شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د.محسن كاديفار
 «د.محسن كاديفار» فيلسوف إيراني ومُصلح فكريّ رائد وأستاذ الدّراسات الإسلاميّة، وهو في نفس الوقت معارض سياسي ومنتقد صريح لعقيدة حكم رجال الدّين، ومدافع قويّ عن الإصلاحات الدّيمقراطيّة واللّيبراليّة، والإصلاح الهيكلي في إيران.
ولد «محسن كاديفار» في الثّامن من جويليّة 1959، بمدينة شيراز، من والدين عملا مدرّسين قبل تقاعدهما، ومؤمنين بالفكر الدّيني الإصلاحي لمحمد مصدق ومهدي بازركان، فكان لهذين الرّجلين تأثير كبير عليه .
درس في «شيراز» وتحصّل على ديبلوم في الرّياضيات، وبعد ذلك درس الهندسة الكهربائيّة في جامعة بهلوي وكان ذلك قبل سنتين من انتصار الثّورة. وفي تلك الفترة كان تحت تأثير المفكّرين الإسلاميين وعلى رأسهم مرتضى مطهّري الفيلسوف والمفكّر الشّيعي الإيراني، الذي دعا الشّباب إلى دراسة العلوم الإنسانيّة الإسلاميّة، فالتحق بعد الثّورة  بالحوزة العلميّة بمدينة شيراز ثمّ توجّه إلى مدينة «قم»، ليدرس فيها لمدّة سبع سنوات. وهناك أنهى كاديفار مرحلة السّطوح المرحلة الثّانية من بين ثلاث مراحل من الدّراسة الدّينية حسب نظام الحوزة العلميّة في المدينة التي تعتبر معقلا للدّراسات الدّينية الشّيعيّة. 
تأثر الشّاب بالفقيه الشّيعي الكبير آية اللّه حسين علي منتظري نائب المرشد الأعلى حين ذاك ، والذي كان أوّل من وجّه نقدا علميّا يراجع به صلاحيّات ولاية الفقيه قبل أن يُبعد من منصبه. نال «كاديفار» على يد منتظري إجازة الاجتهاد عام 1977م وفي نفس الوقت تابع الدّراسة الأكاديميّة الحديثة للعلوم الإسلاميّة فنال شهادة اللّيسانس في الإلهيّات والدّراسات الإسلاميّة من جامعة «تربية مدرس»، ثمّ تحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلاميّة من نفس الجامعة فرع طهران عام 1979م، وفي العام ذاته تمّ توقيف «كاديفار» وحكمت عليه المحكمة الخاصّة بعلماء الدّين بالسّجن بتهمة الإدلاء بتصريحات وكتابة مقالات اعتبرت معادية لأسس نظام ولاية الفقيه، الأمر الذي سيستمر مع الرّجل ويجعله على الدّوام مناهضا لنظام الولاية الذي يراه نظاما يمثّل رأي الأقليّة في المذهب الشّيعي. 
كان «محسن كاديفار» بارزا في المؤسّسات العلميّة، ورغم مواقفه المختلفة والمناهظة إلا أنّه تنقّل كمدرّس بين عدد من المؤسّسات والجامعات، وكان في فترة من عمله عضوا في اللّجنة العلميّة التّابعة لوزارة الإرشاد المسؤولة على فحص الكتب المعدّة للطّباعة، لكنّ الأمر بلغ منتهاه بعد ذلك فانتقل الرّجل إلى الولايات المتّحدة واستقرّ بولاية كارولاينا الشّماليّة ليدرّس في جامعة «ديوك» ويستمر في إنتاجه العلمي الغزير الذي يهتمّ بالفكر الإسلامي الكلاسيكي والحديث، مع التركيز بشكل خاصّ على الفلسفة والأخلاق الإسلامية، وعلم الكلام والفقه الشيعي، والدراسات القرآنية، والفكر السّياسي الشّيعي، والإسلام وحقوق الإنسان.
يشرح «كاديفار» أسباب معارضته لولاية الفقيه، ورؤيته لتجديد المذهب الشّيعي وتنقيته من الغلوّ والانحرافات التي علقت به. خاصّة في كتبه: «نظريّات الدّولة في الفقه الشّيعي» و«ولاية الفقيه» و«الحكومة الولائية». ويذهب إلى أنّ هناك تعدّدية بين فقهاء الشّيعة بشأن نظريّة الدّولة، تشمل 8 نظريّات عن الدّولة الإسلامية على الأقل. وفي كتابه «القراءة المنسيّة» (2011) سعى إلى إعادة قراءة فهم الإسلام الشيعي الأول وتلقّيه لأصل «الإمامة» الذي لم يكن يرى في أيمّة أهل البيت أكثر من علماء أبرار ومجتهدين أتقياء، ويقدّم قراءة تأصيليّة للتشيّع الأول ومفهوم الإمامة فيه، التي تمثّل قلب التشيّع مبيّنا أنّ التشيّع الأول كان ينظر للإمام بوصفه العالم والفقيه الذي يعلّم الناس  والعارف المرشد الذي يقود أرواحهم إلى اللّه تعالى، والمجاهد القائم لإحقاق الحقّ وإقامة القسط والعدل، قبل أن يتحوّل مفهوم الإمامة إلى مفهوم أسطوري غيبي يجعل للإمام صفات فوق بشرية ونصف إلهيّة.
