شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الفيلسوف سيد حسين نصر
 سيد حسين نصر مفكّر وفيلسوف إسلامي معاصر، ولد في طهران في 7 أفريل 1933، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة وهو في الثانية عشرة من عمره. استكمل دراسته فتحصّل على الباكالوريوس في الفيزياء والماجستير في الجيولوجيا والجغرافيا الفيزيائيّة والدكتوراه في الفلسفة وتاريخ العلوم من جامعة هارفارد. تلقّى دروسًا في اللّغة العربيّة في نفس الجامعة ممّا مكّنه من الاطلاع على الفلسفة الإسلاميّة. تأثّر كثيرا بكتابات رينيه جينو وبدروس الفيلسوف الإيطالي جورجي ودي سانتيانا فانكبّ على دراسة الحكمة اليونانيّة القديمة (فيثاغوراس وأرسطو وأفلاطون..) وفلسفة القرون الوسطى ونقد الفكر الغربي الحديث. 
عاد سنة 1958 إلى إيران حيث التحق بمدرسة سبهسالار الدينيّة. وعمل أستاذًا بجامعة طهران وأسّس الأكاديميّة الإيرانيّة للفلسفة. واضطرّ إثر اندلاع الثورة الإيرانيّة إلى الهجرة ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد أن علم بخبر إحراق مكتبته ونهب منزله ومصادرة أمواله.
يشغل سيد حسين نصر خطة بروفيسور بقسم الدراسات الإسلاميّة في جامعة جورج واشنطن الأمريكيّة. وقد اشتهر خاصة في مجال الأديان المقارنة والتصوّف وفلسفة العلوم والميتافيزيقا. وهو يتقن بالإضافة إلى الفارسيّة اللغة العربيّة والفرنسيّة والانجليزيّة. خبر سيد حسين نصر الفكرين الغربي والإسلامي على حدٍّ سواء، وتاريخ العلوم والفلسفة معاً. وهو رجل علم ودين معاً، خبر التاريخ والعلم والإيمان على امتداد عمر حافل بالعلم والعبادة والتأمُّل والتنقُّل والحوار مع الناس في مختلف الأوساط.
تميّزت فلسفة سيّد حسين نصر بنظرته النقديّة للحداثة وتأثيراتها السلبيّة في حياة الإنسان، من موقع الاتّجاه التقليدي (الفلسفي والصوفي أساساً) الذي لا ينكره؛ بل يدافع عنه توجُّهاً أصيلاً وبديلا للعلمويَّة والحداثة، فهو يرى أنّ الحداثة قد أفسدت علاقة الإنسان بالطبيعة وانتقالها من مرحلة التعايش والانسجام والتقديس إلى طور التّسخير والهيمنة والتدمير. بالإضافة إلى أنّها أنتجت فراغا روحيًّا لدى الإنسان وجعلته يعيش أزمة نفسية واجتماعيّة أنتجت حروبا مدمّرة لم تشهد البشرية لها مثيلا .لذلك نجد سيد حسين نصر يرفض رؤية العالم التي حصرت في منهج علميّ يلغي البُعد الإلهيَّ والروحانيَّ في الإنسان. ويرى أن العلوم بحاجة الی طاقة روحية تجعلها موائمة للنظرة الشاملة للحياة، وبالتالي ضرورة بنائها علی اسس معرفية وفلسفية جديدة تجعلها غير مناهضة للرؤية الروحية تجاه الکون والحياة والإنسان.
ويؤكّد سيّد حسين نصر في كتاباته على ضرورة التشبُّث بالإسلام التقليدي الذي يسع جميع التأويلات، وتمييزه عن مصالح الجماعات المختلفة، مع الأخذ بأسباب العلم الحديث وتطوير الذات. ففي الإسلام التقليديّ متَّسع لجميع التأويلات والطوائف والمدارس السنّيَّة والشيعيَّة والصوفيَّة، ولا بدَّ من قبول كلّ طرف للآخر من أجل تحقيق التعايش والسلام. فالمشكلة ليست في الإسلام التقليديّ الذي هو كونيّ؛ بل في الأرثوذكسيَّات الطائفيَّة الإقصائيَّة.
