أسماء الله الحسنى

بقلم
الهادي بريك
الواسع، المحيط
 1. الواسع
الواسع إسم فاعل من ( وسع ـ يسع ـ وسعا ). ورد في الكتاب العزيز تسع مرّات.  إرتبط بالعلم سبع مرّات، فهو واسع عليم سبحانه وإقترن بالحكمة مرّة واحدة فو واسع حكيم سبحانه، وورد مرّة واحدة مركّبا لا مفردا  ومقترنا مع المغفرة، فهو واسع المغفرة سبحانه. كما ورد مرّة واحدة بصيغة إسم الفاعل المجموع ولكن نحتا من فعل ( أوسع، يوسع، إيساعا فهو موسع ) وكان ذلك في قوله سبحانه : «وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ»(1). كما ورد هذا الإسم بصيغة الفعل مرات وذلك من مثل قوله سبحانه «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ  وَلَا يَئُودهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ» (2). وبذلك يكون هذا الإسم مثل أكثر إخوته محيطا بكلّ الجوانب، إذ ورد فعلا وورد إسما كما ورد مفردا ومركّبا وبصيغة الإفراد والجمع. والعبرة من ذلك أنّ اللّه سبحانه واسع موسع ويسع كلّ شيء فلا حدود لسعته ولا لوسعه، وما كان ذلك التّنوع في الورود إلاّ لخدمة المعنى العقدي حتّى يؤمن الإنسان أنّ اللّه سبحانه واسع بكلّ معاني السّعة.
1.1. المعنى اللّغوي
الوسع هو القدرة إذ لا يسع كلّ شيء عدا القدير. وهو العلم ولذلك إقترن بصفة العلم سبع مرّات كاملات من جملة تسع، ولا يسع كلّ شيء إلاّ العليم. الوسع هو الإحاطة كذلك ولذلك يكون من المناسب جمع هذين الإسمين في موضع واحد حتّى لو لم يقترنا في أيّ موضع من الكتاب العزيز ( الواسع ـ المحيط ). ومن مقتضيات الوسع أن يكون الواسع سميعا بصيرا خبيرا. وبذلك يمكن أن نقرّر منذ البدء أنّ اسم الواسع ينتمي إلى طائفة أسماء القدرة والعلم. كما يعني الواسع الخبرة إذ لا يسع كلّ شيء إلاّ خبير. يسع اللّه كلّ شيء مطلقا ممّا علمنا وممّا لم نعلم. كما أنّ الوسع يعني الحفظ، فمن وسع شيئا حفظه وهيمن عليه.
2.1. الغرض من هذا الإسم مزدوج
سيق هذا الإسم لغرضين : أوّلهما غرض بسط الأمل والرّجاء أمام النّاس فلا ييأس من سعة الواسع يائس ولا يقنط من سعة الواسع قانط، ولذلك قال عن نفسه أنّه واسع المغفرة بل إنّنا نلاحظ أنّ صفة الوسع لم تتركّب إقترانا إلاّ مع صفة المغفرة وفي ذلك ما فيه من بث الأمل وبسط الرّجاء. 
والحقيقة أنّ من يدرس الكتاب العزيز لا يفوته البتّة أن يخرج بقاعدة راسخة متينة قوامها أنّ اللّه يحرص على بسط المغفرة في عقب كلّ إثم مهما كان عظيما ولم يستثن من ذلك كبيرة ولا صغيرة ناهيك أنّه بسط المغفرة لأصحاب الأخدود الذين طهوا المؤمنين والمؤمنات بالنّار المستعرة الهائجة طهوا وفيهم رضيع في حضن أمّه وهم على الأرائك يحستون الذي يحتسون ويستمتعون بمشهد تنفر منه العجماوات البكماوات قطعا مقطوعا. بسط الأمل ليس مقصورا على ثواب الآخرة فحسب، بل إنّ ذلك البسط يتناول عطاء الدّنيا، فهو سبحانه واسع العطاء حتّى إنّه يرزق الذين يحادونه على قاعدة السّنن والأسباب التي حقن بها خلقه وكونه. 
