الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد الثامن

 بسم الله نور السماوات والأرض ،والصلاة والسلام على شفيعنا يوم العرض...

 

حدثان مهمّان حصلا خلال النصف الأول من شهر جويلية، أردنا أن نستفتح بهما العدد الثامن من مجلة "الإصلاح" . الحدثان الذان اخترناهما ثقافيان بالأساس بحكم احتلال المسألة الثقافية بمفهومها الواسع حيّزا مهمّا من اهتمامات المجلة وباعتبار المسألة الثقافية القاطرة التي تقود عمليات الإنتقال من مرحلة الإستبداد إلى مرحلة الديمقراطية.

الحدث الأول يتمثل في إنطلاق المهرجانات الصيفيّة في مختلف المدن والقرى التونسية واهتمام وسائل الإعلام بهذا الحدث باعتباره الأهم خلال هذه الصائفة. لكن المهم بالنسبة لنا هو مستوى التغيير الذي حصل في هذه المهرجانات  من حيث الهدف و المحتوى وطريقة التنظيم ومدى تمشيّ هذا التغيير مع الحالة  الثورية التي تعيشها البلاد . إذا ما جلب اهتمامنا ليس انطلاق المهرجانات في حدّ ذاته ، بل اقتراب مستوى التغيير في جوهر وأهداف هذه المهرجانات إلى نقطة قريبة من الصفر. الفكرة بقيت نفسها ، المهرجان إحتفال وأغاني ورقص و "تفرهيد" فالشعب يحب التفرهيد ... نفس الهدف إذا ، تحقيق المتعة للجمهور كما كان في العهد البائد ... "حبّوبة يغنّي ... والنساء ترقص " وفي الأخير "عملنا جو..." كما صرح بذلك العديد من الحاضرين في السهرة. نحن لسنا ضد الهادي حبوبة ولا مرسيل خليفة . ما استفزنا في الأمر بقاء نفس الفكرة والهدف ... ما استفزنا أكثر وجعلنا نتشاءم، الإهتمام المفرط لوزارة الثقافة بالمهرجانات دون غيرها من التظاهرات الثقافية وكأن الثقافة فن ورقص ومسرح  لاغير.. نهمس في آذان أصدقائنا القائمين على وزارة الثقافة بأن الثقافة تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط : ثقف ثقفًا وثقافة، صار حاذقًا خفيفًا فطنًا، وثقَّفه تثقيفًا سوَّاه. . والثقافة مجموع المعارف والعقائد والفنون والقيم والأخلاق والقوانين والعادات التي تميّز مجموعة بشرية عن غيرها، ونظريٌة في السلوك بما يرسم طريق الحياة فإين برامج الوزارة في كل هذه الوجوه الثقافية؟

الحدث الثاني يتمثل في إعلان الأساتذة احميدة النيفر وبن عيسي الدمني ونوفل سعيد  عن تأسيس ”رابطة تونس للثقافة والتعدد“ وهي مبادرة ثقافية سياسية  تدعو الى التفاعل النقدي مع الوضع العام في البلاد وتشريك اكبر ما يمكن من الطاقات الثقافية والفكرية في بناء تونس الجديدة من منطلق الايمان بالتعدد والتنوع .ما جلب اهتمامنا بهذه المبادرة هدفيها الأساسيين المتمثلان في :

*المساهمة في تغيير نمط العلاقة التي تربط الدولة بالمجتمع والتي عمل النظام السابق على تكريسها وتأصيلها بعلاقة تستعيد مفهوما أصيلا في المنجز التاريخي الإسلامي و هو المتمثل في المسؤولية الجماعية للأمة إزاء سلطة الحاكم وتصبح الدولة من خلال أجهزتها الأداة  المثلى لإدارة الصراع السياسي الاجتماعي في كنف احترام السقف المشترك.

* فتح الحوار ضمن الفضاء الإسلامي من ناحية و الفضاء الوطني من ناحية أخرى ارتقاء بالتدافع و رعاية للنقد الذاتي المطلوب من الجميع و إثراء للخبرات المتوافرة في كلا الفضاءين وحولهما بما يضمن نجاح واستمرارية المشهد الوطني المتميز بالتعددية السياسية و التنوع المرجعي و المنهجي. هذا التحدي يطرح أولوية التسوية التاريخية التي يجب أن تتم الآن بين أبناء التيار الإسلامي الواسع بالعودة إلى ما يوحّد وطنيا بين التراث الإصلاحي والتنويري والتحريري و المقاصدي و بين أبناء التيارين العروبي والحداثي اللذين يوليان الإسلام الدور الحضاري التاريخي في بناء أمة ذات رسالة إنسانية.

نحن نشد على أيادي مؤسسي هذه الرابطة ونتمنى لها النجاح في تحقيق أهدافها و نعبّر عن سعادتنا بمختلف المحاولات التي يقوم بها المثقفون والمفكرون في مجال التأسيس لثورة ثقافية تخرجنا من حالة الاستلاب الثقافي الذي نعيش وتقطع مع الاستبداد والإقصاء سواء كان فكريا أو سياسيا وتعيد بناء الذّات على أسس صحيحة تجمع بين الأصالة والحداثة وقبول الآخر مهما كان الإختلاف .

ونختم بما ذكره الأخ محرز الدريسي في حواره مع مجلة الإصلاح  : ” إن الثورة تنتظر من المثقفيـــن أن يكونوا في مستوى المرحلة الثورية التي تميز مجتمعنا حاليا بتحمل مسؤوليتهم الثقافيــــة ولعب دور نقدي للفســــاد وشجب كل مظاهر الانحراف الكائن والممكن و والارتقاء بالذائقة الفنية والقدرات الفكرية لشعبنا، و أن يحذروا من الانزياح في أتون جاذبية السلطة أي كانت مسمياتهـــــا، فمجتمــــع بلا مثقفيــــن مجتمـــــع بلا روح وثورة بلا مثقفين ثورة بلا أفق تاريخي