وهو يرفض بشدّة الصّراع بين الطّوائف الدينيَّة، الذي ساهمت الحداثة من جهة والحركات الأصولويَّة المتعدّدة من جهة أخرى في إذكائه، عبر إضعاف الصّوفيَّة خاصّة والحياة الروحيَّة بشكل عامّ، التي كانت عامل توحيد في العالم الإسلاميّ. والحلُّ الذي يقترحه سيّد حسين نصر هو التشبُّث بوحدة الأمَّة الإسلاميَّة وقيمة الأخوَّة التي تجمع الطوائف المختلفة سُنَّة وشيعة وغيرهما، من أجل بناء فضاء للتعايش المشترك، ومواجهة التحدّيات التي تواجه الجميع. 
الدّين، في حدّ ذاته، ليس مشكلة؛ بل هو حلّ، في نظر سيّد حسين نصر. وهو يرى أنَّ الأديان متعدّدة، لكنَّ التوحيد واحد؛ إذ «في قلب كلّ الأديان الأصيلة يوجد التوحيد»، بحسب تعبيره. والتعدُّديَّة لا تضعف الإسلام؛ بل تقوّيه. وهو لا يخفي انخراطه في التجربة التي دعا إليها المفكّر الألماني السويسري عيسى نور الدين (Frithjof Schuon) في شكل «وحدة متعالية للأديان»، وهو توجُّه لا يخالف التوجُّه الكونيّ للقرآن الكريم الذي يتميَّز به من غيره من الكتب السماويَّة. و«كلّ ما على المسلم الصادق أن يقوم به اليوم هو العودة إلى رؤية القرآن العالميَّة؛ حيث مصطلح الإسلام نفسه لا يقتصر على الدّين الذي أُوحي به إلى النبيّ محمَّد، عليه السلام، الذي أطلق عليه اسم مسلم في القرآن. وأعتقد أنّ إبراز البُعد العالميّ للإسلام له أهمّيَّة خاصَّة في هذه الظرفيَّة التاريخيَّة، وأنَّ قدر الإسلام أن يحافظ على الدّين الأصيل ويحميه على المستوى العالميّ».
يعتبر السيد حسين نصر التراث کلّ المکونات التي تجذرت من الوحي المحمدي وانتشرت عبر التاريخ والحضارة الإسلامية، فالوحي لم يتوقف مع وفاة الرسول محمد بل استمر بعده عبر تجلياته وتطبيقاته في الحياة البشرية من فن وفلسفة وعرفان ولاهوت وغير ذلك، فالوحي هو کائن حي متصل بالسماء وينبوع للحاجة الروحية للإنسان في کل العصور. القرآن والسنة - بوصفهما وصفتين متکاملتين للوحي الإسلامي - يشکلان مصدراً غنياً ومتنوعاً لمجموعة واسعة من الافکار والتقاليد والطقوس والفنون التي ظهرت في امتداد الحضارة الإسلامية.
فاقت مؤلفات السيد حسين نصر خمسين مؤلفًا ، وترجمت أغلبها إلى عدّة لغات منها: «مقدّمة إلى العقائد الكونيّة»، و«ثلاثة حكماء مسلمين»، و«دراسات إسلاميّة»، و«الصوفيّة بين الأمس واليوم»، و«قلب الإسلام»، و«الإسلام أهدافه وحقائقه»، و«الفلسفة الإسلامية من أصلها إلی العصر الحاضر»، و«الفكر العقلاني الإسلامي في بلاد فارس»، و«الفنّ الإسلامي والروحانية»، و«الحياة والفكر الإسلامي»