حوارات

بقلم
موسى المودن
حوار مع الأستاذ الدكتور أبو بكر العزاوي
 (1)
س: من هو الأستاذ الدكتور «أبو بكر العزاوي»؟ وما هي خصوصية مسيرته التعليمية والعلمية؟
ج: من مواليد حي الأحباس بالدّار البيضاء سنة 1958م. درست بعض العلوم الشّرعيّة على السّيد الوالد، وبعض العلماء، حيث حفظت القرآن الكريم كاملا في سنّ مبكرة، ثم حفظت عددا من المتون المرتبطة بعلم التّجويد والفقه وغيرهما، وعددا كبيرا من القصائد المطوّلة والمشهورة مثل قصيدة البردة وقصيدة الهمزيّة، وقصائد السّماع والمديح النّبوي، ودرست في التّعليم العصري وحصلت على شهادة البكالوريا (آداب عصريّة) من ثانويّة محمد الخامس، وعلى شهادة الإجازة في اللّغة العربيّة وآدابها من جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط بعد إنجاز بحث «الأمثال العربية القديمة من خلال كتاب (مجمع الأمثال) للميداني»، وأشرف عليه فضيلة الدكتور أمجد الطرابلسي. 
والتحقت بعد ذلك بقسم الدّراسات العليا بكلّية الرّباط، قسم اللّسانيّات بشعبة اللّغة العربيّة، وكنت في الوقت نفسه أشتغل بهذه الكلية في إطار الخدمة المدنيّة، وبمجرد أن أتممت الخدمة المدنيّة، سافرت إلى فرنسا، حيث أتممت دراستي هناك، وحصلت سنة 1989م على شهادة الدكتوراه الفرنسيّة بميزة مشرّف جدّا، مع التّنويه والتّوصية بالطبع. وقد درست على يد اعلام كبار من فرنسا وأوروبا وأمريكا أمثال أزفالد ديكرو، جيل فوكونيي، وموريس هالي، بول كاي يوكي كيرودا، روبير مارتان، جان كلودميلنر، جان بليز غريز، أنطوان كيليولي، فرانسوا ريكاناتي، فرانسوا ديل، فرديرك نيف ريشار زوبير وغيرهم كثير. 
والتحقت بعد ذلك بجامعة السّلطان مولاي سليمان ببني ملال، حيث كنت أدرّس مواد اللّسانيات والمنطق والحجاج والفكر اللّغوي العربي القديم. وفي الوقت نفسه، كنت أدرّس بجامعات مغربيّة أخرى، مثل كلّية الآداب البيضاء –عين الشقّ وكلية الآداب البيضاء –ابن مسيك، وكلية الآداب بالجديدة. وأشرف على أطاريح جامعيّة (الدكتوراه -الماجستير-الإجازة) عديدة في اللّسانيات والحجاج والأدب والبلاغة والدّراسات الإسلاميّة في عدد من الجامعات المغربية. وترأست الجمعيّة المغربيّة لتكامل العلوم، منذ سنة 1996م إلى الآن، وأعمل مستشارا علميّا لعدد من دور النّشر المغربيّة والعربيّة. بالإضافة إلى هذا، فقد صدر لي عدد كبير من المؤلفات والتّرجمات والبحوث والدّراسات والمقالات، باللّغتين العربيّة والفرنسيّة، أذكر منها على سبيل التمثّل، الكتب التّالية: «اللغة والحجاج»،«الخطاب والحجاج»،«حوار الحجاج»،«اللغة والمنطق»،«سعيد النورسي رجل الحوار والإقناع»،«الدلالة المعرفية»وترجمات«مدخل إلى النّحو المعرفي: رولاند لانكاكير»و«الفضاء في اللّغة الفرنسيّة».
