاستقلال الفكري، وكافة الإشكالات المرتبطة بالأمّة العربيّة والإسلاميّة التي يخوض فيها الفكر العربي المعاصر، والتي نُحاول من خلال هذا الكتاب إبرازها وإثباتها بالاعتماد على جُملة من الحقائق العِلميّة التي كشف عنها الرجل، والتي سَتُسهِم في بناء هذا الأُنْمُوذَج الفكري المُبدع، الذي ينهل فيه من مَعين الخصوصيّة الثّقافيّة للأمّة العربيّة والإسلاميّة من ناحية، وينفتح من ناحية أخرى على أحدث المناهج العلميّة المعاصرة في العلوم الإنسانيّة.
موضوع الكتاب 
يتعلّق موضوع هذا الكتاب، الذي ارتأينا أن يكون عنوانه: «النَّظرِية التَّكامُلية عند طه عبد الرحمن؛ آفاق التّجديد في مناهج تقويم علوم التّراث الإسلامي العربي»، بإشكاليّة ترتبط بمنهجيّة قراءة وتقويم علوم التّراث الإسلامي العربي؛ وهي الإشكاليّة التي تفرّقت حولها النّخب العربيّة والإسلاميّة إلى اتجاهات متعدّدة وتيارات مختلفة، وأُسِيلَ حولها مداد كثير على امتداد الوطن العربي. وعليه، فنحن اليوم بحاجة إلى إعادة قراءة التّراث الإسلامي العربي قراءة جديدة، تتّسم بالأصالة والدّقة العلميّة والمنهجيّة في التّعاطي مع أشكاله ومضامينه ومختلف أحداثه وشخصيّاته، وتتجاوز كل التّحيزات الأيديولوجيّة التي مورِسَت بحقّه، وتبتعد في نفس الوقت عن الإسقاطات المنهجيّة التي تتمّ على مستوى التّاريخ والثّقافة. 
بقليل من التّأمّل، يجد الباحث أنّ المشتغلين على حقل التّراث قد انقسموا إلى فُرُق مُتَبايِنة، عمل بعضها على ربط الواقع العربي والإسلامي بِأُفُق الحداثة والنّهضة الغربيّة وتطلعاتها، مُطَالِبَة بالوصول إلى ما وصلت إليه عبر مسالك ترمي إلى الانسلاخ عن الموروث الثّقافي كُلياًّ أو جُزئيًّا. غير أنّ طه عبد الرحمن شَكَّل بِفكره تَوجُّها استثنائيّا فريدا في قراءة التّراث وتقويم نصوصه، ونَهَج منهجا مختلفا في التّعاطي مع مضامينه؛ فقد قام توجُّهه على رؤية تكامليّة بمنهجيّة أصيلة. تُوجِب منهجيّة الرّجل، أنّ النّظر في التّراث وتقويم مضامينه، لا يمكن أن يَتَأتَّى لصاحبه إِلَّا بعد أن يَفقَهَ المنهجيّة التّكامليّة التي مَيّزت علومه وتفرّدت بها معارفه عن باقي المجالات الثّقافيّة الأخرى. 
وهذه المنهجية المُتَفَرِّدَة كانت إحدى السُّبُل التي مَكَّنت من تَقدَّمَنا من العلماء والنُّظار المسلمين من أن يُحقِّقوا من خلالها عنصر الإبداع والتَّألق في الفكر والمعرفة من داخل المجال التداولي الإسلامي العربي آنذاك، وهي المنهجية التي يرى طه عبد الرحمن أنها سَتوصِلنا إلى التَّحَرُّر من اجترار فكر الآخر، وإبداع نموذجنا الخاصّ. ولن يتمّ هذا إلاّ بواسطة العمل على البحث والتَّنقيب لاستخراج المناهج العِلميّة والعَمَليّة التي أَسَّس لها أولئِك العلماء والنُّظار المسلمون، الذين حاولوا الحفاظ على الخصوصيّة التّداوليّة للثّقافة الإسلاميّة العربيّة الأصلية، وكَرَّسوا في أبحاثهم وكتاباتهم استقلاليّة العقل العربي والإسلامي. 
