وجهة نظر

بقلم
حسن الجمني
غلاء أسعار البضائع في المساحات التّجارية الكبرى و«ظاهرة الرّبح الخلفي» في تونس
 تفيد «إحصائيّات تونس»(1) المتعلّقة بالاستهلاك العائلي أنّ وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائيّة خلال شهر جويلية 2021 تطوّرت بنسبة 8,0 %. ويعود هذا الارتفاع الى الزّيادة المسجّلة في أسعار الزّيوت الغذائيّة بنسبة 16,6 % وأسعار الخضر بنسبة 15,5% وأسعار الحليب ومشتقّاته والبيض بنسبة 9,2% وأسعار الأسماك بنسبة 8,4 % وأسعار اللّحوم بنسبة 7,3 % مقارنة بمستواها خلال شهر جويلية 2020. وتعود ظاهرة غلاء أسعار البضائع التي استفحلت في تونس إلى ثلاثة أسباب:
 السّبب الأوّل: انحدار سعر صرف الدّينار التّونسي أمام العملة الأجنبيّة، وخاصّة منها اليورو والدّولار، وسعر الصّرف هو السّعر النّسبي لعملة نقديّة مقارنة بعملة أخرى، بمعنى عدد الوحدات من عملة نقديّة أجنبيّة التي يمكن الحصول عليها مقابل وحدة من العملة الوطنيّة(الدّينار). فقد شهد الدّينار التّونسي هبوطا بدرجة 43 % خلال السّنوات العشر الأخيرة، وهي ظاهرة قد تعود إلى عجز الميزان التّجاري، وتراجع القطاع السّياحي، والاستثمار الأجنبي المباشر، وتوقف الصّادرات من مادّة الفسفاط والطّاقة، وهو ما أدّى إلى تراجع الاحتياطي من العملة الصّعبة، وكان لانحدار قيمة الدّينار تأثير مباشر في أسعار المواد الأساسيّة. 
السّبب الثّاني: وجود المضاربين الذين يتحكّمون في حلقــات الإنتـــاج والتّوزيـــع والخـزن عن طريـق استغــلال مخـازن التّبريـد (الفريقوات)، وعن طريق ما يعــرف بـ «التّخضير»، وعن طريق الوسطاء (الهباطة) الذين نراهم في أسواق البيع بالجملة. 
السّبب الثّالث: المساحات التّجاريّة الكبرى التي لا تحترم مبادئ النّظام التّجاري العام من خلال إصرارها على التّمسك بهامش الرّبــح الأمامــي وهامش الرّبح الخلفـي. وهو السّبب الذي سنتوقف عنده في هذه المقالة:
رغم أنّ المساحات التّجارية الكبرى تُعدُّ قطاعا مساهما رئيسيّا في الاقتصاد التّونسي بصفته موزعا لكافة المنتجين الموجودين في تونس ويمثّل أقصر مسلك توزيع لإيصال المنتوج من المنتج إلى المستهلك، إلاّ أنّ أسعار البضائع في المساحات التجارية الكبرى خيالية، فأصحاب تلك المساحات يسعون إلى الاثراء الفاحش على حساب المستهلك، وتتمثل التجاوزات التي تنتهجها هذه الفضاءات في اعتمادها هامش ربح أمامي وهامش ربح خلفي.فـ «الربح الخلفي» جعل المساحات التّجارية الكبرى محرّكا أساسيّا لارتفاع نسق أسعار البضائع لأنّه قد يتجاوز 31 % من السّعر المناسب للمُنتِج(المصنع)، ذلك أنّ الفضاءات الكبرى تعتمد في الفاتورة هامش ربح أمامي بـ 30 % وهامش ربح خلفي بنسبة تتجاوز أحيانا 31 % تضاف إلى الأداء على القيمة المضافة الذي يصل إلى 9 % وبالتّالي يبلغ هامش الرّبـح لديهـا إلى 70 % وأحيانا أكثر من ذلك يتحمّله المستهلك.