(2)
س: متى بدأت علاقتكم بالحجاج؟
ج: علاقتي بالحجاج والبلاغة الجديدة قديمة، وممتدّة في الزّمان، أوّلا أشير إلى أنّني كنت مغرما بالمنطق والفلسفة والجدل والمناظرات منذ زمن بعيد جدّا، ربما يرجع هذا الاهتمام إلى أيام التّعليم الثّانوي، في هذه الفترة وبالضّبط في سنة الباكلوريا، كانت تعجبني مادّة الفلسفة، وهي مادّة التّساؤل والسّؤال، ومادّة الإشكال والاستشكال والاستدلال، وكنت أناقش أستاذ الفلسفة باستمرار: السّؤال تلو السّؤال، وكنت في هذه الفترة مغرما بقراءة المناظرات العلميّة والفكريّة والدينيّة. ومن المناظرات التي قرأتها في ذاك الزمان، المناظرة الشّهيرة التي نقلها لنا أبوحبان التّوحيدي في كتابه: «الإمتاع والمؤانسة» بين المنطقي متّى بن يونس القنائي والنّحوي أبو سعيد السيرافي حول المنطق واللّغة، أو المنطق والنّحو، والتي كانت الغلبة الأولى فيها للسيرافي. 
وقد ازداد اهتمامي بالجدل والمنطق والاستدلال أيّام الدّراسة الجامعيّة، ولكنّ البداية الرّسميّة كانت بعد حصولي على شهادة الإجازة، واشتغالي في كلّية الآداب بالرّباط سنتين كاملتين في إطار الخدمة المدنية، حيث انتقلت إلى فرنسا لمواصلة الدّراسات العليا في جامعة السّربون الجديدة، وكان البحث الذي أنجزته لنيل دبلوم الدّراسات العليا المعمّقة هو: «علاقة النّفي بالأسوار، بين المنطق واللّسانيات)، قمت في هذا البحث بدراسة مسألة «الحيز» أو الحقل، والمقارنة بين المقاربة المنطقيّة والمقاربة اللّسانية لظاهرة النّفي، وظاهرة التّسوير، ولأنماط التّفاعل القائم بين هاتين الظّاهرتين.
أما البداية الرّسميّة للاشتغال على الحجاج بشكل عام، والحجاج في اللّغة بشكل خاصّ، فقد كانت سنة 1983/1984م، عندما سجّلت أطروحتي لنيل شهادة الدّكتوراه الفرنسيّة (P.H.D) حول موضوع: (الرّوابط الحجاجيّة في دراسات اللّغة العربيّة)، بمعهد الدّراسات العليا في العلوم الاجتماعيّة، تحت إشراف أزفالد ديكرو، اللّساني الكبير، وأحد كبار علماء الدّلالة والتّداوليات بأروبا، وفي العالم كلّه، ومؤسّس نظريّة الحجاج في اللّغة، وواضع نظريّات دلاليّة وتداوليّة أخرى، مثل نظرية الاقتضاء ( la resaper) ونظريّة الأصواتيّة. وقد اخترت أن أدرس في رسالتي أربع روابط حجاجيّة هي: (لكن-بل-حتّى-لاسيّما)، من حيث استعمالاتها الحجاجيّة مع ربطهما بالجوانب الدّلاليّة والتّداوليّة والتّركيبيّة، والاستفادة ممّا ورد في النّحو العربي وكتب معاني الحروف من إشارات ومعطيات يمكن أن تغني البحث.
وكان بحثي هذا جديدا ومبتكرا، ليس له مثيل في تاريخ اللّسانيات العربيّة فحسب، وإنّما في تاريخ اللّغة العربيّة نفسها، وكنت سبّاقا إلى دراسة موضوع الحجاج في الوطن العربي، وقد اعترف بهذا أزفالد ديكرو، والمستشرق الفرنسي جيرار طروبو صاحب كتاب (فهرس مصطلحات سيبويه) وجمال الدين كولو غلي، وغيرهم.
