الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 41

 يصدر العدد 41 من مجلّتكم «الإصلاح» في أسبوع مليء بمناسبات من شأنها التأثير على المشهد العام للبلاد بجميع جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن أهم هذه المناسبات حلول عيد الأضحى المبارك وهو أعظم عيد لدى المسلمين في جميع أصقاع الأرض وهو مرتبط بحدث آخر لا يقلّ عنه أهميّة وهو الحج إلى بيت الله الحرام تنفيذا للركن الخامس من أركان دين الله الحنيف. وبهذه المناسبة يسرّنا وأسرة تحرير المجلّة أن نتقدّم إلى القراء الأعزّاء وعائلاتهم وأقاربهم وإلى كافّة الشعب التونسي والشعوب العربية والإسلامية قاطبة بأحر التهاني وأجمل الأمنيات راجين من الله العلي القديــــر أن يجعل أيام هذا العيد أيام يمـــن وبركة خاصّة على المستضعفيـــن والفقراء والمساكين ويؤلف بين قلوب من يسكن هذه الأرض الطيّبة فيتوجّهون إلى الحوار والتوافق والتآزر وينبذون العنف والكراهية والتقاتل والخصام. إن العيد مناسبة للتوادّ والتراحم بين الناس يستغلّها الجميع (إلا من كان في قلبه مرض) للتصالح والتناصح والتنافس في عمل الخير وهي بالتالي فرصة ليجدّد المجتمع وحدته ويشحن ماكينته الاجتماعية ليتحرك المجتمع سالكا طريق العمل والبناء في تناسق وتكامل بين مختلف مكوناته وهو ما تفتقده بلادنا هذه الأيام بعد عامين ونيف من قيام ثورتها وطرد الطاغية.  

الحدث الثاني الذي نحتفل بذكراه الخمسين هو عيد الجلاء الذي تمّ تهميشه من طرف النظام السابق وأعيد له الاعتبار مؤخرا وهي ذكرى مرتبطة بتاريخ 15 أكتوبر 1963 تاريخ جلاء آخر جندي فرنسي عن التراب التونسي . إن هذا العيد مناسبة هامّة لكل التونسيين ليتذكروا أن آلافا من التونسيين أمثالهم جاؤوا من كامل تراب البلاد واستشهدوا من أجل دحر الاستعمار الغاشم . وبغض النظر عمّا قيل عن هذه الحرب وخفاياها وعن نوايا بورقيبة وأهدافه منها، فإن للحدث رمزية كبيرة لدى الشعب وخاصّة لدى قوى الثورة من الشباب التي تعتبر نفسها امتدادا لحركة التحرّر من الاستعمار فتكون هذه المناسبة فرصة ليلتفّ الجميع حول ثورتهم ويدفعونها نحو النجاح من أجل بناء دولة القانون والمؤسسات، دولة من أجلها مات الشهداء عبر محطات النضال المتنوعة. وهي أيضا فرصة للتأكيد على استقلالية القرار التونسي  من خلال تجديد مطالبة السّلط الفرنسية بالاعتراف بالجرائم والمجازر التي قام بها الاستعمار الفرنسي تجاه شعبنا العزيز وما نفذه من عمليات نهب فضيعة للثروات الوطنية خلال فترة هيمنته على الوطن.
إن من واجبنا الأخلاقــي أن نلتفت تجاه ابطـــال معركة الجـــلاء الحقيقيين وأن نكون أوفياء للغاية التي دفعتهم للشهادة على يد المستعمرين ألا وهي تحرير البلاد واستقلالها. وتكريم هؤلاء الشهداء لا يمرّ إلا عبر تحقيق مسألتين أساسيتين. تتمثل الأولى في الحفاظ على وحدة هذا الوطن وحمايته من محاولات التفتيت وإدخاله في أتون الصراعات والتناحر لتسهل السيطرة عليه والتحكم فيه وتتمثل الثانية في تكريم هؤلاء المناضلين وذلك بنفض الغبار عنهم وردّ الاعتبار إليهم ليكونوا المثل الأعلى للأجيال القادمة.
لم يعد خافيا على أحد أنّ البلاد تعيش أزمة خانقة نتيجة عدم الاستقرار السياسـي وغياب التفاهم بين مختلـــف العائلات السياسية في البلاد وهو ما أثر سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد وجعل مسار الانتقال الديمقراطي يتعثّر وأصبح مهددا أكثر من ذي قبل.
فهل ستكون هذه المناسبات مدخلا للتوافق بين التونسيين فتنتصر لغة العقل أم أن «الذين في قلوبهم مرض» سيواصلــون تعنّتهم فيتعالون عن مصلحة بلادهم من أجل مصالح حزبية وإيديولوجية ضيّقة فيدفعون البلاد إلى المجهول ويفتحون الباب على مصراعيه أمام غول العنف والتناحر الداخلي.