وهامش الرّبح الخلفي يكون قبل حصول المساحات التّجارية الكبرى على المنتوج فالمُنتِج متضرّر مثل المُستهلِك في علاقة بهذا الهامش، ذلك أنّ سعر المنتوج (البضاعة) يقع تحديده والتّفاوض حوله مرّة واحدة في السّنة في حين أنّ الزّيادات في الأسعار يمكن أن تصل حتّى إلى أربع مرّات في السّنة. فهامش الرّبح الخلفي هو الإشكال الكبير الذي يثقل كاهل المؤسّسة المنتجة والمصنعة من جهة وكذلك كاهل المواطن من جهة ثانية. 
ولمزيد توضيح ذلك نقدّم المثال التّالي:
إذا كان سعر شراء التّجار لبضاعة من عند المُنتج (المصنع) وقع تحديده بـ 0,850 د، فإنّ المساحة التّجارية الكبرى تشتريه بـ 0,595 د، وتبيعه بنفس سعر التّاجر العادي 1,250 د، فتربح مرّتين (ربح خلفي وربح بعدي)، ومثل هذا الإجراء يضطرّ المنتج(المصنع) إلى محاولة التّرفيع في السّعر الأصلي للمنتوج كي يضمن تكلفة عمله (2)
فلا بدّ من تقنين هيكلة الأسعار عند الإنتاج، فتكون واضحة، ومن الضّروري أن يتمّ تحديد سقف لهامش الرّبح لدى بائع الجملة يتقيّد به ولا يتجاوزه في كلّ المواد والمنتوجات الاستهلاكيّة، والكفّ عن توريد كل منتوج له مثيل في تونس، وإلاّ فإنّنا سندخل إلى مرحلة الاقتصاد الرّيعي في حرّية الأسعار. ونجد أنّ مجلس المنافسة الفرنسي، مثلا، أجبر الفضاءات التّجاريّة الكبرى على دفع خطيّة ماليّة بسبب هامش الرّبح الخلفي قصد مقاومة النّسق التّصاعدي للأسعار عند الاستهلاك في فرنسا والتّغوّل الرّهيب للمضاربين الذين يسعون بشتّى وسائلهم المخالفة للقوانين الى تحقيق الأرباح الكثيرة والإثراء السّريع على حساب طبقات الشّعب الفقيرة التي هي في أمسّ الحاجة لحلول سريعة ونافذة من أجل دعم مقدرتها الشّرائيّة.
وقد يكمن الحلّ الأمثل في الاقتصاد الاجتماعي التّضامني أي بيع المنتوج مباشرة من المنتج إلى المستهلك دون الوسائط، وهو حلّ تقترحه المنظّمة التّونسيّة لإرشاد المستهلك(3) ونراه مناسبا جدّا. ونؤيّد المنظمة في تشديدها على ضرورة التّمسّك بحملة مقاطعة المساحات التّجارية الكبرى في الوقت الحالي إلى حين احترام مبادئ النّظام التّجاري العام ومن بينها التّخلّي عن الرّبح الخلفي للحدّ من النّسق التّصاعدي للأسعار وتكريس شفافيّة التّعامل والإشهار وجودة المواد المعروضة ونظام تصريف المواد المدعّمة المخزنة. 
الهوامش
(1) http://ins.tn/ar/publication/mwshr-asar-alasthlak-alayly-jwylyt-2021
(2) نصّ المثال نقدمه على سبيل الشّرح قصد مساعدة القارئ على الفهم فقط، لكن في الحقيقة فإنّ الرّبح الخلفي ينطبق على مواد غذائيّة عديدة أخرى.
(3) ولعلّه من المفيد تعريف المواطنين برقم نداء المنظمة التّونسيّة لإرشاد المستهلك 81104444 التي تبدي استعدادها لتلقّي شكاياتهم ذات العلاقة بارتفاع الأسعار في كل المجالات