وبعد رجوعي إلى المغرب، واشتغالي بالتّدريس بكلّية الآداب والعلوم الإنسانية ببني ملال، حصلت على شهادة دكتوراه ثانية (دكتوراه الدّولة) في سنة 2001م، بعنوان: «الحجاج في اللّغة العربيّة: دراسة في المنطق اللّغوي». ومنذ ذلك الحين، وأنا اشتغل على الحجاج والمنطق الطبيعي تأليفا وتدريسا وتأطيرا.
(3) 
س: ما هو مشروعكم العلمي بشكل عام؟ ومشروعكم الحجاجي بشكل خاصّ؟
ج: مشروعي العلمي له جوانب عديدة: منها جانبان أساسيّان: يهمّ الجانب الأوّل الحجاج اللّغوي، وأنماط الحجاج الأخرى، أي الحجاج البلاغي(أي البلاغة الجديدة)، الذي وضع أسسه الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان، والحجاج المنطقي بوصفه جزءا من المنطق الطّبيعي الذي أسّسه المنطقي السّويسري جان بليز غريز، والحجاج التّداولي الجدلي لصاحبه فان إيميرين.
أمّا الجانب الثّاني، فيهمّ اللّسانيّات المعرفيّة بشكل عام، والدّلالة المعرفيّة بشكل خاصّ. واهتمامي باللّسانيات المعرفيّة، يرجع إلى بداية الثّمانينيّات عندما كنت أدرس بفرنسا. وشاء اللّه عزّ وجل أن أدرس هناك على يد عدد من أقطاب هذا العلم بفرنسا أمثال جيل فوكو نيي، بول كاي، كلود فاندلواز، جورج كلايبر، وغيرهم.
ولما التحقت بكلية بني ملال، بدأت أدرّس اللّسانيات المعرفيّة منذ سنة 1990، أي أشتغل بها تدريسا وتأليفا وتأطيرا، وقد أنجزت في هذا السّياق عددا كبيرا من المؤلّفات والبحوث والدّراسات والتّرجمات، بعضها منشور، وبعضها الآخر مخطوط. وهناك جوانب أخرى من مشروعي العلمي العام، يهمّ الأدب والبلاغة وتحليل الخطاب والمناهج والتّراث والدّراسات الإسلاميّة. فأنا لا أومن بالتّخصص الضّيق، وإنّما أقول دائما: «لابدّ أن يتوفّر الباحث على الحدّ الأدنى من الموسوعيّة، والمشاركة في حقول معرفيّة أخرى».
(4) 
س: ما هو الحجاج في تصوّر الأستاذ أبو بكر العزاوي؟
ج: الحجاج (l’argumentation) ببساطة، هو الاستدلال الطّبيعي، الذي نجده في الخطاب الطّبيعي، واللّغات الطّبيعيّة. هناك تعريفات عديدة للحجاج، فهو منطق اللّغة، وهو الاستدلال اللّغوي الطّبيعي غير البرهاني، وهو نشاط تداولي جدلي عقلاني، وهو بشكل عام، تقديم مجموعة من الحجاج والأدلّة لصالح نتيجة أو فكرة معيّنة، نحاول إقناع المخاطب بصوابها. فالحجاج مرتبط بالخطاب الطّبيعي، ومرتبط بسياقات المتكلّمين التّداوليّة والتّواصليّة.
