كلمات

بقلم
محمد المرنيسي‎
ناطحو الصخور
 على غرار متسلقي الجبال ومكتشفي المغارات والكهوف، والمغامرين في بعض الألعاب والرّياضات كالتّزلج على أعالي الجبال، والتّجديف في أخطر الأنهار، والقفز العمودي من أعالي الجسور، هناك ناطحو الصّخور، وللنّاس فيما يرغبون مقاصد !
جذور هذا المصطلح تغوص في عمق التّاريخ الإنساني، فمع كلّ رسالة سماويّة كان معارضون يقفون أمام الرّسالة وأتباعها بالمرصاد : يفتنون ويقاومون ويحاولون بأقصى جهدهم أن يطفئوا نور الهداية والإيمان ..ولكنّ الرّسالة تنتصر وتستمر، وينهزم المكذّبون الجاحدون، فتختفي آثارهم ولا يبقى من أخبارهم إلاّ بعض ما حملوا من أوزارهم وأوزار من أضلّوهم..
وقد عاش شاعرنا الأعشى مثل هذه التّجربة في محيطه الاجتماعي فلاحظ أنّ بعض خصومه يحاولون طمس الحقائق، وإلباس الباطل لباس الحقّ، وهم في غاية الجبن والضّعف، فقال:
             كناطح صخرة يوما ليفلقهـا  *** فلم يضرها وأوهى قرنه الوعـل
وتستمر التجربة؛ لأنّ النّطاح لم يعتبروا من هزيمة من مضوا، ويحسبون أنّهم أدقّ في التّصويب، وأقوى في النّطح ..ولكن النّتيجة واحدة لا تتغيّر ولن تتغيّر.
خلفية هذا العنوان تنطلق من قراءات وسماعات ومشاهدات وقرارات مراجعها كتب ومقالات، وقنوات ومواقع في (الشّابكة) تتنافس على استحضار النّطاح من كلّ حدب وصوب، وباختلاف اللّغات واللّهجات من أجل نطح صخور العقيدة والأحكام وقواعد السّلوك، بغية إحداث شقوق أوخدوش أو تلوين الصّخور بما تشاء أهواؤهم من المكر والكيد ..
ومن هؤلاء النّطّاح معارف ونكرات من دكاترة وأساتذة وباحثين ومتخصّصين في معارف وفنون شتّى، رضعوا لبن الجحود وإنكار الحقّ، وتعلّموا مساحيق المعرفة لتزيين الصّور والهياكل، وظنّوا أنّهم وصلوا قمّة المجد، ولم يعد لهم من همّ غير الهدم والرّدم، والقدح والنّطح فيما مضى وغبر، واحتضان ما وفد من السّقط بديار الفسق واستقر. أجمعوا أمرهم على التّنقيص من كمال الدّين، ومهاجمة المتشبّثين به والتّحريض على معاداتهم لئلاّ يروا ولا يسمعوا ما ينغص عليهم حياتهم من منهج الحقّ سبحانه: افعل ولا تفعل..
لقد غاضهم ما يسمعون أو يقرؤون، وما يرون من ثقة أهل الإيمان بدينهم واعتقادهم نظرا وعملا بأنّ الإنسان جسم وروح، وأنّ الحياة دار ابتلاء واختبار، وأنّ الجزاء على العمل آت لا ريب فيه، فأعلنوا الحرب على كلّ قديم، وشرعوا في الكيد للمؤمنين بإثارة الشّكوك في عقيدتهم، والتّنقيص من مكانة أعلام الأمّة، والطّعن في مقاصدهم وأهدافهم، وليس لهم من مؤهّلات لما يخوضون فيه غير فقّاعات ومصطلحات بها يتنفّسون ومنها يتعيّشون. فراح بعضهم يقامرون في الحديث الشّريف ينزعون نصّا من محيطه ويصبغونه بما يشتهون من ألوان، وما يرمون إليه من أبعاد، يخوضون فيه خوض الجاهل الغريق دون دليل أو رفيق.
وذهب آخرون إلى الفقه الإسلامي فكتبوا وطعنوا، وتكلّموا وهاجموا، فانكشف جهلهم، وظهر حقدهم ، فضلّوا وأضلّوا، وهم أبعد ما يكون من سمت الفقه نظرا وعملا.
وأسقط آخرون نظريّات تخصّصاتهم في العلوم على نصوص من القرآن والسّنة بقصد كشف الخلل – كما يدعون- فاختلّوا وهاموا في التّيه وما زالوا.. وصرخ آخرون في محافل إعلاميّة ومراكز علميّة ومجالس عموميّة وخصوصيّة : «أبعدوا هذا الدّين من حياتنا، جفّفوا منابعه، حتّى لا يبقى له أثر، ولا يسمع له خبر». ولكنّ الدّين باق، محفوظ لأهله، به يعيشون، وعليه يموتون، لا يخافون إلاّ اللّه، ولا يرغبون إلاّ فيما عنده، وإليه المرجع والمصير.
فماذا بقي لناطحي الصّخور؟
أقول لهم: «حافظوا على نواصيكم، هوّنوا على أنفسكم، حكّموا عقولكم، وراجعوا أنفسكم، وقوّموا أعمالكم قبل أن تقوّم عليكم. وأنتم تعلمون أنّه كان أناس قبلكم سدّدوا سهامهم لهذا الدّين فتكسّرت، وحاربوه بأسلحة زمانهم فنبت وفلت، وبقي الدّين وسيبقى صامدا شامخا سليما معافى لا يضره صراخ المنكرين الجاحدين، ولا هتاف الجاهلين الحاقدين، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ» (سورة الشعراء - الآية 227)