إنّ تقويم عطاءات المتقدّمين وإبداعاتهم العلميّة، ووضعها في مشرحة الدّرس والتّحليل والنّقد، لن يتأتّى بقطع الصِّلة بها أو بتفضيل جُزْءٍ منها على الآخر، بداعي استجابة هذا الجزء أو ذاك للحداثة والتّقدّم، بقدر ما يتأتّى بإعمال المنهجيّة التّكامليّة المستنبطة من عموم معارف التّراث. إذن فالعمل على حقل التّراث بالنّسبة لطه عبد الرحمن، موقوف على قراءة جديدة بمنهج يقوم على دعامات أساسيّة، هي: 
أولا: ضرورة الكشف عن الآليّات التي أُنتِج بها التّراث، لفهم وتقويم مضامين نصوصه. 
ثانيا: التَّزوُّد بالعُدَّة المنهجيّة العلميّة لإعمالها في قراءة وتقويم التّراث. 
ثالثا: إعمال منهج التَّقريب التّداولي الذي يُمَحِّص المنقول من التّراث الأجنبي ليصير ملائما للمجال التّداولي الإسلامي العربي.
يتأسّس إذن منهج طه عبد الرحمن في تقويم علوم التّراث، على رؤية مختلفة عن الرُّؤَى والمناهج المُتَّبَعَة في الفكر العربي المعاصر، وهي الرُّؤية التَّكامليّة التي تُشكّل فيها الآليّات الإنتاجيّة عنصرا أساسيّا من عناصر مكوّنات التّراث؛ فالاشتغال على الوسائل المنهجيّة التي بُنِيَ بها النّصّ، والنّظر في بُناها المنطقيّة واللّغويّة والمنهجيّة، يفضي إلى اعتماد الرُّؤية التّكامليّة التي بُنيت بها جُلُّ العلوم والمعارف التّراثيّة، والتي تعدّ أصلا من أصولها.
وبالنّظر إلى السّياقات الفكريّة المختلفة، والتّوجّهات الأيديولوجيّة المتعدّدة، التي أَحْكَمَت القَبضَة على حقل التّراث، منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزّمن، فإنّنا نجد أن منظور الفيلسوف طه عبد الرحمن شَكَّل طَفرَة استثنائيّة في هذا الحقل؛ فهو يَنظر إلى التّراث بالمعنى الكُلِّي الذي تَتَكامل فيه جميع العلوم والمناهج المعتمد في صياغتها، مُشَكِّلَة بِذلك بِنْيَة معرفيّة وقيميّة متكاملة؛ أي أنّ هناك نظاما معرفيّا متماسكا، يقضي بتلازم آليّات إنتاج المعرفة مع مضامينها المعرفيّة. 
وعليه، نكون قد أبرزنا في هذا الكتاب ما يوجب الالتفات إلى ما تشكّل به التّراث الإسلامي العربي عند تقويمه وتقييمه من الآليّات والوسائل المنهجيّة، والعمل على إعادة الاعتبار لِلْبُنى الآليّة المُؤَتِّثَة لنصوصه، كونها ضابطة وحاكمة في التّقويم والنّقد. وهكذا يكون فيلسوفنا قد فتح للمفكّرين والباحثين مسلكا معرفيّا ومنهجيّا واضحا في التّعامل مع الموروث الثّقافي العربي، بمنهجيّة علميّة تحافظ على هويّته وتنفتح على ماجدّ من المناهج العلميّة المعاصرة.
خطّة الكتاب
بناء على هذا التّصور العام، فقد جعلت مدار هذا الكتاب الذي بين أيدينا، على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، تعلّق مضمونها إجمالا بتقويم القراءات والتقويمات المعاصرة للتّراث الإسلامي العربي، ونقد أطروحاتها ومراجعة دعاويها التّجزيئيّة والتّفاضليّة، والتّأسيس على أنقاضها أركان النّظريّة التّكامليّة في تقويم التّراث الإسلامي العربي. 