(5) 
س: صدر لكم مؤخرا، مؤلّف علمي هام، بعنوان: «النّورسي: رجل الحوار والإقناع». فما هو سياق كتابة هذا العمل؟ وما هو الجديد في هذا العمل؟ 
ج: شاركت منذ مدّة طويلة في مؤتمر دولي بكلية الآداب موضوعه: (ترجمة معاني القرآن الكريم) وذلك ببحث يهم الجوانب الدّلالية لعمليّة التّرجمة، وأنماط المعنى، وصلة ذلك كلّه بترجمة معاني القرآن الكريم. وقد شارك في هذا المؤتمر عدد كثير من التّراجمة الذين ترجموا معاني القرآن الكريم إلى لغات أوروبيّة مثل الإسبانيّة والهولانديّة والرّومانيّة وغيرها، وأيضا أساتذة متخصّصون أو مهتمّون بعلم التّرجمة. وقد تعرفت في هذا المؤتمر، على الأستاذ إحسان قاسم الصّالحي، وهو تركماني الأصل، وهو مترجم «رسائل النّور» من التّركيّة إلى العربيّة، هذا الأستاذ وجه إليّ الدعوة مرارا للمشاركة في المؤتمر الدولي الذي كان ينظمه مركز رسائل النور بإسطنبول، كل سنتين، حول موسوعة (رسائل النور)، لصاحبها الأستاذ سعيد النورسي. وفعلا، شاركت في بعض هذه المؤتمرات، وكانت الثّمرة، هذه البحوث التي أنجزتها حول هذا العالم الرّباني، والمفكّر الإسلامي، والعالم الموسوعي وحول عمله الضّخم، أو موسوعيّته «رسائل النّور»، التي تتكون من 10 مجلّدات، وقد قمت بجمع بحوثي ونشرها ضمن كتاب مستقل. وقد لقي هذا الكتاب ترحيبا واسعا، وقبولا من قبل كلّ الذين اطلعوا عليه، وأفكر إن شاء اللّه في طبعه ثانية عبر دار نشر معروفة في الوطن العربي، حتّى يتيسر لعدد كبير من الباحثين والطّلاب الاطلاع عليه، والاستفادة منه.
(6) 
س: نريد من الدكتور أبو بكر العزاوي أن يحدّثنا عن مضمون الكتاب ومحتواه: عمّا يتحدّث هذا المؤلف؟
ج: تضمّن هذا الكتاب مقالا تمهيديّا، وفصلين، وملحق. أمّا المقال التّمهيدي، فهو يعرّف بهذا المفكّر الإسلامي،والمصلح والمجاهد الأستاذ بديع الزّمان سعيد النّورسي، ويعرّف بموسوعته الضّخمة (رسائل النّور)، ويشير إلى أهمّية تجديد المنهج في دراستها.
ويتضمّن الفصل الثّاني من الكتاب، بحثا شاركت به في مؤتمر دولي حول موضوع: (البلاغة وإعجاز القرآن في رسائل النور) ويحمل هذا الفصل العنوان التّالي: (النّورسي رجل الحوار والإقناع، أو فصل المقال فيما بين الحوار والحجاج والاختلاف من اتصال). 
ويهدف هذا البحث إلى إبراز أهمّية الحوار والإقناع والحجاج في حياة الإنسان، وصلتها بالخلاف والاختلاف والوحدة والاتفاق من خلال رسائل النّور. وقد اعتبره أحد الباحثين بحثا مفصليّا في العصر الرّاهن، وخاصّة في ظلّ الظّروف التي تعرفها الإنسانيّة. واعتبره أيضا محاولة للتّأسيس لفكر تواصلي من خلال رسائل النّور. أمّا الفصل الثّالث «المنظومة الأخلاقيّة عند النّورسي»، فهو بحث شاركت به  في مؤتمر دولي عقد بإسطنبول حول موضوع: (العولمة والأخلاق في رسائل النّور) ويهدف هذا البحث إلى دراسة موضوع الأخلاق عند الأستاذ سعيد النّورسي، أوّلا من خلال موسوعته: (رسائل النّور)، وثانيا من خلال سلوكه وأفعاله وتصرّفاته وأخلاقه هو، أي من خلال التّنظير والتّطبيق. وقد حاولت في هذا البحث، أن أجيب عن مجموعة من الأسئلة: ما هي الأخلاق؟ ما أهميتها؟ كيف درسها؟ ما هو تصوره لها؟ هل كان النّورسي يتبنّى إحدى النّظريات الأخلاقيّة الغربيّة المعروفة (المادّية، النّفعية البرغماتيّة...)؟ هل قدّم منظومة أخلاقية متكاملة، من خلال رسائل النّوروما هي المبادئ التي قامت عليها ؟ ماهي المصادر التي اعتمد عليها، واستمد منها أفكاره ومبادئه؟ هل الأخلاق التي تحدث عنها النورسي في موسوعته، ومارسها في سلوكه وأفعاله وحياته، أخلاق قرآنيّة؟ وغيرها من الأسئلة المفيدة.
