الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد العاشر

 بسم الله رب الناس الذي خلقهم من نفس واحدة وبث منها ذكورا وإناثا وجعل أكرمهم عنده تعالى أتقاهم، والصلاة والسلام على محمد الذي أوصى بالنساء خيرا واعتبرهن شقائق الرجال...

يصدر العدد العاشر من مجلة ”الإصلاح“ قبل ثلاثة ايام من العيد الوطني للمرأة الذي هو احياء لذكرى صدور مجلة الاحوال الشخصية التي تحتوي على مجموعة قوانين اجتماعية أدخلت على تنظيم الاسرة التونسية تغييرات جوهرية ورفعت من مكانة المرأة . ومن أهم ما جاء فيها منع تعدد الزوجات وتجريمه وسحب القوامة من الرجل وجعل الطلاق  بيد المحكمة عوضاً عن الرجل ومنع اكراه الفتاة على الزواج من قبل وليّها وتحديد الحد الأدني للزواج ومنع الزواج العرفي وفرض الصيغة الرسمية للزواج وتجريم المخالف مع إقرار المساواة الكاملة بين الزوجين في كل ما يتعلق بأسباب وإجراءات وآثار الطلاق.

وتستمد المجلة روحها من أفكار عدد من الزعماء الإصلاحيين التونسيين أهمهم الطاهر الحدّاد صاحب الكتاب الشهير ”امرأتنا في الشريعة والمجتمع“ ومن اجتهادات فقهية جريئة من علماء الزيتونة. وبهذه المناسبة يسرّ هيئة تحرير المجلة أن تتقدم إلى كل التونسيات بنات ونساء، أخوات و زوجات وأمهات ... بأجمل التهاني متمنية لهن مزيدا من التألق والنجاح جنبا إلى جنب مع الرجال في بناء تونس الثورة، تونس الحرية والكرامة والمساواة.

 لقد كانت المرأة التونسية في الصفوف الأولى للمناضلين الذين تحدوا بن علي وعصابته طيلة فترة حكمه وتحملت عبء السجن والهجرة كما تحملها الرجل وكانت حاضرة بقوة اثناء الثورة حيث شاركت الرجل في أغلب المظاهرات التي اسفرت عن سقوط نظام بن علي . وبعد الثورة واصلت حضورها على الساحة  مطالبة بتثبيت مكانتها في مجلة الأحوال الشخصية وحقوقها ومكاسبها فضلا عن ضمان حقها في المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية وإقرار مبدأ التناصف والحد من العنف المسلط ضدها. لكنها تحتفل هذه السنة بعيدها الوطني في واقع اجتماعي واقتصادي صعب تعيشه البلاد ومناخ سياسي متوتر سيطرت عليه صراعات حزبية ضيقة مصبوغة بطابع ايديولوجي لم يكن حاضرا ضمن اجندة الثورة وقد بدأت ترمي بظلالها على  مختلف اللجان التأسيسية التي هي بصدد صياغة مسودة لفصول الدستور الجديد للبلاد وخاصة لجنة الحقوق والحريات التي حصل فيهـا اختلاف في الفصل الثامن والعشرين الخاص بتثبيت حقوق المرأة . كما برزت على الساحة الوطنية دعوات جذب إلى الوراء خاصة في ما يتعلق بدور المرأة وموقعها في المجتمع والتشكيك في مبدإ المساواة بين الرجل والمرأة ، مستندة إلى فهم تقليدي للإسلام يجعل من المرأة مكملة للرجل وليست كائنا مستقلا بذاته ومساويا له، فعملت على التقليص من مساحة حرية المرأة والتضييق عليها  في ملبسها ومجالات فعلها. ومقابل ذلك تعالت أصوات استغلت واقع الحرية لرفع سقف مطالبهم التحررية في مجال الاحوال الشخصية محاولين اسقاط النموذج الغربي ومتمسكين بصيغ جامدة ومصطلحات غير دقيقة في وضع دستور ومرتكزين في ذلك على المواثيق الدولية لحقوق الانسان من دون الاخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي والثقافي الحالي للبلاد.

وفي خضم هذا التجاذب و وسط سجالات العلمنـــة والأسلمـــة  التي تكرّس الانقسام والاستقطاب ، ارتأينا أن نخصص جزءا كبيرا من هذا العدد للحديث عن ملف المرأة في محاولة لإبراز موقف مختلف عن هذا وذاك ، يستند إلى أفكار التيار الاصلاحي التونسي، يدعم مكاسب المرأة ويذهب بالـــمرأة مع الرجل مذهب المساواة في وجوه الحياة كلّها . فخصصنا حوار العدد إلى إحدى فتيات الثورة وأصغر مؤسسي حزب الاصلاح والتنمية لسبر أغوار طموحات جيل جديد من النساء يجمع بين الأصالة والحداثة ويطمح إلى تحقيق المساواة الفعلية مع الرجل . وعرض الأستاذ محمد القوماني في مقاله ”الطاهر الحداد ودعوته الرائدة إلى المساواة وتطوير التشريعات“ وجهة نظره حول الإسلام والمساواة بين النساء والرجال انطلاقا من الأفكار الإصلاحية للحداد التي تضمنها كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع".

وكتب الدكتور مصدق الجليدي عن ”أصول المساواة بين الرجل والمرأة“ والجيلاني عبدلي عن ” خطاب نسوي جديد“ و خصصت أميمة السافي مقالها للحديث عن ”كيف أعزّ الاسلام المـــــرأة“ في ما تمّ تخصيص ركن ”مصلحون“ للتعريف بأول طبيبة عربية مسلمة وهي الدكتورة توحيدة بن الشيخ وختمنا العدد بهدية لجميع النساء الأمهات تتمثل في كلمات أغنية مرسال خليفة ” أجمل الأمّهات“ .

وفي الختام نجدد تهانينا للمرأة التونسية في عيدها الوطني 56 ونعاهدها على العمل في اتجاه تأصيل مبدأ المواطنة وفكرة  التعامل مع التونسيين ذكورا كانوا أو اناثا بصفتهم مواطنين يجمعهم الانتماء إلى الوطن والتزامهم بقوانينه وعلاقتهم بالدولة المستندة إلى حقوق وواجبات ليتحقق بذلك مبدأ المساواة ...