الغرض الثّاني لسوق هذا الإسم هو غرض النّذارة والتّهديد والتّخويف ومعلوم أنّ سوق صفة العلم تحمل معنى التّخويف. اللّه سبحانه واسع يعلم ما يتقلّب فيه المجرمون والمشركون والمفسدون في الأرض، فلا يخفى عليه من ذلكم من شيء وربّما لذلك كان أكثر إقتران هذا الإسم بصفة العلم. وتلك هي سنّة الكتاب العزيز إذ يبسط آفاق الأمل والرّجاء في وجوه المؤمنين فلا يقنطوا من مغفرة ولا من أوبة رزق أو عافية بمثل ما يبسط آماد التّهديد والتّخويف والنّذارة في وجوه المعاندين بغير برهان ولا حجّة، فلا يأمنوا مكره لعلهم يفيئون. 
سيق إذن هذا الإسم مساق التّرغيب والتّرهيب معا. ولكن ما شأن الحكمة إذ إقترن هذا الإسم بصفة الحكمة مرّة واحدة؟ هي كذلك سنّة معلومة لمن يدرس فلسفة أسماء اللّه سبحانه، ذلك أنّه يبعث الطّمأنينة في أفئدة عباده ليؤمنوا أنّ قوته وقدرته وسعته وسائر أسمائه وصفاته إنّما هي بحكمة ولحكمة وهو بثّ للأمل والسّكينة والطّمأنينة، ولكنّه كذلك دفع للنّاس أن يبحثوا عن وجوه الحكمة في كلّ ذلك لولا أنّ النّاس عندما يتقهقرون يزهدون في البحث عن الحكمة. 
المعنى هنا من إقتران السّعة بالحكمة هو أن سعته بأفقيّ البشارة والنّذارة عمل حكيم أي صاحب علّة ومقصد، فهو يسع كلّ شيء لتدبيره وحفظه وضبطه وتقديره ورحمته أو تعذيبه لعلّه يؤوب، وليس هي سعة بلا أيّ معنى. وبذلك تكون سعة اللّه سبحانه متعدّدة الأبعاد فهي سعة علم وهي سعة مغفرة وهي سعة حكمة، ذلك أنّ الإنسان قدّ على أساس أنّه يضيق من الضّيق ويتبرّم به، فهو ضجر فلا مناص من إخباره أنّ ربّه سبحانه يسع كلّ شيء ومن يسع كلّ شيء يقدر على كلّ شيء فلا يقنط منه قانط. 
ومع كلّ ما ذكر فإن غرضا آخر من أغراض سعة اللّه سبحانه جدير بالإلتقاط وهو أنّ سعته تعني عظمته المطلقة بما يلقي في النّفوس من ظلال الحبّ والشّوق ما يلقي وهو معنى مقصود حتّى تظلّ المهج متعلّقة بهذا الواسع الذي لا حدود لسعته. 
هذا الإسم لا يمكن للعقل البشري أن يتمثّله، فهما كلّيا ذلك أن العقل محدود وقيمة السّعة تسير في الإتجاه المعاكس أي إتجاه اللاّمحدود واللاّنهاية. ومن ذا فإنّ إسم الواسع له غرض عقديّ ثرّ وقحّ معا لشحن المؤمن بأمصال الشّوق إلى اللّه وحبّه فهل يحيط الإنسان بالسّماوات والأرض التي أخبر سبحانه عنها أنّ كرسيه يحيط بها؟ تلك بعض أغراض سوق هذا الإسم.