لقد حاولت أن أبيّن أنّ سعيد النّورسي، قدّم فعلا، منظومة أخلاقيّة شاملة، وأنّ هذه المنظومة، تقوم على مجموعة من المبادئ، ذكرنا منها ثمانية: مبدأ الفطرة، مبدأ المرجعيّة الإسلاميّة، مبدأ الشّموليّة، مبدأ العلميّة، مبدأ النّسبيّة، مبدأ الواقعيّة، مبدأ التّدرّج، مبدأ الانسجام والانتظام، وقد وفقت عند نموذج محدّد، وهو مسألة الصّدق والكذب، وكيف تحدّث عنهما سعيد النّورسي. وأضفت إلى هذه البحوث ملحقا يعرف بحياة الإمام سعيد النّورسي، ويعرف أيضا بالمجلّدات العشر، كلّ مجلد على حدة، التي تضمنتها موسوعة (رسائل النور).
(7) 
س: ما أهمّية الكتاب؟ وما الجديد الذي اشتمل عليه؟
ج: هناك الكثير من الجديد في هذا الكتاب، على مستوى المنهج، وعلى مستوى المضامين والأفكار التي اشتمل عليها، وعلى مستوى النّتائج والخلاصات التي انتهى إليها، وعلى مستوى الإشكال والموضوع العام. فعلى مستوى المنهج، وظّفت كثيرا من خبراتي ومعلوماتي في مجال المنطق والحجاج واللّسانيات العامّة والإبستمولوجيا المعاصرة، وغيرها من العلوم والمعارف الجديدة في معالجة موضوع الكتاب، وفي تناول القضايا والإشكاليات التي تناولتها، أما على مستوى المضامين والقضايا والمحتويات، فالكلّ يعلم أنّ مواضيع مثل الحوار والإقناع والحجاج، وتدبير الاختلاف، ورفع الخلاف، وقبول الآخر، والتّسامح والتّعايش، والقيم والمبادئ والأخلاق التي تجعل التّسامح قائما، والتّعايش ممكنا، والحوار ناجحا والاختلاف مقبولا، والعنف مرفوضا، والإرهاب مقموعا ... إنّها مواضيع السّاعة، والعصر يطلبها بشدّة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى. 
إنّ الحاجّة ماسّة اليوم، إلى سلوك الحوار، والإقناع والحجاج، وإلى أخلاق التّعايش والتّسامح، للقضاء على العنف والإرهاب، ولحلّ الأزمات الدّوليّة والوطنيّة، وإبعاد شبح الحروب والفتن بمختلف أنواعها. وأحبّ أن أشير هنا إلى قولة أردّدها دائما، تلخص جوانب من مشروعي العام، وهي: «لولا الاختلاف ما كان الحوار، ولولا الحوار ما كان الحجاج، والحجاج يعمل على إنجاح الحوار، وتدبير الاختلاف، ورفع الخلاف». ولي قولة أخرى: «لا تواصل من غير حجاج، ولا حجاج من غير تواصل». الكتاب إذن، كما بيّنت وشرحت فيه الكثير من الجديد، وله فوائد على أكثر من مستوى، وهذا بالرّغم من صغر حجمه، ولكن العبرة بالكيف لا بالكمّ كما يقال.
