شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الدكتور «علي بولاج» Ali Bulaç
 الدكتور علي بولاج، مفكّر وكاتب وصحفي تركي، ولد من عائلةٍ بسيطةٍ مؤمنةٍ في أول أيام عام 1951 بمدينة ماردين ذات الكثافة السّكانية العربيّة والواقعة في جنوب الأناضول على الحدود السّورية، ترعرع في وسطٍ دينيٍ مزدوج اللغّات وتلقّى تعليمه الدّيني الأول في دروس القرآن الرّسميّة، ولاحقًا في كليّة الخطباء الحكوميّة، تخرّج من المعهد الأعلى للدّراسات الإسلاميّة في إسطنبول سنة 1975، ثمّ أنهى قسم علم الاجتماع بجامعة إسطنبول سنة 1980. يُعدّ «د.على بولاج» من أقرب الكتّاب الأتراك إلى العقليّة العربيّة وأكثرهم ميلًا إلى هويّة إسلاميّة تتقارب مع العرب أكثر من الاتحاد الأوروبي. وقد حاز على جائزة أفضل مفكّر أسندها له اتحاد الكتاب الأتراك عام 1988.
بعد أنْ كتب لفترة من الزمن في مجلة «حركة نور الدين طوبجوز»، أصدر سنة 1976 دوريته الخاصّة «تفكير» التي شرَّعت الباب في تركيا ناقلةً إياها من الإسلاميّة الوطنيّة إلى الإسلامية العالميّة.ثمّ أسس دار الفكر للنشر سنة 1984، ثم دار الإنسان للنشر، ومن خلالهما أصدر عددًا كبيرًا من التّرجمات: بدأً بأعمال الأفغاني «غُلب الدين حكمتيار» والإيرانيين من أمثال «علي شريعتي» و«آية الله الخميني»، والمصريين «حسن البنا» و«سيد قطب» والباكستاني «أبو الأعلى المودودي».
وبعد أنْ ترجم القرآن وكتابًا آخر يعالج العلاقة بين القرآن والحديث سعى «د.على بولاج» في كتابه السّياسي الأول «المفاهيم الحديثة والأنظمة» إلى تصفية الحسابات مع الأيديولوجيّات السياسيّة المنافسة، مثل اللّيبرالية، والماركسيّة، والاشتراكيّة، والفاشيّة. وقد رسم في كتابه هذا صورةً للإسلام بعيدةً عن المذهب المحافظ وعن الفكر القومي، جاعلا من الدين وسيلةً لحل الصراعات الطبقية، ونقيضًا للإمبريالية. بذلك غدا الكتاب بيان الحركة الاسلاميّة الفتيّة في تركيا، وباع أكثر من خمسمائة ألف نسخة. ثمّ اصدر كتابه «في فهم الإسلام» الذي سعى من خلاله إلى ترسيخ الإسلام السياسي ثيولوجيًا من جهة، وانتقاد التيار الإسلامي العثماني الذي مثله المثقفون العثمانيّون في القرن التاسع عشر، والذي استسلم أمام الفكر الأوروبي من جهة ثانية.وجاء الانقلاب العسكري في العام 1980 ليقضي على المجلة ودار النّشر.
وفي العام 1986 وبعد أن حُسِمَ اللّبس القائم بين الإسلام بوصفه أيديولوجيا والإسلام بوصفه موقفًا ناقدًا لتأييد الحداثة في فكره نهائيًا، شارك «د. علي بولاج» في تأسيس صحيفة «الزمان» التركية الناطقة بالعربية واستمر في كتابة المقالات عبر صفحاتها متوجّها إلى قطاعٍ أوسع من الرأّي العام وخاصّة إلى الجيل الشّاب من الجمهور النازح من الأرياف الذي يعاني من التفكّك الاجتماعي، ومن الوحدة في المدن التّركية الضّخمة الجديدة، ومن انحلال القيَّم الأخلاقية وفقدان التقاليد. 
