الدّهشة بصيرة الفلاسفة، يندهش الفيلسوفُ بالأشياء التي تحسّها هامشيّةً وبسيطة وعابرة، ليغوص فيها ولا يخرج منها إلاّ بأسئلةٍ مجهولة وإجابات ذكيّة. تنبعث الفلسفةُ لحظةَ إيقاظ العقل وانبعاثِ الأسئلةِ العميقة في الوعي. الإنسان الذي يندهش، وينقد، ويتأمّل، ويتساءل أسئلةً كبرى، لديه استعداد لأن يكون فيلسوفًا. لا معنى للفلسفة من دون الأسئلة الكبرى والنّقد العميق، الفيلسوف يمارس النّقد العقلي بلا قيود وحدود، تتوالد أسئلتُه في سياق النّقد، كما يتوالد نقده في سياق أسئلته. يلبث الفيلسوفُ يفكّر في جواب لا ينتهي إليه إلاّ بعد تأمّل، وتمحيص، ونقض الإجابات المتهافتة المختلفة. النّقد بوابةُ الدّخول للتّفكير الفلسفي، نشر فيلسوفُ الأنوار كانط أعمالَه الأساسيّة، وهو يصدّرها بكلمة نقد: «نقد العقل الخالص»(1781)، و«نقد العقل العملي»(1788)، و«نقد ملكة الحكم»(1790)، على التوالي، وخلص من هذه الأسفار العقلية الصبورة إلى نشر كتابه الثمين: «الدين في حدود العقل»(1793).
|