(8) 
س: من هو سعيد النورسي؟
ج: هو الإمام بديع الزّمان سعيد النّورسي، أحد أعلام الفكر والإصلاح والجهاد في العالم الإسلامي، أمثال محمد إقبال وجمال الدّين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد سعيد رمضان البوطي، ومحمد الغزالي، وعلال الفاسي، ومحمد المختار السّوسي، وعبد الله كنون، والطّاهر بن عاشور وغيرهم. وقد ولد مطلع القرن الهجري الماضي 1293هـ (1876م)، في قرية نورس، الواقعة شرقي تركيا الحاليّة، وهو من أصل كردي. وقد عاصر النورسي عهد السلطان عبد الحميد الثاني، أواخر عمر الدّولة العثمانيّة، وعاصر تكالب الأعداء وسعيهم للقضاء على الخلافة، وقد أثّر فيه هذا، فكان مجاهدا مناضلا طوال حياته للدّفاع عن الإسلام والدّولة الإسلاميّة، وحكم عليه بالنّفي والإعدام مرّات عديدة، ولكنّ اللّه عزّ وجل كان يكتب له النّجاة دائما. وقد ترك أثرا طيّبا ومحمودا، في بلاد تركيا، وكثير من بلدان العالم الإسلامي. وقد كتب الشّيء الكثير عن حياته وسيرته وجهاده العلمي والعملي، وكتب الكثير عن موسوعته الضّخمة: (رسائل النّور)، والتي هي تفسير فريد ومتميّز للقرآن الكريم، تفسير علمي وعملي يربط الكتاب المسطور بالكتاب المنظور. وقد أبان في تفسيره هذا، عن تكوين موسوعي هائل، فتجد في هذه الموسوعة معلومات في اللّغة والنّحو والبلاغة والمنطق وعلم الكلام والتّصوّف والفلسفة والفيزياء وعلم الفلك وعلوم الطبيعة والفقه والقراءات وغيرها.
فالمجلدات العشر، التي اشتملت عليها موسوعة (رسائل النور) هي: «الكلمات، المكتوبات، اللّمعات، الشّعاعات، إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز، المتنوي العربي النّوري، الملاحق في فقه دعوة النّور، صيقل الإسلام، سيرة ذاتيّة، الفهارس». ونشير هنا إلى أنّ النورسي قد كتب بعض أعماله باللّغة العربيّة، منها مثلا، كتابه: «إشارات الإعجاز في مظان الإيجاز»، وهو تفسير قيّم لفاتحة الكتاب، و30 آية من سورة البقرة. وقد بيّن فيه الإعجاز النّظمي للقرآن الكريم، أي جهة مناسبة الآيات، بعضها ببعض، وتناسب الجمل وتناسقها، وكيفية تجاوب هيئات الجمل وحروفها حول المعنى المقصود، معتمدا في ذلك، على قواعد البلاغة والنّحو والصّرف والمنطق وعلم أصول الدين، وعلوم أخرى. وهناك أيضا «الخطبة الشّامية»، التي ألقاها في الشّام، بيّن فيها أمراض الأمّة الإسلاميّة، ووسائل علاجها.
(9) 
س: الأستاذ سعيد النّورسي: هل له حضور في المغرب؟ أي هل اهتم المغاربة بموسوعته (رسائل النور)؟
ج: نعم، قلت لك سابقا، لقيت كتبه وأعماله قبولا كبيرا، في معظم الدّول العربيّة، والبلدان الإسلاميّة، لقد طبعت موسوعته (رسائل النور) عشرات المرّات، وأنجزت عنها المئات من الرّسائل والأطروحات الجامعيّة، وعقدت حولها مؤتمرات دوليّة، وندوات وطنيّة، وأيّام دراسيّة، وملتقيات عديدة، وترجمت إلى كثير من اللّغات الأجنبيّة. أضف إلى ذلك ما كتب عنه من مؤلفات وبحوث ودراسات، وأذكر هنا ما كتبه فريد الأنصاري وحسن الأمراني من كتب وغيرهم كثير.
