في الصميم

بقلم
د.عثمان مصباح
القصص القرآني من منظور جديد (12) ثمود والناقة
 السّياق التّاريخي لنشأة «ثمود»
كانت عادٌ يوم أن كانت الجزيرة العربيّة كلّها خضراء، تحتضن أكثر من سبعة آلاف بحيرة، وشبكةً هائلة من الأنهار الجارية، وهذا الوضع الجنائني كان مستقرا في الجزيرة قبل عشرة آلاف سنة(1) ، ثمّ وقع تصحّر زحف على الجنّة العربيّة، إلى أن صار معظم الجزيرة يعاني شحّ المياه. 
مع هذا الانقلاب البيئي نشأ قوم ثمود، والثّمد في العربيّة يفيد النُّدرة، وأطلقته العرب على الماء الذي ليس له مددٌ، ويكون عرضة للنفاد(2)، وممّا أُثِر عن العرب قولُهم(3): «ثمَدَ القومُ الماءَ»، إذا استنبطوه من الأرض، و«ثمدوا المكانَ»، إذا هَيّؤوه كالحوضِ ليجتمع فيه الماء. 
نفهم من هذه الآثار اللغوية أن اسم ثمود أطلق على قوم عاشوا في بيئة صحراوية، وعُرفوا ببراعتهم في تدبير الموارد المائية، وهذا ما تؤيده الإشارات القرآنية بشأن قوم ثمود الذين استطاعوا أن يحولوا صحراءَ قاحلةً إلى أرض خضراء، حيث عاشوا ﴿فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾(4)
ثمود بين الاستخلاف والاختلاف
ثلاث أمم تكرّر ورودها في نسق يؤكّد به القرآن أسبقيّتها المطلقة في سجل القرى الهالكة، وأنّ اللاّحق منها كان فرعا من السّابق: قوم نوح، وقوم عاد، وقوم ثمود، لذا نجد صالحا عليه السّلام يذكّر قومَه حين بُعث إليهم قائلا: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ ‌بَعْدِ ‌عَادٍ﴾(5) ونفهم من هذا التّذكير أنّ ثمودا مرّوا مثل عاد بمرحلتين: مرحلة الاستخلاف، ومرحلة الاختلاف.
في المرحلة الأولى كان ولاؤهم للّه ربّ العالمين، ثمّ وقع انقلاب عنيف يقوده عادة مغامرون يتنافسون على الثّروة والزّعامة، ويفرضون الأمر الواقع على السّواد الأعظم، ثمّ ينتقلون إلى مرحلة التّطبيع الثّقافي لصناعة أجيال تسلِّم لهم تسليما، فتظهر الوثنيّة، وتُعبد الأصنام القوميّة: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ‌زُخْرُفَ ‌الْقَوْلِ غُرُورًا﴾(6) ثمّ يظنّ الظّالمون إمهال اللّه إهمالا، ﴿وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ ‌عَلَيْهِمُ ‌الْعُمُرُ﴾(7)، وهكذا تنجح الشّياطين في لعبة النّسيان.
تشخيص إجمالي لأحوال ثمود
بعد هجرتها شمالا استوطنت ثمود أرضا جافّة تجمع بين سهول وجبال، وكانت عرضة لسيول جارفة، تسبّب خسائر فادحة، ثمّ تتلاشى المياه في الصّحراء، ولا تبقى منها إلا غُدران وقِلاتٌ (8) تتعرّض للتّبخر، فلا يسمح الباقي من الماء إلّا بحياة بدويّة شاقّة.
اتّبعت ثمود التي ورثت عن عاد جسوما قويّة، وعقولا ذكيّة وقادة محنّكين، خطّةً في العمران أدّت إلى ظهور مستوطنة غنيّة تتحدّى الصّحراء، إذ نحتوا في الجبال بيوتا أمنوا فيها من غوائل السّيول، واستحدثوا نظاما عبقريّا في تخزين المياه وتوزيعها، فأقاموا سدودا وصلوها عبر قنوات بمرافق للاستعمال المنزلي، وساقوا منها إلى محابس مائيّة عظيمة أنشؤوها في السّهول، فجّروا منها عيونا صناعيّة تسقي مزارعهم، وهكذا تحوّلت القفار إلى جنّات، والمآوي إلى بيوت مرفهات. 
