الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد السادس عشر

 بسم الله منزل الكتاب والصلاة والسلام على شفيعنا يوم الحساب

نعيش هذه الأيام على وقع انطلاق أعضاء المجلس التأسيسي في مناقشة مقترح الدستور الجديد من خلال عرض التوطئة للنقاش والمصادقة عليها. وأنت تتابع النقاشات الدائرة داخل قبّة المجلس وفي وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة وعلى أعمدة الصحف، تشعر بمرارة نتيجة المستوى الذي بلغه النقاش بين نواب الشعب الواحد وهم يدّعون أنهم يعدّون دستورا للجيل الحالي والأجيال التي تليه وتتأكد أن أغلب هؤلاء لا يهمّهم ما سيكتب في الدستور بقدر محاولة البروز ضمن حملة انتخابية سابقة لأوانها. إنك لا تشعر بحضور قوّي للشعب ومطالبه داخل قبّة التأسيسي بالرغم من حديث الجميع باسم الشعب. مجموعة من المثقفين و"المأدلجين" يتحدثون بلغة غريبة عن أحاسيس المواطنين وتطلعاتهم ويتجادلون كما في الاجتماعات الطلابية في الحرم الجامعي في الثمانينات. مازلنا في التوطئة فما بالك ببقية الدستور... أهمس في أذن من يريد أن يسمعني من النواب الكرام بجميع تياراتهم وكتلهم أنهم نواب للشعب وليس لأحزابهم أوجماعاتهم الإيديولوجية وأن الدستور يجب أن يكتب بروح المواطن وليس بروح المتحزب وأن عليهم فقط أن يترجموا ما هو متفق عليه بين التونسييين جميعا وهو ما عبرت عنه الجموع الثائرة خلال صرخاتها في وجه الطاغية المتخلّي وزبانيته. الشعب يريد كرامة وحرية وعدالة بين أفراده. الشعب يريد تنمية شاملة وعادلة وهو يريد أن يحكم نفسه بنفسه. إنه يريد أن يكون صاحب القرار ...  فقط ..لا غير .... وقد انتخبكم لا لتكونوا أوصياء عليه وعلى هويته وحريته بل رسلا تبلّغون ما يريد وتصيغون ما طلب منكم صياغته ... نهمس في آذان الأغلبية أن تواضعوا فإن عدد من انتخبكم لا يتجاوز المليون ونصف المليون فلا تنسوا البقية ... إنهم لا يفهمون في الإيديولوجيات ولا صراع المصالح والمواقع ... ونهمس في آذان من بلغوا مواقعهم بأفضل البقايا، ونحن لا نستصغر مكانتهم ولا نشكك في جدارتهم بالمكان الذي هم فيه الآن، أن  كفّوا عن المزايدات وانزلوا من أبراجكم العاجية ولا تجعلوا الدستور مطيّة في صراعكم مع من تختلفون... نهمس في آذان الجميع أن أسرعوا في مهامكم فظلال الخوف جاثمة على صدور التونسيين والبلد على كفّ عفريت فإذا انهار، لا سمح الله، فلن يفيده دستوركم الذي تسطّرون حتّى وإن كان أفضل دساتير العالم ....فهل من آذان صاغية؟؟؟؟

نكتفي بهذا الهمس دون أن نطنب في منهجية مناقشة الدستور التي جعلت من التوطئة وكأنها نص الدستور والأصل أن توضع التوطئة بعد أن تستكمل مناقشة المتن في جميع أبوابه، إضافة إلى ما في المناقشة من مخالفات قانونية وضعها النواب أنفسهم في الدستور الصغير ثم تجاهلوها أو خالفوها فيما اعتبره أستاذ القانون الدستوري السيد قيس سعيد "فضيحة دستورية".