بهدوء
بقلم |
![]() |
د.عماد هميسي |
ظاهرة الإرهاب وأفاق معالجتها |
علينا مواجهة هؤلاء الّذين يعادون الفكر الحضاري للإسلام، ويقفون في صفّ أعداء المجتمع ودينه، وهم الّذين وصفهم الرّسول صلّى الله عليه و سلّم: «بأنّهم دعاة على أبواب جهنّم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قيل: صفهم يا رسول الله. قال: هم من جلدتكم، و يتكلّمون بألسنتنا»(1).
لهذا كانت ضرورة مواجهة هؤلاء الّذين يفسدون فكر المجتمع، ويظلّلونه عن حقيقته وعن أصالة هوّيته، ثم يقرأ أو يسمع أو يشاهد، فيعمل في عقول المسلمين ما تعمل الأوبئة الفتّاكة، القاتلة في الأجسام.
معركتنا الحقيقيّة في داخل أرضنا يجب أن تكون مع هؤلاء الغلاة المنحرفين، أصحاب الأفكار الهدّامة، أعداء الحضارة والتّطوّر، ولنعمل جميعا على تجميع كلّ القوى الوسطيّة وعلى تقريب المفاهيم وعلى تنسيق المواقف في مثل هذه القضايا المصيريّة والوقوف صفّا واحدا ضدّ هذا الفكر الشّاذ.
على العلماء والمحدّثين والدّعاة والمفتين أن يعرفوا أن التّشدّد هو الاجتهاد الأسهل وليس الاجتهاد الأفضل، إذ الفقه كما قال سفيان الثوري: «رخصة من ثقة وليس من الغلوّ الّذي يحسنه كلّ أحد، وأنّ شريعة الإسلام قد بنيت على التّيسير، ورفع الحرج والمشقّة، ولم تبن على الغلوّ والتّعسير»(2).
يقول اله تعالى: «...يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...» (3)
و يقول الرّسول صلّى الله عليه و سلّم: «يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا» (4) .
و من هذا القبيل ما رواه الشيخان في صحيحيهما، و أبو داود في سننه، و أحمد في مسنده، عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضى الله عنها، قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَأْثَمْ، فَإِذَا كَانَ الإِثْمُ كَانَ أَبْعَدَهُمَا مِنْهُ»(5)
على المختصّين في الفتوى والدّعاة والعلماء أن يعلّموا النّاس أنّ الدّين إنّما وجد لخدمة الإنسان، أيّما كان الإنسان، وأنّه خلق من أجله، ويجب أن يسخّر في إحلال السّلام وفي وقف الحروب والاقتتال، لأنّنا نحن جميعا سائرون في الطّريق لله تعالى.
على العلماء والأيمّة والمختصّين في الفتوى أن يعلّموا النّاس حبّ الحياة، لا ازدراءَها، ويحثّوهم على الاندماج داخل المجتمع وسط نور المعرفة وإشراقات السّماحة والرّفق. آن الأوان أن يصدع هؤلاء بضرورة التّفاهم والوحدة بين أبناء الوطن، وبين أبناء القبلة الواحدة، وليعلموا أنّ الطّريق إلى ذلك ليس بأن يفرض الواحد منّا قناعاته على الآخرين، بل بصيانة حرمة الآخرين وحماية حقوقهم المادّيّة والمعنويّة.
آن الأوان لتنمية المساحات المشتركة فيما بيننا، وتبسيط حقائق التّلاقي والتّفاهم بين أهل الوطن الواحد، وإطلاق مبادرات سواء كانت وطنيّة أوعالميّة تستهدف تطوير نظام التّعارف المتبادل بين جميع المسلمين بمختلف مدارسهم الفقهيّة، وانتماءاتهم المذهبيّة مصداقا لقوله تعالى: «يَّا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا...» (4) .
على هؤلاء أيضا أن يسعوا إلى تأصيل قيم العلم والعمل داخل المجتمع، وربط القضايا التّنمويّة بالخطاب الدّيني، وأن يسعوا إلى صيانة حقوق الإنسان وتحريم انتهاكها، والتّطرّق إلى هموم النّاس ومشاكلهم.
عليهم أن يصنعوا الأمل في نفوس النّاس ويقضوا على اليأس، وينشروا ثقافة الحبّ. عليهم أن يحذّروا النّاس من شرّ الشّقاق والاختلاف والتّعصّب، والسّعي في معالجة تلك الصّور السّلبيّة الموجودة في عقول بعض النّاس، والتي تمنعهم من الاستجابة لدين الله تعالى.
و في الأخير على كل هؤلاء المصلحين أن يسعوا إلى عرض الدّين الإسلامي عرضا صحيحا يبيّن الرّؤية الصّحيحة للدّين الّتي جاء بها الرّسول صلّى الله عليه و سلّم وفهمها صحابته الكرام، فنحن في حاجة إلى خطاب ديني وسطي، معتدل، يدعو إلى الإخاء، والتّعاون، يجمّع ولا يفرّق. عليهم أن لا يستدعوا الخطب الجاهزة، والفتاوى الماضية دون النّظرة التّحليليّة للواقع المعاصر، لأنّ ذلك يضرّ أكثر ممّا ينفع، مع اعتماد الأدلّة، والبراهين العقليّة من واقع الحياة، وتجاربها إلى جانب الأدلّة النّقليّة في خطابهم الدّيني، فإنّ ذلك أدعى للقبول، والإقناع. كما يجب عليهم ضرورة تجنّب مخاطبة النّاس بما يخالف السّنن الإلهية في الكون، والمجتمع من الخرافات، والتّرّهات الّتي تملأ بعض الكتب الإسلاميّة، وخاصّة في بعض كتب الوعظ، والإرشاد .
الهوامش
(1) البخاري: الصّحيح- كتاب الفتن- باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة -6/2596- حديث رقم:6673.
(2) آداب الفتوى للنووي، ص: 37
(3) سورة البقرة - الآية 185
(4) البخاري: الصّحيح- كتاب العلم- باب كان النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم يتخلّلهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا-1/33- حديث رقم: 69
(5) سورة الحجرات الآية 13
(6) انظر ابن تيميّة: اقتضاء الصّراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم-1/328./ ومجموع الفتاوى-20-20/54./
وانظر محمّد طاهر منصوري: ظاهرة التّطرّف الدّيني والفكري في المجتمعات الإسلامية وأثرها على الوحدة والتّنمية- موقع الوسطيّة Browse .Home 1438هـ/2017م-103.
|