مرايا

بقلم
د.عزالدين عناية
فتنة المسيحيّة المعاصرة
 كُتِبت المقالات الواردة في هذا المؤلَّف على فترات متقارِبة نسبيّا، ونُشرت على أعمدة الصّحف المغاربيّة والمشرقيّة، وبالمثل في جملة من الصّحف الخليجيّة والصّحف العربيّة اللّندنيّة. كما أنّ المقالات كافة نُشرت في أكثر من بلد وتوزّعت على أكثر من صحيفة، مثل «اليوم» و«الخبر» و«البصائر» (الجزائر)، و«الصباح» و«الصحوة» (تونس)، و«فبراير» (ليبيا)، و«الأسبوع» و«الشروق» (مصر)، و«النهار» و«السفير» و«المستقبل» و«اللواء» (لبنان)، و«العراق اليوم» و«العالم» (العراق)، و«السياسة» (الكويت)، و«الاتحاد» (الإمارات العربية)، و«الشرق» (قطر)، و«عُمان» (عمان)، و«القدس العربيّ» و«الزمان» (إنجلترا). 
ليس الغرض من إشاعتها توسيع دائرة قرّائها فحسب، بل ما حرص عليه صاحبها أيضا وهو التّعريف بدراسات الأديان، التي يُقدِّر أنّها لا تَجد العناية اللاّئقة بها في الثّقافة العربيّة.
وفي المجمل تتوجّه هذه المقالات إلى القارئ العربيّ عامّة دون حصر. وقد حاول المؤلّفُ فيها رصد بعض الإشكاليّات التي تواجه المسيحيّة العربيّة ونظيرتها غير العربيّة. كما أشار في العديد من المواضع إلى ضرورة تصويب الرّؤية في شأن مسيحيّة الدّاخل ومسيحيّة الخارج. فلديّ حرصٌ على التّفريق بينهما، لما لمسته في المسيحيّة الغربيّة من نزوع للهيْمنة. فتلك المسيحيّة تتعامل مع «الهامش» المسيحيّ غير الغربي، والمسيحيّة العربيّة مصنَّفة في عداده، بمثابة المسيحيّة القاصرة وغير الرّاشدة. لذلك برغم ما يجمع المسيحيّة في الغرب والمسيحيّة في بلاد العرب من صلات قربى، فإنّ بينهما فروقا شتّى.
تحويل الحدث المسيحيّ -وفق مراد المؤلِّف-(1) إلى مقالٍ هادفٍ، وإخراجه من التّناول المحصور بالمنابر الدّينيّة أو الأوساط الأكاديميّة، كان من الأهداف التي تبنّاها المؤلِّف لتقليص الفجوة بين مجاليْ «تاريخ الأديان» و«حاضر الأديان». فبموجب اِشتغال صاحب الكتاب في مجال دراسات الأديان، يدرك ما لهذا التّمايز من نفاذٍ وسطوةٍ. فتتبّع الشّأن المسيحيّ العربيّ والعالميّ، لا يحوز المكانة اللاّئقة به في الأوساط الثّقافيّة العربيّة. حيث تفتقر السّاحة إلى تقليد «الفاتيكانيست» (الخبير بالشّأن الفاتيكانيّ)، أو ما شابهه. كما أنّ الإعلام الدّينيّ العربيّ يبدو شديد التّمازج والتّداخل بالشّأن الدّعوي، ما جعله مقصِّرا في أداء دوره المعرفيّ، الحياديّ والرّصين.
ومن جانب آخر، لا يمكن أن ندّعيَ المحافظة على كيان المسيحيّة العربيّة، وننشد أداءها رسالتها، وأساليب وعينا بمخزوننا الحضاريّ بالية. فالمسيحيّة إرثٌ جمعيٌّ، وقضاياها ليست حكرًا على شريحة بعينها، بل تتخطّى من يَدِينون بها. كما أنّ هناك خطابًا كارثيّا رائجًا، مشبعٌ بالنّحيب عن مصائر هذه المسيحيّة، لا يذهب بعيدا في تلمّس الحلول وتخطّي الصّعاب. 
لا أودُّ المكوث تحت حائط مبكاه، إيمانًا بضرورة تطوير أدواتنا الفكريّة في التّعاطي مع واقعنا الدّينيّ، كسبيل للحيلولة دون حصول الأسوأ. فهذا الظّرف الصّعب نقدّر أنّه عائد، في جانب واسع منه، إلى افتقاد رؤية حديثة للمسيحيّة في الثّقافة العربيّة. ذلك أنّ هذه الدّيانةَ، سواء كان أتباعها في الاجتماع العربيّ أم خارجه، لا يزال التّعامل معهم بمنظور عقديّ، يستوجب تطعيمه برؤى حديثة، بقصد الخروج من ضيقه وأسْره.