رفض «د.على بولاج» كلّ المساعي التي حاولت فهم الدّين بمصطلحات ومتغيرات الأيديولوجيا السّياسيّة لتصنع منها أيديولوجيا بديلةً. وكذلك الأمر بالنّسبة للمساعي التي حاولت التّوفيق بين العلوم الإنسانيّة والعلوم الطبيعيّة والمواقف الإسلاميّة. فالإسلام بالنّسبة له هو البديل الوحيد للحداثة، ومتغيراتها، وأفكارها، وهو أيضا بديل عن أيديولوجيتها وشكل الدّولة الذي تنادي به. وفي نفس الوقت كان«د.على بولاج» يدافع في جل كتاباته عن فكرة أن قيم العالم الحديث تتلاءم مع تعاليم الإسلام، مبدياً في ذلك وثيقة المدينة دليلاً على فكرته هذه التي يشدّد فيها على قدرة المسلم على التعايش مع غير المسلم دون تصادم أو صراع. 
فقد صمم «د.على بولاج» نظامًا اجتماعيًا مثاليًا استمده من دستور «المدينة المنورة» في زمن النّبي، وبذلك اتخذ هذا المنظور شكلاً سياسيًّا. وتُشكِلُ «كونفدراليّة مجتمعات تقوم على القانون» بالنّسبة لبولاج بديلاً عن الدّولة القوميّة الحديثة، التي تختلق «ديانات حديثةً» باسم وحدات اجتماعيّة حديثة ومصطنعة من نوع «الأمّة»، مستعينةً بعلوم الاجتماع الحديثة، وتجبر كافة المواطنين على إتباعها بشكل أو بآخر. يقول في هذا السياق «يمكنا أن نستخرج كلياّت أساسيّة من أحكام هذه الوثيقة إن قمنا بعمليّة تجريد وتعميم لها، ومن ثمّ يمكن لهذه الكليّات الأساسيّة أن تكون مصدر إلهام في حلّ كثير من المشاكل اليوم. وهناك العديد من الأحاديث والآيات والعديد من التّجارب الذّاتية والمحليّة في تاريخ المسلمين، وكذلك العديد من أحكام الشّريعة الإسلاميّة التي تؤيّد المشروع الكبير الذي استهدفته هذه الوثيقة. وإنّ التّجارب التي حفَل بها التّاريخ الإسلامي في هذا الموضوع كانت انعكاساً لروح هذه الوثيقة بخطوطها العامّة وشرحاً وتطبيقاً لها. إنّنا ونحن نعيش في هذا العصر مشاكل عدّة مثل النـزاع العربي الإسرائيلي والنـّزاعات الإقليميّة ودعوى صراع الحضارات والعمليّات الإرهابيّة نرى أنّنا في حاجة ماسّة إلى مشاريع تتّخذ من التّعاقد والحوار والمباحثات أساساً لها، أي نحتاج إلى مشاريع تؤمن بالتّعددية وتسعى لها». وقد صاغ «د. علي بولاج» الشّكل النظري لأفكاره بين الأعوام 1993 و1996 على صفحات مجلتي «البلاغ» و«الحكمة»، التي استطاعت أن تستقطب المثقّفين غير الإسلاميين للمشاركة في النقاش، قصد بلورة أهداف مشتركة مع الإسلاميين.
وبالرغم من أنّ «د. علي بولاج» كان مستشارًا سابقا لأردوغان أثناء عمله كرئيس لبلدية إسطنبول ثم كرئيس للوزراء، وبالرغم من أنّه لم يترب في «حركة الخدمة» التي يرأسها المفكر الإسلامي محمد فتح الله كولن ولم يكن في يوم من الأيام عضوًا فيها، فقد أُدرج اسمه ضمن أوامر اعتقال بحق 47 صحفيًا، بتهمة التورط في محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت خلال شهر جويليّة 2016. وقد تكون مقالاته الكثيرة الناقدة لأردغان وحزبه هي السبب الرئيسي لاعتقاله . وفي ماي 2019 أطلق سراحه بعد أن أصدرت محكمة حقوق الإنسان التركيّة حكمًا بإلغاء الحكم الصادر في حقّه باعتباره مخالف للقانون والدّستور وفيه انتهاك للحقوق والحريات.