من وراء البحار

بقلم
حسن الطرابلسي
أحدث دراسة عن المسلمين في ألمانيا: تنوع كبير للوجود الإسلامي والدين لا يعيق الإندماج
 أصدرت الدّائرة الاتحاديّة للهجرة واللاّجئين بألمانيا(1) دراسة جديدة بعنوان «حياة المسلمين في ألمانيا 2020»(2)، تمّ عرض نتائجها يوم الأربعاء 28 أفريل 2021. وقد أبرزت الدّراسة معطيات جديدة عن عدد المسلمين وتنوعهم.
المنهجيّة والمدّة التي تمّ اعتمادها في الدّراسة
على طول الفترة من جويلية 2019 إلى مارس 2020 تمّ القيام باستجوابات مهمّة وتمثّل عيّنات دقيقة بين مهاجرين من أصل 23 منطقة ذات أغلبيّة مسلمة وكذلك مع أبنائهم الذين ولدوا في ألمانيا.
فتمّ في الجملة استجواب، وبشكل مباشر، 4600 رجل وامرأة من أصل تركي، أو من جنوب شرق أوروبا، ومن شمال إفريقيا، وكذلك من الشّرق الأوسط على قاعدة بيانات موحّدة تضمّ نفس الأسئلة، كما تمّ بالإضافة إلى ذلك استجواب حوالي 600 ألماني بدون خلفيّة مهاجرة كعيّنة للمقارنة.
المسلمون في ألمانيا:
تنوع عرقي وقومي وزيادة في العدد
شهدت حياة المسلمين في ألمانيا في السّنوات الأخيرة تنوّعا كبيرا، فلقد ازداد عدد المسلمين والمسلمات وأصبح اندماجهم أفضل بكثير ممّا كنّا نتصوره. فقد قدّمت الدّراسة تقديرا جديدا لعدد المسلمين من أصل مهاجر  Muslime mit Migrationshintergrund ليصبح عددهم يتراوح بين 5،3 الى 5،6 مليون، بعدما كان في دراسة نفس المركز سنة 2009 يساوي 4،3 مليون مسلم. وتمثّل نسبتهم ضمن العدد الجملي لسكان ألمانيا البالغ 81،8 مليون نسمة ما قدره 6،4 الى 6،7 %. ومقارنة مع آخر تقدير لعدد المسلمين في ألمانيا سنة 2015، فإنّ عدد المسلمين زاد حوالي 900 ألف نسمة.
وفي تقديمه للدّراسة، وضحّ الدّكتور «اكسل كراينبرينج» Dr. Axel Kreienbrink، رئيس فريق العمل أنّ «أحد الأهداف الأساسيّة للدّراسة تمثّل في تحيين عدد المسلمين ذوي الخلفيّة الأجنبيّة الذين يقيمون في ألمانيا». وأنّ الدّراسة «توفّر لنا معلومات دقيقة عن الحياة الإجتماعيّة والدّينيّة للمسلمين في ألمانيا وعن اندماجهم في المجتمع». وهكذا تصبح هذه الدراسة، حسب كراينبرينج، «مصدرا رئيسيّا لا غنى عنه في هذا الموضوع».
المسلمون اصبحوا أكثر تعددية وتنوعا
بعد اِطِّرادِ توافد المهاجرين من الشّرق الأوسط، تشكّلت فسيفساء إسلاميّة جديدة في ألمانيا تميّزت بالتّنوع والتّعدّد. ولكن لا يزال المسلمون من أصل تركي يمثّلون الأغلبيّة، حيث يصل عددهم الى 2،5 مليون نسمة ويمثلون نسبة 45 % من إجمالي المسلمين، لكنهم لم يعودوا الأغلبيّة السّاحقة.
أما المسلمون من أصل مهاجر وغير تركي الذي يبلغ عددهم حوالي 1،5 مليون نسمة، فإنّ نسبتهم تصل إلى 27 % من إجمالي المسلمين في البلاد، 19 % منهم ذوي أصول عربيّة من الشّرق الأوسط و 8 % من شمال أفريقيا. وتمثل سوريا الدّولة الأكثر مهاجرين ضمن هذه الشّريحة بعدد 730 ألف مهاجر. 
أغلبية شبابيّة، ونصف المسلمين والمسلمات يتمتّعون بالجنسيّة
يعتبر  المسلمون والمسلمات نسبة سكانيّة شبابيّة، إذ أنّ 21 % منهم سنّهم أقل من 15 سنة، ويضاف إليهم ما نسبته 22 % بين سن 15 و 24 سنة، في حين  لا تمثل نسبة الذين تجاوزوا 64 سنة إلا 5% منهم فقط. كما أنّ هناك نتيجة مهمّة وصلت إليها الدّراسة، ولها تأثير كبير على الحياة الثّقافيّة والاجتماعيّة، وهي أنّ حوالي نصف المسلمين والمسلمات، أي 47 %، يتمتّعون بالجنسيّة الألمانيّة.
