همسة

بقلم
شكري سلطاني
فلسفة الحياة
 لماذا لا يعتقد الإنسان فيما يجب الإعتقاد به ؟ 
وكيف لا يتحقّق بحقائق المعاني ويجعل آخره أوّلا وبدايته وعيا ذاتيّا وسلوكا لطريق الحقيقة؟
فمن المفارقة العجيبة ضياع المعنى وغياب القصد.
لماذا لا يتقبّل الحقّ راضيا هانئا مستسلما، ولماذا ينصاع للباطل معاندا منكرا ذليلا منهكا لقواه المعنويّة والرّوحيّة ؟
إنّ هوى النّفس وغرورها وتكبّرها ووهمها داء عضال مانع لنفاذ الحقّ لتلبّس الباطل وغشاوته وأراجيفه بقالب الإنسان المادّي المنعكس في وجوده الدّنيوي.
للإنسان حضور ظرفي وحيني، فحياته فترة وجيزة إلى حين، ثم يفارق ويغادر مسرح الحياة؛ فلا بدّ أن يكون في الأمر سرّ وحكمة وقصد، فلا دخل للصّدفة واللّهو والعبث في أقدار البشر.
فلا شيء يضيع ولا شيء يبلى ويندثر، والكلّ يتغيّر ويتحوّل، وتبقى الآثار والذّكرى والذّاكرة، وينطبع في مدوّنة الوجود ما اقترفه الإنسان وسجّله في صفحات كتاب وجوده، ليرحل من عالم الشّهادة ويخلع عنه لباس حسّه إلى عالم الغيب بلباس الخلود، ليكُشف غطاءه فبصره هناك حديد، فلقد إنتقل من الظّرفي إلى الأبدي.
تلك رحلة البشر الحتميّة من سفر الظّاهر الى سفر الباطن.
فكيف لا يُمعــن الإنســـان التّفكير والتّدبّر في هكذا مصير؟
فالإنسان عابر سبيل لا بقــاء لــه في دنيــا المتغيّرات والأحــداث والتحــوّلات والتعلّقـات والأزمات والكبوات والأفراح والمسرّات.
لا شيء يدوم على حال، إذ أنّ دوام الحال من المُحال، فما فُقد من طفولة غريزيّة الهوى وشباب عاطفته جيّاشة وإندفاعه أكيد وكهولة شبه مستقرّة وجدانا وتعقّلا كلّه لا يعود، فلا يرجع الزّمان إلى الوراء، لتنتهي رحلة الإنسان إن كُتِب له البقاء إلى أرذل العمر بما استودع وانغرز في كينونته وضميره من معاني الحياة، إذ العبرة بالخواتيم.
من رحل عنّا من أهلنا وأحبابنا لن يعود، فهم السّابقون من ذاقوا كأس الموت، ونحن من ورائهم لاحقون، شاربون ممّا شربوا، متّبعون طريقهم، فالقسمة عادلة والموت حقّ على الجميع.
غريب أمر الإنسان يُشيّع جثمان غيره ويرى مصيره المحتوم ولا يعتبر ولا يدّكر.
« وكفى بالموت واعظا».
فليرمّم ويصوغ وجوده على أساس صحيح قويم من صحا من غفوته، وأفاق من غفلته، وفارق هوى العامّة والهمج الرّعاع، ولغوهم وضجيجهم وهذيانهم، واهتدى إلى الصّمت والعزلة والكدح، وعلِم بالمآل وغائيّة الوجود، وعمل لما بعد الموت قبل الفوت.
إنّ التّجربة الإنسانيّة عميقة في أبعادها لتعدّد أنشطة وسلوكيّات البشر، ولما تحمله من تناقضات وتغيّرات وتقلّبات لإرتباطها بالنّفسيّة الإنسانيّة المتقلّبة والمزاج المتغيّر والإنطباع الحاكم على الطّبع والعقليّة المشتّتة والتعلّقات المتعدّدة.
فرصة الإنسان في حياته لا تُعاد ولا تتكرّر، فالواجب الأكيد أن يغتنمها ولا يُضيّعها في المتاهات، فكلّ زمن هو حاكم عليه، وهو شاهد عليه، فليتبّع الحقّ ويخلص في مبادئه ليكون سيره بالحقّ إلى الحقّ بالحقّ.
ويعتبر القرآن الكريم كتاب الإنسان وبوصلة سيره، فهو يتضمّن كلّ معاني الحياة البشريّة بمقاربة شاملة ومعالجة صائبة لكلّ ما يخطر ويجول بخاطر الإنسان، فهو قبس هديه ونوره وهو البشير والنّذير والهادي إلى الصّراط المستقيم.
ولا يمكن لعاقل أن يتخلّى عن القرآن الكريم ويهجره، ويستقلّ برأيه ويتمسّك، ويعتقد في فلسفة الأدعياء وأرائهم من نصّبوا أنفسهم أوصياء على العباد بدون وجه حقّ .