للنّورسي حضور في المغرب، وفي بلدان عربية وإسلاميّة كثيرة، خاصّة وأنّ جماعته لا تشتغل بالسّياسة، ولا تتدخّل في الشّؤون الدّاخلية لأيّ بلد. فسعيد «الجديد» (النّورسي طبعا)، مختلف تمام الاختلاف عن سعيد «القديم»، الذي كان يشتغل بالسّياسة.
(10) 
س: ماهي المشاريع العلميّة الجديدة للدّكتور العزاوي؟
ج: هناك مشاريع علميّة عديدة، بعضها يهمّ الحجاج ونظريّات الحجاج، وبعضها يهمّ اللّسانيّات المعرفيّة وبعضها الآخر يهمّ التّراث والبلاغة واللّسانيّات والمنطق والدّراسات القرآنيّة وغيرها. هناك مؤلّفات وترجمات وبحوث جاهزة، أو قيد النّشر، وهناك أعمال أخرى قيد الإنجاز. هناك كتابان سيظهران قريبا بحول الله وقوّته، هما: «أنماط الاستدلال في القرآن الكريم»، وأيضا ترجمة كتاب «السلميّات الحجاجية لأزفالد ديكرو».
هناك كتب أخرى شبه جاهزة حول النّظريات الحجاجيّة الكبرى، وأخرى حول الدّلالة المعرفيّة، وكتاب ثالث هو ترجمة لـ: «مدخل إلى النّحو المعرفي»، و«كتاب المقدمات»، جمعت فيه طائفة من التّقديمات التي وضعتها لعدد من المؤلّفين المغاربة والعرب، وتهمّ الأدب والبلاغة والحجاج والتّصوف وعتبات النّص والخطابة والشّروح الشّعريّة وغير ذلك.
(11) 
س: ماهي وضعية البحث العلمي في البلدان العربيّة:
ج: وضعيّة البحث العلمي في العالم العربي هشّة وضعيفة جدا، فالبلدان العربيّة لا تخصّص للبحث العلمي إلاّ ميزانيّة ضعيفة جدا، يمكن أن نقول إنّها شبه منعدمة. ولنرجع إلى الإحصائيّات العالميّة، ولنطلع عليها، كم تخصّص أمريكا والصين واليابان وكوريا والكيان الصهيوني وتركيا لتمويل البحث العلمي؟  وخذ أيّة دولة عربيّة، وانظر كم تخصّص لهذا الموضوع من نسبة مائويّة من ميزانيّتها العامة؟ ستصاب بالهلع والاندهاش والذّهول الرّهيب. ثمّ إنّ تمويل البحث العلمي، ينبغي أن يساهم فيه الجميع: الشركات والمؤسّسات والأغنياء وغيرهم. 
(12) 
س: ما السّبيل إلى الخروج من التّخلّف الذي يقبع فيه العالم العربي والإسلامي منذ عهد طويل؟
ج: لا سبيل للخروج من التّخلّف الحضاري والعلمي والتّكنلوجي إلاّ بتشجيع البحث العلمي، وبالقضاء على الأمّية بشكل تامّ، والحرص على جودة التّعليم، وإيلائه المرتبة الأولى، وتخصيص الدّعم الكبير له، مع الاستفادة من التّجارب الدّوليّة، مثل: تجربة اليابان وغيرها. وعدم التّبعية لأية دولة، مهما كانت علاقتنا بها.
(13) 
س: كلمة أخيرة لمجلة «الإصلاح التونسية»
ج: أريد أن أشكر كلّ العاملين في هذه المجلة. وبالمناسبة فهي مجلة ناجحة، وهي مناضلة في ذاك الجزء الشّرقي من وطننا المغاربي الحبيب تونس، تعرّف بالمشاكل والأزمات هناك، تعرّف أيضا بأعلام المنطقة المغاربيّة، وتهتم بالجانب الثّقافي لكلّ الوطن العربي والإسلامي. فتحيّة لكم جميعا، ووفّقكم المولى وأعانكم، والسّلام.