أمّا المقدمة فقد كانت عرضا شاملا لموضوع الكتاب وأهمّيته العلميّة، والإشكالات المنهجيّة والمعرفيّة التي طُرحت إزاء تقويم التّراث، مبرزا فيها معالم أنموذج الفيلسوف طه عبد الرحمن في نظريّته التّكامليّة، ومنهجيّة تقويمه لعلوم ومعارف التّراث الإسلامي العربي.
تفرّد الفصل الأول بتسليط الضّوء على المقدّمات المنهجيّة التي ينبغي اعتبارها عند قراءة وتقويم التّراث، المتمثّلة في مقدّمتين أساسيتين: أولاهما، مبدأ الحوار التّناظري في بناء الحقيقة المعرفيّة، وهو المبدأ الذي يحقّق التّوافق ويسعى إلى توسيع مدارك العقل؛ ثانيهما، اعتماد آليّة المناظرة والتّناظر كمنهج للحوار والنّقد والاعتراض. 
كما تولّى الفصل الثّاني الوقوف على مظاهر وأسباب التّقويم التّجزيئي للتّراث الإسلامي العربي، وبيان حدود النّزعات النّقديّة التي تولّت هذه القراءة والتّقويم، والوقوف على المسالك والآليّات التي اعتُمدت في نقد مضامينه، ومراجعة تلك القراءات والتّقويمات ونقد نموذجها البارز المتمثّل في مشروع محمد عابد الجابري في التّقويم التّجزيئي التّفاضلي؛ وتعرض الفصل الثّالث للنّظر في المبادئ الأساسيّة لتقويم التّراث، وبسط معالم النّظريّة التّكامليّة في هذا التّقويم، ثمّ الاشتغال على الآليّات الإنتاجيّة والكشف عن أسباب ومظاهر التّداخل والتّكامل المعرفي بين العلوم الإسلاميّة الأصيلة من جهة، وبين العلوم المنقولة من جهة ثانية؛ والمتمثّلة في التّداخل بين أصول الفقه وعلم الأخلاق، وبين علم الكلام والفلسفة الإلهيّة؛ في حين بحث الفصل الرّابع في أهم ّعناصر النّظريّة التّكامليّة، وهما المجال التّداولي مفهومه وخصائصه المنهجيّة، ومبدأ التّقريب التّداولي للعلوم المنقولة، المتمثّلة في تقريب علم المنطق وعلم الأخلاق إلى حضيرة الثّقافة والمعرفة العربيّة، من خلال نماذج من أعمال ابن حزم في التّقريب اللّغوي، وأبو حامد الغزالي في التّقريب العقدي، وأحمد بن تيمية في التّقريب المعرفي.
أمّا خاتمة البحث، فتمّ التوقّف فيها على عرض الخلاصات والنّتائج والآفاق الممكنة من خلال هذا الأنموذج الفكري المُتفَرِّد، الذي اضطلع به الفيلسوف طه عبد الرحمن في النّظريّة التّكامليّة في تقويم التّراث، والتي حاولنا فيها بسط الآفاق الفكريّة الواسعة في إمكانيّة وضع أسس معرفيّة ومنهجيّة، تمكّن الباحث من القدرة على اكتساب الآليّات والمناهج العلميّة النّظريّة والعمليّة ليستقلّ بفكره ويتحرّر من التّبعيّة والتّقليد، وذلك في أفق بناء معرفة تتأسّس على المقتضيات المعرفيّة واللّغويّة والعقديّة للمجال التّداولي الإسلامي العربي، تضاهي في جزء كبير منها ما لدى الفكر الغربي من نظريّات ونماذج وإمكانات فكريّة وفلسفيّة.
الهوامش
(1) «النظرية التكاملية عند طه عبد الرحمن؛ آفاق التجديد في مناهج تقويم علوم التراث الإسلامي العربي»
المؤلف: الدكتور يوسف المتوكل، باحث في الفكر الإسلامي العربي والفلسفة - جامعة سيدي محمد بن عبد الله - المغرب، رئيس مركز أندلس للدراسات والأبحاث.
عدد الصفحات: 250، الطبعة الأولى 2023،  دار النشر: دار الخليج للنشر والتوزيع - عمان / الأردن