وهذا الوصف تدلّ عليه إشارات قرآنيّة منها:
قول صالح لقومه: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ، وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا، وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا، فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(9)، والقصور لم تكن للسّكنى، بل هي خزّانات كبيرة للماء، بدليل قوله تعالى: ﴿وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ﴾(10) لأنّ السّيول الجارفة كانت تأخذ ساكنة السّهل على حين غِرّة، فتفجأ وتفجع.
وقوله تعالى: ﴿‌وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾(11) أي كانت لهم قدرة عجيبة على استعمال الصّخور وتجويفها لتخزين المياه وتصريفها حسب الحاجة.
وهذا السّبق الحضاري العظيم كان من إنجاز أمّة، والعدل فيه يقتضي سنّة في التّوزيع تجمع بين حقوق الجماعة صاحبة الإنجاز، وحقوق الأفراد بحسب الاستحقاقات، والضّامن لهذه العدالة الشّفافيّة والرّقابة.لكن الذي جرى حين فسد الحال في عشائر ثمود أنّ الثّروات صارت تتركّز في يد قلّة باغية، إلى أن استحوذت في النّهاية على الموارد المائيّة، ومنعت المستضعفين حقوقهم فيها إلّا بشروط مرهقة، وفي ذلك قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ‌الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ﴾(12)، والحجر هو المنع من كلّ الجهات، ومنه قيل للحُجرة حجرة، لأنّ الحواجز محيطة بالمكان المحجور، ولأجل تحقيق هذا الحدّ الأقصى من المنع ابتدع هؤلاء المسرفون نظام التّجنيد لحراسة الماء وقمع الثّائرين، وإلى ذلك الإشارة في قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ، فِرْعَوْنَ ‌وَثَمُودَ﴾(13) 
والذي مهّد الأمر لهذا الوضع المأساوي هو ما صنعه البُغاة المؤسّسون من قداسات وثنيّة هدّمت قواعد العدل والشّفافيّة، ومنحتهم امتيازات استثنائيّة، وهؤلاء المؤسّسون هم الآباء المذكورون على لسان الكبراء في جدالهم مع نبيّ اللّه إذ ﴿قَالُوا: ‌يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا، أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾(14)
والآلهة إنّما اصطنعها السّادة المتنافسون على الدّنيا لتكون رموزا قوميّة أو عشائريّة، يحرّكون بها النّعرات الحزبيّة تحت عنوان المجد والعزّة: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا ‌لَهُمْ ‌عِزًّا﴾(15)، فتتعزّز بهذا المكر السّيادة والسّعادة لأولئك الأشرار: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ ‌تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾(16)
صالح المصلح
أرسل اللّه صالحا ليعيد الأمر إلى نصابه الأول، لهذا ذكّرهم بالأصول المبطلة للوثنيّة، والهادمة للامتيازات الظّالمة، وهذا ما تجلّى في قوله:﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرهُ﴾(17)،﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ﴾(18)،﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ‌وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا، فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ﴾(19)، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، ‌وَلَا ‌تُطِيعُوا ‌أَمْرَ ‌الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾(20)
وقد أحدثت دعوة صالح انقساما داخليّا حادّا، لأنّ المشكلة تعلّقت بأمر حيوي، وهو أزمة المياه، وهذا ما أسقط القناع عن الآلهة المزعومة التي عجزت عن إنصاف المظلومين، ولم تنفعهم في حلّ معضلة الموارد، فانكشفت لعبة الكبراء، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ‌ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾(21)
ومن هنا بدأت جولة من مكر السّادة لصرف المستضعفين عن دعوة صالح، فأخذوا يقصفون جبهته بأنواع من الشّبهات، كالزّعم بأنّه مجرّد طامح طامع، وأنّه يطلب الطّاعة لنفسه لا للّه، وما تنبغي الطّاعة إلاّ للآلهة:
﴿قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ، وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ، أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ، إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ، إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ﴾(22)
و﴿قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ‌اسْتُضْعِفُوا ‌لِمَنْ ‌آمَنَ ‌مِنْهُمْ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ؟ قَالُوا: إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ! قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ!﴾(23)
ثم ابتغوا تعجيزه وإحراجه أمام العامّة، فطالبوه أن يحلّ أزمتهم حلاّ يدلّ على أنّه رسول اللّه حقّا، قالوا: ﴿‌فَأْتِ ‌بِآيَةٍ ‌إِنْ ‌كُنْتَ ‌مِنَ ‌الصَّادِقِينَ﴾(24)، وهاهنا كان التّأييد الإلهي حاجة ماسّة، لتحقيق الفرقان بين إله يزعم صالح أنّه ذو رحمة وعناية بعباده، وبين آلهة لا برهان لها إلاّ أنّها ميراث الآباء، وبقيّة السّلف!