الأغلبيّة متديّنون
أثبتت الدّراسة أيضا أنّ الألمان ذوي الخلفيّة المهاجرة من المسلمين أكثر تديّنا من الألمان الذين ليست لهم خلفيّة مهاجرة،  فعند المسيحيّات والمسيحيّين بدون خلفيّة مهاجرة تبلغ نسبة التّديّن 55 %، في حين عبّر 82 % من المسلمات والمسلمين وكذلك الأشخاص من نفس الدّول المهاجرة، والذين ينتمون إلى دين آخر، عن تديّن كبير أو أنّهم متديّنون. وتظهر القواعد والتّعاليم الدّينيّة بشكل مختلف في الحياة اليوميّة: فمثلا 39 % من المسلمين يؤدّون الصّلاة يوميّا، مقابل 25 % لا يؤدّونها بتاتا.
كما أنّ الحجاب لا يلعب دورا كبيرا كما هو مشاع، إذ أنّ 70 % من المسلمات لا يرتدين الحجاب «ويمكننا القول إجمالا وبخصوص الممارسة الدّينيّة اليوميّة،  أنّ الحياة الإسلاميّة في ألمانيا لها تمظهرات وتجليات متعدّدة وبالتّالي فإنّ الأحكام المسبقة والمطلقة غير ممكنة وغير ذات جدوى» على حدّ قول «كاترين بفيندل» Katrin Pfündel، الكاتبة المساعدة للتّقرير البحثي.
ليس هناك حواجز وعوائق اجتماعيّة
الكثير من المسلمين لديهم شعور عميق بالإنتماء الى ألمانيا. وأغلب المسلمات والمسلمين، النّاشطين جمعياتيّا ويمتلكون بطاقة انخراط في جمعيّة، فإنّ هذه الجمعية تكون عادة جمعيّة ألمانية، كما أنّ التّواصل والاحتكاك مع أشخاص من أصل ألماني كبير حيث نجد اثنين من ثلاثة، لهم غالبا في دائرة علاقاتهم، صداقة وتواصل مع شخص من أصل ألماني. أمّا المسلمون محدودو العلاقات الإجتماعيّة فهم يتمنون بقوّة أن تكون لهم علاقات مع أشخاص من أصل ألماني.
هناك مبالغة في تقدير تأثير الدّين على الاندماج
في مستوى التّكوين الدّراسي نلاحظ انخفاضا ملحوظا عند المسلمين مقارنة مع نظرائهم دون خلفيّة مهاجرة: فنسبة الذين ليس لهم شهادة نهاية الدّروس لمن يفوق 16 سنة هي أعلى عند المسلمين منها عند الألمان بدون أصل مهاجر (16 % مقابل 3 % لمن ليس له أصل مهاجر)، كما أنّ نسبة التّشغيل، خاصّة بين النساء، أضعف.
ولو أردنا سحب هذه النّتائج وعقد مقارنة بين مهاجرين مسلمين وبين مهاجرين منتمين لدين آخر ولكنّهم ينحدرون من دولة ذات أغلبيّة مسلمة، فإنّنا نصل إلى نفس النّتائج. وهكذا نصل في مستوى إتقان اللّغة الألمانيّة، وفي فرص التّكوين، أو الإنتماء المهني للمجموعتين إلى نتائج متشابهة. وبناء على ذلك فإنّه يمكن تنسيب دور الدّين في عمليّة الاندماج وأنّه لا يمثل عائقا على الإندماج.
في حين توضح التّحاليل بشكل أدقّ التّأثير الكبير لعوامل الهجرة والسّيرة الذاتيّة للمهاجر على الاندماج، لتتجلى في مستويات متعدّدة كمدّة الإقامة أو أسباب الهجرة.
الهوامش
(1)   «Bundesamt für Migration und Flüchtlinge - BAMF»  وهو مكتب تابع لوزارة الدّاخليّة الاتحاديّة في ألمانيا «BMI»
* Pfündel, Katrin/Stichs, Anja/Tanis, Kerstin (2021): Muslimisches Leben in Deutschland 2020. Im Auftrag der (2)  Deutschen Islam Konferenz. Forschungsbericht 38 des Forschungszentrums des Bundesamtes, Nürnberg: Bundesamt für Migration und Flüchtlinge.
*https://www.bamf.de/SharedDocs/ProjekteReportagen/DE/Forschung/Integration/muslimisches-leben-deutschland-2020.html