تحت المجهر

بقلم
مريم الخالدي
حيونة الإنسان للكاتب ممدوح عدوان
 نبذة عن الكاتب ممدوح عدوان 
ممدوح صبري عدوان سوري الجنسيّة حاصل على بكالوريوس باللّغة الإنجليزيّة من جامعة دمشق 1966، وعمل صحافيّ 1964، درّس مادة الكتابة المسرحيّة في المعهد العالي للفنون المسرحيّة بدمشق 1992، صدر له تسعون كتابا في الشّعر والمسرح والرّواية، والنّثر، والتّرجمات الأدبيّة، والنّقديّة.
نبذة عن كتاب «حيونة الإنسان»
الكتاب مؤلّف من 285 صفحة، تمّ نشره من خلال دار ممدوح عدوان للنّشر والتّوزيع، الطّبعة العاشرة عام 2019، ويتكوّن من عشرين فصل، يتناول فيها المؤلف كيف يجعل القمع والإذلال الإنسان الحرّ يتقبّل فكرة أن يكون حيوانا دون أن يعي ذلك، وكيف أصبح العنف عادة نألفها ونمارسها، وقد يكون عنفا باسم السّلطة أو عنفا باسم الدّين أو عنفا باسم الإنسانيّة، المهمّ أن يصل الإنسان إلى غايته. 
 يشير الكاتب بأنّه تناول الموضوع بعقليّة الأديب وليس بعقليّة الباحث، لأنّه يعترف بأنّ صفات الباحث لا تنطبق عليه وأنّه يذكر النّظريّات كأمثلة ولا يسعى لنقضها أو تفنيدها، لذلك اعتمد في كتابه على الكثير من شهادات الأدباء.
 ويصف الكاتب ما هو مصير الإنسان الحرّ الذي له أفكاره ومعتقداته التي لا تعجب السّلطة، وكيف يجبر على عدم البوح بها عندما يتعرّض للتّعذيب بجميع أنواعه ليروّض ويصبح خاضعا.
ويتحدث عن ورطة الإنسان الأعزل، وكيف أنّ تعذيب الإنسان لأخيه الإنسان ليس خوفا وتنفيذا لأوامر السّلطة فقط بل يمكن أن يكون بدافع الحقد المتراكم كما حدث في مجزرة صبرا وشتيلا والمجازر التي تحدث في فلسطين (هناك حاجة شعب لنهب شعب أخر، ولا يحدث هذا إلاّ عندما نجعل الشّعب الأخر غير قادر على المقاومة)
 ويسلّط الضّوء على طرق صناعة العنف والتي يتحوّل فيها الإنسان إلى جلاد عن طريق تجارة العنف التي تمثلت في الأفلام والمسلسلات والأدب ويطرح سؤال هل نحن جلادون؟
 ويجري مقارنة بين الإنسان والحيوان، حيث لا يقتل الحيوان إلاّ بدافع الغريزة والحاجة، بينما الإنسان له دوافع مختلفة، عديدة ومتنوّعة؟ ايستخلص أنّ البهيمة الكامنة في النفس البشرية تفوق بكثير البهيمة الخاصة بالحيوان. 
 ويذكر الكاتب قصص مهولة حقيقيّة توضّح تأثير السّجن على الإنسان وكيف يتمّ تحطيمه نفسيّا ومعنويّا ويتحوّل إلى حيوان وضيع، ويقول في وصف هذه الحالة -على لسان الكاتب يوسف إدريس – «الضرب، ذلك النّوع من الضّرب، حين يتحوّل المضروب إلى أنقاض إنسان مذعورة، أنقاض تتألم» 
ويشير عدوان إلى دراسة ظاهرة الطّاعة وتنفيذ الأوامر وكيف تتمّ عن طريق عمليّات  ترويض الإنسان بحيث يتمّ تغيير بنيته الدّاخليّة ويصبح مقموعا بفعل القوّة القامعة ويتحوّل إلى إنسان وحشيّ مطيع، منفذ للأوامر. ويوضح الكاتب كيف أنّ الإنسان هو بنفسه يعطي الفرصة لكلّ من حوله للتّطاول عليه وذلك عندما يسكت عن المطالبة بحقّه وعندما يظهر خوفه وبذلك يصبح مادّة شهيّة لممارسة كلّ أنواع الاستبداد والعنف عليه. 