﴿فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: نَاقَةَ اللَّهِ، ‌وَسُقْيَاهَا﴾(25) ،﴿وَيَا قَوْمِ هَذهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً﴾(26) 
ما وجه دلالة النّاقة على نبوّة صالح؟
الآية هي كلّ ما استوقف الإنسان للتّفكر، ودعاه إلى الاعتبار، وليس من شرطها أن تكون معجزة كما زعم علماء الكلام تأثّرا بالجدل المسيحي، بل شرطُها أن تكون شاهدة بحقٍّ على ما استُشهدت عليه، وهي أنواع كثيرة مبذولة للنّاس أبد الآبدين، ومنها ما هو نادر واستثنائي. 
وقد اعتمد صالح في البداية على الآيات المشتركة بين النّاس، وهي التي اعتمدها نوح وهود من قبله، ثم اختصّه اللّه بآية النّاقة ليبطل بها مكر الطّغاة، وكانت لهذه الآية دلالة حاسمة من جهتين: من جهة كونها ناقة، ومن جهة سُقياها. ولم تكن النّاقة التي أيّد اللّه بها صالحا بنت صخرة كما زعمت الأساطير، بل كانت كغيرها من بنات الإبل، لكنّ النّاس إلى زمن صالح لم يكونوا قد استأنسوا الجمَل. 
فقول صالح: ﴿هَذهِ نَاقَةُ اللَّه﴾، أفاد بوصفها وإضافتها إلى اللّه أنّه تعالى هو الذي ذلّلها لهم يومئذ بعد أن كانت وحشيّة، ولفظ (النّاقة) لم يكن اسما لهذا الحيوان الهائل، بل كان مجرّد صفة وظيفيّة طارئة دلّت على تدخّل إلهي، قال الجوهري (ت: 393 هـ): «بعيرٌ مُنَوَّقٌ، أي مذلَّلٌ مروَّضٌ ... والنَوَّاقُ من الرّجال: الذى يُروض الأمور ويُصلحها»(27)، فناقة اللّه معناها البهيمة التي نوّقها اللّه لهم ليستعينوا بها على استنباط الماء.
وهذه الآية كانت تقتضي أمرين: حفر بئر تُستخرج منها مياه إضافيّة، لأنّ سقيا ثمود كانت تعتمد سابقا على مياه الأمطار، وهي التي تمّ حجرها؛ والأمر الثّاني أن تُقسم المياه بطريقة شفّافة: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ، ‌كُلُّ ‌شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾(28)، أي يكون بمحضر يمنع الغش والتخسير.
وإضافة النّاقة إلى اللّه يمكن أن نفهم منه أمرين آخرين أحرجا الملأ من القوم:
الأول: أنّ السّقيا هي باسم اللّه لا باسم الآلهة.
الثّاني: أنّها حقّ عمومي لا امتياز فيه. 
لهذا طلب المستكبرون يوما لا تعمل فيه النّاقة، حتّى لا يُظهروا الخضوع لآية صالح من جهة، وحتّى لا ينزلوا منزلة العامّة، ﴿قَالَ: هَذهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ، وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾(29) فكان ذلك اليومُ يومَ فضيحة للمتكبّرين.
واختيار هذا الحيوان القويّ دليل آخر على عناية الحكيم الرّحيم الذي علِم حاجة القوم إلى استنباط كميّات كبيرة من الماء، وبذلك انكسر طوق العبوديّة عن المستضعفين.
فتبيّن أنّ الذي أرسل صالحا هو اللّه الذي تكفلّ برزق العباد، وأن آلهة ثمود لا تملك لهم رزقا، بل كانت سببا في فساد أمرهم: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا، وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا﴾(30).