2. المحيط
ورد هذا الإسم في الكتاب العزيز ثماني مرّات. كما أنّه يرد دوما منسوبا إلى شيء ما فهو سبحانه «بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ»(3) و«إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ»(4) وغير ذلك وربما كان ذلك كذلك لأن فعل الإحاطة متعدّ غير لازم. كما ورد بصيغة الفعل كما في قوله سبحانه «وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا»(5)وورد بصيغة الإسم كما أنف الذكر ولكنه نسب فعل الإحاطة لغيره سبحانه إذ قال «وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ»(6) وقال  في موضع آخر «وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ»(7). أي كالعادة تحيط أسماؤه سبحانه بكل الصيغ لتؤكد المعنى المقصود
1.2. المعنى اللغوي
أحاط يحيط إحاطة بالشّيء أي تمكّن منه بالكلّية ومن كلّ الجهات ومنه الحائط أي الجدار الذي سمّي حائطا لأنّه يحيط بالجّنة أو بالبيت من كلّ الجوانب فيمنعه، ومن ذا لنا منذ الآن أن نقرّر أنّ من معاني الإحاطة المنع. من معاني الإحاطة العلم كذلك والقدرة والعزّة والعظمة والغلبة والقهر والهيمنة والحفظ والسّعة وغير ذلك ممّا يؤول إلى طائفة الأسماء التي تعنى بالقوّة والعزّة والقدرة. ألا ترى أنّ الفعل في أصله «حاط، يحوط، حوطا» ينطلق من حرف حلقي هو الحاء ليصنع منذ البداية معنى غائرا راسخا كفيلا بالإحاطة وبمثل ذلك ينهي رحلته بحرف مفخم هو الطّاء وبذلك يتكفّل الأداء الصّوتي لهذا الجذر اللّغوي بصناعة المعنى المراد من دون الحاجة إلى مؤثّرات أخرى، إذ أنّ اللّسان العربي لسان سمعيّ صوتيّ وكان التّواصل بين العرب بلسانهم في أيام لا قلم فيها ولا سجلّ ولا مداد. قال هدهد سليمان عليه السّلام مبرّرا تأخّره عن الموعد الدّوري «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ» (8) أي علمت ما لم تعلم. وأخبر سبحانه عن صاحب الجنّة في سورة الكهف أنّه  «أُحِيطَ بِثَمَرهِ» أي عبثت الرّياح والغيوم وما في حكمها بذلك الثّمر عبثا به أفنته  وأهلكته فهي به محيطة لا يتسلّل إليها متسلّل .  
2.2. الغرض من سوق هذا الإسم
الغرض معلوم وهو غرض النّذارة والتّهديد والتّخويف من ناحية لمن يظنّ أنّه يمكن أن يفلت من العذاب وعاقبة الجريمة وهو غرض البشارة كذلك أن يقنط قانط من قدرة اللّه سبحانه، فهو المحيط المدبّر الذي يقلب الأشياء والأمور ليغتني فقير ويفتقر غنيّ وينقبض منبسط وينبسط منقبض ويعزّ ذليل ويذلّ عزيز وهو غرض التّعظيم للّه سبحانه في نفوس النّاس بما يبعث فيهم الحبّ والشّوق إليه وتكبيره سبحانه.
حظ الإنسان من هذين الإسمين
أما من حيث التّسمي بهما، فلا مانع من ذلك لأنّ اللّه نسب إلى الإنسان في كتابه العزيز الصّفتين معا إذ قال في موضع «لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ»(9) وقال في موضع آخر «أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ»(8). فلا مانع من أن يتسمّى الإنسان بمحيط أو واسع وإن كان الأولى أن يتسمّى بعبد المحيط أو عبد الواسع ولاية أفضليّة فحسب. أمّا حظّ الإنسان من ذينك الإسمين فهو حظّ كبير إذ عليه أن يسعى لأن يكون واسعا في مغفرته وحلمه وعلمه وعمله ومعرفته قدر ما يستطيع وعليه أن يكون كذلك محيطا قدر الإمكان بنفسه علما بها وبالنّاس من حوله أن يفترسه الخبّ وبالواقع الذي يحيط به بغرض إصلاحه ويظلّ اللّه سبحانه هو الواسع المحيط الذي لا حدود لسعته ولا حدود لإحاطته.
 الهوامش
(1) سورة الذاريات - الآية 47
(2) سورة البقرة - الآية 255 
(3) سورة آل عمران - الآية 120
(4) سورة فصّلت - الآية 54
(5) سورة الفتح - الآية 21
(6) سورة هود - الآية 84
(7) سورة العنكبوت - الآية 54
(8) سورة النمل - الآية 22
(9) سورة الطلاق - الآية 7