 ويذكر الكاتب خطورة أن يكون السّلاح بيد إنسان مسحوق مقهور دون ثقافة سياسيّة، فيتصرّف بعقليّة المتسلّط القديم، ويتعصّب ويبطش، ويريد أن ينتقم من الماضي ويثبت لنفسه وللأخرين بأنّه قويّ
 ويتحدث عن التنمّر (السّلبطة)(1) وكيف يفرض الشّخص إرهابه على غيره ويساعده في ذلك خوف الآخرين منه وتزداد سيطرته، وتتّسع دائرة نفوذه عندما تسانده السّلطة وأطلق عليها (السّلبطة السّلطوية).
يبيّن «ممدوح عدوان» في كتابه كيف يصل المجتمع إلى حالة من التّفكير المزدوج وهو الاستسلام أمام حالات الذّعر، فيتحوّل من الاستياء إلى القناعة باستحالة مقاومة الوضع، وتصبح المجتمعات مقموعة ومهيّأة إلى ممارسة نفس القمع والاضطهاد المعرضة له على غيرها. 
أورد لنا الكاتب الكثير من الأمثلة والقصص التي تثبت أنّ العنف أصله تاريخي ويمارس منذ العصور القديمة وأنّ الإرهاب يظلّ ثابتا طالما هناك سلطة تسانده.
 يذكر الكاتب عن قول فلاديمير لينين «الطّبقات الحاكمة كلّها تحتاج من أجل الحفاظ على سيطرتها وظيفتين اجتماعيتين هما الجلاّد والكاهن» ويقصد بأنّ الطّبقات الحاكمة لكي تستمر تحتاج إلى وظيفتين الجلاد ورجل الدّين، الجلاّد لفرض الهيبة ورجل الدّين لكي يقنع الشّعب بأنّ الظّلم الواقع عليهم هو بمشيئة اللّه. 
وأشار الكاتب بأنّ الأدباء كانوا يكتبون عن «اليوتوبيا» وهي المدينة الفاضلة لكنّ الآن تلاشى الأمل بوجودها وأصبحوا يكتبون عن «الانتي يوتوبيا» المدن غير الفاضلة. 
 وذكر صفات الشّخصيّات التي تطيع وتوافق بدون تفكير وتستمدّ قوّتها من السّلطة وولائهم الأعمى لها والاستعداد لعمل أيّ شيء وأطلق عليهم وصف الحاشية. 
ويتحدث أيضا عن الطّاغية وكيف يقدّس الحاكم وبأنّ له ذات لا تمس، ويعتبر هذه الظّاهرة أكثر انتشارا في دول العالم الثّالث وكيف يحتكر الحاكم القرار ويتشبّث بالحكم، حتّى لو يصل إلى أرذل العمر ويصف الدّيكتاتور بأنّه من يصل إلى الحكم عن طريق غير مشروع مثل الانقلاب سواء كان أبيض أو دمويّا. 
رأيي حول الكتاب
عنوان فيه إثاره لقراءة ما في محتوى الكتاب، رغم أنّ محتواه مؤلم لكنّه ملهم ويوقظ من يقرأه، وهو مختلف وفريد من نوعه وكلّ ما قيل فيه على الرّغم من بعض المبالغة أعتبره واقعي، والكاتب لديه القدرة على توصيل وجهة نظره بأسلوب بسيط ومفهوم، وما يؤخذ على الكاتب التّكرار لقصص تعطي نفس المعنى. 
الهوامش
(1) السّلبطة مصطلح يستعمله اللبنانيّون وتعني التّجنّي وفرض أمرٍ ما بالقوة.