المكر الأخير
لم يبق للملأ من القوم إلا القبول بمشروع صالح الذي كسر هيمنتهم، وأسقط هيبتهم، أو التمادي في العناد، وقد مالوا على عادة الطغاة إلى التمادي، إذ قرروا في السر أن يعطلوا عملية السُّقيا، فاستأجروا أحد العتاة ليقطع قوائم الناقة، وقرروا مع هذا أن يقتلوا صالحا ليميتوا دعوته.
﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، قَالُوا: تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾(31) 
﴿فَنَادَوْا ‌صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ، إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ﴾(32) ، ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ، فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾(33)
خاتمة
الذين قصدوا التّعجيز هم سادة ثمود، أمّا ناقة اللّه فلم تكن معجزة، بل كانت شاهدا على صدق صالح عليه السّلام، شهادةً كاشفة للإمكانات التي عطّلها النّظام الطّاغوتي المعادي لنظام الاستخلاف، ولو فرضنا هذه الأزمة المائيّة قد وقعت في مجتمع الحقّ والإنصاف لاهتدى النّاس إلى نظام السّقيا التي جاء بها صالح دونما حاجة إلى رسول من اللّه، لأنّه تعالى جعل في السّماوات والأرض قابليّة الارتفاق، وأعطى الإنسان سلطان التّسخير.
وهكذا يتبيّن أنّ الاستبداد والطّغيان خيانة للأمّة، لأنّه معاد بالضّرورة لكلّ الحلول التي تحرّر النّاس من قبضة الطّغاة، الحريصين كلّ الحرص على إضعاف سلطان الأمّة، وتعطيل فعاليّتها الحضاريّة، لتصير بين أيديهم قطيعا من الخراف الضّالة، ولهذا اضطهدوا دُعاة القسط، واستعجلوا مفاصلة الرّسل: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا! فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ‌الْأَرْضَ ‌مِنْ ‌بَعْدِهِمْ، ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ، ‌وَاسْتَفْتَحُوا! وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍَ﴾(34).
الهوامش
(1) انظر تقريرا عن مؤتمر «الجزيرة العربية الخضراء» صدر بجريدة الشرق الأوسط يوم الجمعة - 4 جمادى الآخرة 1435 هـ - 04 أبريل 2014 مـ
(2)  مقاييس اللغة: 1/387
(3) المعجم الوسيط: 1/100، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة
(4) سورة الشعراء - الأيتان 147 و 148
(5) سورة الأعراف- الأية 74
(6) سورة الأنعام  - الأية 112
(7) سورة القصص - الأية 45
(8) القِلات جمع قَلت، والقلْتُ نُقرة في الصخر يَستنقع فيها الماء، ولا يزال هذا اللفظ حيا، ومنه قول بعض المغاربة للمستنقع الصغير: (ڭَلْتَه)
(9) سورة الأعراف  - الأية 74
(10) سورة الحجر  - الأية 82
(11) سورة الفجر  - الأية 9
(12) سورة الحجر  - الأية 80
(13) سورة البروج - الأيتان 17 و 18
(14) سورة هود  - الأية 62
(15) سورة مريم  - الأية 81
(16) سورة إبراهيم  - الأية 30
(17) سورة الأعراف  - الأية 73
(18) سورة الأعراف  - الأية 74
(19) سورة هود  - الأية 61
(20) سورة الشعراء   - من الأية 150 إلى الآية 152
(21) سورة النمل  - الأية 45
(22) سورة المؤمنون  - من الأية 33 إلى الآية 38
(23) سورة الأعراف  - الأيتان 75 و 76
(24) سورة الشعراء  - الأية 154
(25) سورة الشمس  - الأية 13
(26) سورة هود  - الأية 64
(27) تاج اللغة وصحاح العربية: 4/ 1561، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت، الطبعة الرابعة، 1407 هـ‍ - 1987 م
(28) سورة القمر  - الأية 28
(29) سورة الشعراء  - الأية 155
(30) سورة الإسراء  - الأية 59
(31) سورة النمل -من الأية 48 إلى الآية 50
(32) سورة القمر  -من الأية 29 إلى الآية 31
(33) سورة النمل  -من الأية 51 إلى الآية 53
(34) سورة إبراهيم  -من الأية 13 إلى الآية 15