همسة

بقلم
رضوان مقديش
« وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى»
 لنبدأ بالاتفاق على معنى السّعي : السّعي هو اقتران النيّة بالعمل أو النيّة والشّروع في العمل .
  بمنظور دنيوي «وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ»(1) أي لا شرف ولاقيمة للإنسان إلاّ بالعمل، ذلك عندما نقصد الشّغل وكسب العيش. وبالطّبع، الشّغل وكسب العيش يؤجّر عليه دينيّا ما في ذلك خلاف. 
وللعمل والإنتاج أهمّية أوليّة في الإسلام تتمحور في ثلاثة مستويات :
-المستوى الأخلاقي والإجتماعي العـام: أي أنّ الإنسان مطالـب بكسب معيشتـه بالعمل وبأن يسهم في الإنتاج فلا يكون عالة على غيره.
-المستوى الأخلاقي الرّفيع البعيد عن الأنانيّة والمشبّع بحبّ الغير: «غرسوا فأكلنا، نغرس فيأكلون»
-مستوى العبادة: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا»(2). فغرس الفسيلة عند قيام السّاعة سوف لن يكون ذا جدوى بالنّسبة للغارس ولا لجيل آخر من بعده. القضيّة هنا مبدئيّة: العمل عبادة. 
لننظر إلى الآية من ناحية الجزاء في الآخرة : العمل بمعنى المناسك (فعلها أو تركها) وكلّ فعل الخير (أو الشّر). هنا ، لا بدّ من الإشارة إلى الآية : «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ»(3). فلا يجزى( يؤجر أو يعاقب) الإنسان إلاّ على فعله هو لا فعل غيره. 
ومسألة الشّفاعة مسألة يجب البحث عن حقيقتها، فليست هي «صكّ غفران» يوزّع على أناس دون غيرهم لمجرّد انتماءاتهم العرقيّة والقوميّة أوعلى خلفيّة تاريخيّة أو جغرافيّة. إنّ اللّه رحمان رحيم ولا يدخل أحد الجنّة إلّا برحمته وهو عادل، تعالى عما يدّعي البعض، ولا يمكن أن يميّز بين عباده على أسس بعيدة عن العدل. 
ادّعى اليهود أنّهم شعب اللّه المختار، وادّعى النّصارى أنّ المسيح عليه السّلام سيتحمّل عنهم كل خطاياهم، والإسلام جاء لينسخ الدّيانات السّابقة ويصلح التّحريفات التي أصابتها لا ليزايد عليها. لا يمكن أن يشرّع الخطأ باسم الإسلام، فنسمح لأنفسنا بما ننكر على غيرنا. المسألة ذات أهميّة قصوى وليس بالهيّن الغوص فيها، ولنكتف بالإشارة إلى الحديث الذي ينبّه فيه الرّسول ﷺ ابنته السيّدة فاطمة بعدم التّعويل على قرابتها منه يوم الحساب. 
كلّ فرد يقيّم ويحاسب بعمله ويجازى به، وحتّى الأبناء الصّالحين الذين يفيدون آباءهم، فذلك نتيجة عمل قاموا به : التّربية السّليمة والإحاطة التي تقوم بدور الصّدقة الجارية، كمثال العلم الذي يخلّفه المرء فينتفع به أثناء حياته وبعد مماته.
من ناحية أخرى « لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ» يمكن أن تحلّل من جانب الإنجاز والاستحقاق والفضل. لا يملك الإنسان إلاّ إرادة خيّرة أو شرّيرة يحاسب عليها ومشيئة محدودة تنطوي تحت المشيئة الإلهيّة بمعنى «وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ»(4). فكلّ الوسائل التي يستعملها الإنسان هي من عند اللّه ابتداء من العقل، مرورا بكافّة أعضاء جسمه ووظائفها وصولا إلى ما يستعمله من كافّة المواد بخصائصها الفيزيائيّة والكيميائيّة. كلّ العالم هبة من اللّه ولا يمكن للإنسان أن يدّعي فضلا أو شرفا إلاّ الإرادة الخيّرة والاجتهاد و..السّعي. لايحقّ للإنسان أن يفتخر بقدراته ومواهبه الجسميّة والفكريّة، فهي ليست من صنعه بل هي نعم سيسأل عن حسن استعمالها وعن المحافظة عليها والحرص على تنميتها. إذا، ليس للإنسان الإدّعاء إلّا بما اجتهد وسعى. 
إنّ من يع هذه المعاني الأخيرة محصّن تماما ضدّ الغرور، شاعر بالمسؤوليّة، مجتهد، يعمل دون كلل أوملل فـ« لَيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ». وليس هذا الأمر  من قبيل التّفلسف أو التّزهّد أو حمل النّاس على التّواضع المتكلّف المصطنع، بل هو طبيعي واقع وبديهي، لا يستوجب إلاّ اللاستئناس بالفطرة النّقيّة.