حديقة الشعراء
بقلم |
عبداللطيف العلوي |
فكر بها... |
يا ابْنَ الّتِي انْتَظرتْ على أوجاعِها ستّينَ عامًا
أنْ تَبُوحَ بِحُبِّها ..
فَكِّرْ بِها .. !
فَكِّرْ قليلاً قبلَ أنْ تَمضي وتَتْرُكَها بِلاَ شمسٍ و ماءْ ..
فَكِّرْ قليلاً قبلَ أن تبكِي عليها ...
هلْ سينْفَعُها البُكاءْ؟
هلْ سَتَحْيا بعدها يومًا كَمَا
كُنَّا وكنتَ بِها تَشاءْ ؟؟
أمْ سَتبقى تائِهًا مثلَ الصّدى،
في شرْقِها أو غَرْبِها ؟؟
فَكِّرْ بِها .. !
هذِي الفقيرَةُ،
رُبّما نامتْ ببابِكَ – ذاتَ يومٍ – جائِعَهْ ..
هذي الحزينةُ،
رُبّما كانتْ تُزغردُ – يوم عُرْسِكَ – دامِعَهْ ..
هذي الغريبةُ،
ربّما انتظرَتْ يديْكَ كما انتظَرْتَ يدًا لها ..
وَبكتْ عليكَ، وما بَكَيْتَ لِكَرْبِها ..
فَكِّرْ بِها .. !
يا مَنْ تُحدّثُ في تَمامِ الزُّهْدِ نفسكَ، قائِلاً:
لا شأنَ لي وأَنا المُشَرَّدُ في بلادِي
بالأَحِبَّةِ والأَعادِي والعُهُودِ الباطِلَهْ ..
لا شَأْنَ لي بالرَّكْبِ أوْ بالقافِلَهْ ..
أو بالسّياسةِ والمَآسي،
والطّغاةِ الرّاقِصينَ على الكراسي
والعروشِ الْمائِلَهْ ..
و بِما تبقَّى من خَطايَاها ومن أحزابِها ..
فَكِّرْ بِها .. !
وتَذَكَّرْ العِشْقَ القديمَ
وأنتَ تركضُ حافِيًا في دربِهَا ..
كانتْ قناديلُ الْمساءِ تُضيءُ ما يَكْفِي
من السُّحُبِ البعيدةِ والوِهادِ ..
والكونُ أَصْغَرَ من جناحَيْ طائرٍ
وحَلُمتَ أنّكَ سوفَ تَغْرِسُها نُجومًا لا تَبُورُ وَسُكَّرًا
ويصيرُ بيتَكَ، كلُّ بيتٍ في البِلاَدِ
كنتَ تَسْمَعُها تُنادِي أَهْلَها،
فتقِيسُ ظِلَّكَ كُلَّ يومٍ غاضِبًا ..
لمَ لستُ أكبُرُ يا إِلاَهي
مثلَمَا الأبْطالُ في قصصِ الْخيالِ بسرْعةٍ ؟؟
لأَصيرَ جُنْدِيًّا أُدافِعُ مِثْلَهُمْ
عنْ مِلْحِها وَ تُرابِها ..
فَكِّرْ بِها .. !
وَ كبرتَ تحتَ سمائِها يا ابْنَ البَلَدْ ..
ولعلَّها خَذَلَتْكَ مِثْلِي،
جُعتَ يومًا، ربَّما، وشبعتَ يومَا ..
ولعلَّها نَسِيَتْ طريقِي مِثلَما نسِيَتْكَ دَوْمَا ..
ولعلَّها شاخَتْ كَما زَعَمُوا وغاضَ حليبُها،
لكنَّها ليستْ سواكَ، كما تظُنُّ وَتَدَّعي ..
كانتْ هي الأُخْرَى سَجِينَهْ
حولَها حرَسُ النِّظامِ، ودُونَها عَسسُ المَدينَهْ
فهلِ اهتَمَمتَ لأَمْرِها يومًا لتَعلَمَ ما بِها ؟؟
فَكِّرْ بِها .. !
اليومَ يومُكَ كي تقولَ أُحِبُّها
وبما استَطعتُ من القليلِ أَو الكثيرِ ..أُحِبُّها ..
وَ بِساعدِي الحُرِّ الفقيرِ .. أُحِبُّها
وَ بِكُلِّ ما يبقَى منَ الأيّامِ و الأَحلامِ في عُمْرِي القصيرِ ..
أُحِبُّها ... وأُحِبُّها .. وأُحِبُّها ...
فَكِّرْ بِهَا .. ! ! |