وقبل الإمام آية الله الخميني، حسب كاديفار، كانت هناك شبه ازدواجيّة بين الدّولة والشّريعة، وكان فقهاء السّنة والشّيعة يعتبرون أنّ الدّولة شيء والشّريعة شيء آخر، فالشّريعة يتولاّها الفقهاء، وعلى رأس الدّولة يكون الملك أو السّلطان الأمير، وبعد ذلك جرت مراجعات على نظريّة ولاية الفقيه خاصّة من طرف الخميني الذي يعتقد -بحسب كاديفار- أنّه عيّن لولاية الفقيه بواسطة الإمام الغائب أو الرّسول، لكن تلميذه حسين علي منتظري، وهو أحد قادة الثّورة الإيرانيّة يقول بوجوب انتخابه من طرف الشّعب. والخلاف الآخر بين الخميني ومنتظري هو أنّ الأخير كان يطالب بتقييد ولاية الفقيه بالدّستور، في حين أنّ الخميني لم يقبل تقييد سلطته عن طريق الدستور، والكثير من أتباعه كانوا يرونه فوق الدستور وصانع الدستور. وينوه كاديفار في السّياق نفسه إلى أنّ الكثير من المرجعيّات الشّيعية في قم والنّجف لا يؤمنون بالولاية السّياسيّة للفقيه.
ووفق كاديفار فإنّ مصطلح ولاية الفقيه يوجد لدى السّنّة أيضا، مستندا في ذلك إلى علماء وفقهاء كتبوا عن شروط الحاكم من أبرزهم الشّيخ محمد رشيد رضا،  وأشهرهم في القرن الـ20 أبو الأعلى المودودي صاحب كتاب «الخلافة الكبرى»، وهي قريبة من ولاية الفقيه. وحسب كاديفار فإنّ جماعة الإخوان المسلمين يؤمنون في خلفيّة تفكيرهم بما هو مشابه لولاية الفقيه عند الشّيعة، ويقول إنّ سيد قطب والخميني والمودودي هم آباء الإسلام السّياسي في العصر الرّاهن ولديهم أتباع عديدون.
وتطرّق «كاديفار» في كتاباته إلى مسائل تتعلّق بالفقه الشّيعي منها فكرتا الغيبة والغلوّ، ويبرز أنّ ما يقوله الشّيعة عن الإمام هو نفسه ما يقوله المسيحيّون عن المسيح عيسى عليه السّلام. وفي كتابه «القراءة المنسيّة»
وفي كتابه «حدّ الردّة وحرّية العقيدة: نقد عقوبة الارتداد وسبّ النّبي طبقًا لموازين الفقه الاستدلالي»(2023)  ردّ كاديفار على الفتاوي المتعلّقة بحدّ الردّة، وناقش رؤيةً فقهيّة تحليليّة نقديّة لهذه المسألة، جامعًا آراء أهم الفقهاء المسلمين في الموضوع، من مختلف المذاهب الإسلاميّة فيها، وراصدًا أهم الخلافات بينهم في هذا الشّأن، وواضعًا أفكارهم على مشرحة النّقد، معتمدًا على علمِ أصول الفقه، وعلمِ الحديث درايةً، وهما علمان منهجيّان أساسيان، من أهمّ العلوم الشّرعيّة، وممّا لا يستغني عنه مجتهد وفقيه.
وفي كتابه «الإسلام الرّحماني، المعرفة الدّينية في العصر الحديث»(2022) المحظور نشره في إيران، يخاطب «كاديفار» الشّباب والمثقفين المسلمين من الذين لهم هاجس الدّين وتؤرّقهم قضايا معرفيّة دينيّة راهنة، ويرومون الحفاظ على هويّتهم الدّينيّة والمذهبيّة في العصر الحديث، ويسعون إلى عقد حوار وتفاهم بين العلوم الإسلاميّة التقليديّة والعلوم الطّبيعيّة والاجتماعيّة والإنسانيّة. ويحتوي أربع مقالات كتبها «كاديفار» حول «الأخلاق المحمّدية» و«ثمان خطوات نحو مكارم الأخلاق» و«المعرفة الدينيّة المعتدلة، مراجعة فكرية وعقائديّة لقضايا حول الدين والإسلام والقرآن» و«المعرفة المذهبيّة المعتدلة، مراجعة فكريّة لقضايا حول النبيّ والتشيّع وأيمّة أهل البيت».