فواصل

بقلم
د.مصدق الجليدي
من فقه الاستغفار الفردي إلى فقه الاستغفار الاجتماعي والحضاري
 عادة ما أتلقى من إخوة كرام إرساليات عبر شبكات التواصل الاجتماعي يحثّونني فيها على الاستغفار والإسهام في نشر حملة استغفار من خلال إعادة إرسال قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾(1)، لعلّ اللّه يرفع عنّا مصيبة وباء «الكورونا» الذي حلّ بنا. 
فما معنى الاستغفار في هذه الآية الكريمة؟
يظن أغلب النّاس أنّ الاستغفار (طلب المغفرة) يكون بقول « أستغفر اللّه العظيم» أو «سبحانك اللّهم إني كنت من الظّالمين» أو ما شابه ذلك من صيغ الاستغفار الفردي.
هذا الفهم منقوص، إذ هو ينطبق على بعض أنواع المعصية ولا ينطبق بالكلّية على بعضها الآخر، أو هو لا يكفي مع بعض أنواع المعاصي لرجاء مغفرة اللّه ورحمته. فهنالك معاص يوميّة خفيفة، يدفعها الإنسان بالاستغفار والوضوء والصّلاة، وهنالك معاص ترتكبها الجماعة أوالشّعب أو الأمّة، معاصٍ من النّوع الثّقيل، معاصٍ من قبيل التّهاون في إحلال العدل ومقاومة الظّلم والاستبداد، والتّهاون في الأخذ بأسباب التّنمية والتّقدّم الاجتماعي والعلمي والحضاري. ومعاصي الاستهتار الإيكولوجي وإفساد الحرث والنّسل، ومعاصي الاستمرار في العمل بنظام تربوي متخلّف وفاشل. ومعصية القعود عن تحرير الأرض المسلوبة واستعادة الثّروات المنهوبة، وغيرها من الكبائر السّياسيّة والاجتماعيّة والحقوقيّة والقوميّة والحضاريّة. مثل هذه المعاصي لا ينفع معها مجرّد الاستغفار الفردي أو في مجموعات، أو الدّعاء من على المنابر على الظّالمين وعلى الصّهاينة المعتدين. هذه المعاصي لا تزول آثامها إلاّ بالقيام العملي لإزالتها هي نفسها، بمقاومة التّخلّف والفقر والمرض والجهل والانحطاط الأخلاقي والظّلم والعدوان والاستيطان.
ولذا، المطلوب منّا اليوم -نحن معشر المسلمين- الاستغفار من ذنوبنا اليوميّة، والانخراط في جهاد مدني اجتماعي وسياسي وقيمي وثقافي وعلمي للتّصالح مع قيم العدل والخير والإعمار والاحترام والتّضامن والصّلاح.
فبالأخذ بأسباب التّوافق مع فطرتنا التي فطرنا اللّه عليها أفرادا وجماعات ومجتمعات وشعوبا وأمما ومدنيّات، سيرفع اللّه عنا البلاء والوباء، بما ستكسبه أيدينا من عمل صالح نثاب عليه جزاءً صالحا في الدّنيا، صحّة ورفاهيّة، وفي الآخرة، جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار في مساكن طيبة.
إنّه فقه الاستغفار الاجتماعي والحضاري، لا فقه الاستغفار الفردي.