خواطر

بقلم
امحمد الخوجة
عرب في حالة احتضار
 ممّا لا شكّ فيه أنّ العرب قديما كانت لهم غيرة على بعضهم، ولقد بقي ذلك شاهدا عليهم في بطون الكتب والرّوايات الشّفهيّة التي تناقلتها الأجيال وغيرها من الأدلة التي شهدت للعرب بتفانيهم في الدّفاع عن أهلهم وذويهم والقبائل التي ينتمون إليها ...
فما هو سبب نكوصهم ياترى في زمننا هذا؟ وما هو سرّ اختفاء تآزرهم فيما بينهم؟
الأسئلة كثيرة تلك التي لها علاقة بهذا الموضوع، وللإجابة نذكر بعض الأسباب فقط، منها: 
* التّحكّم العالمي في الدّول الفقيرة.
إنّ هيمنة الغالب تجعل المغلوب خاضع للإملاءات والتّوجّهات؛ كالتّدخّل في البرامج التّعليميّة، وفرض ما تراه الدّول الضّاغطة صالحا لسياساتها الخارجيّة والدّاخليّة.
ومن هنا نتج تفكير ذرّي جزئي للشّعوب؛ حيث أصبح الحاكم والمحكومون في كلّ دولة يرون أنّ المصلحة في استقرار الرّقعة الجغرافيّة التي يعيشون فوقها، ولْأكن أنا وليكن من بعدي الطّوفان، أو كما قال قائلهم: «تبتعد عن نفسي ولتسقط أنّى شاءت».
* حدود «سايس بيكو» وأثرها النّفسي على المجتمعات العربيّة: 
مسألة الحدود ألغت فكرة الاتحاد، وأخذت الشّعوب تنظر إلى ما يلحق بحدود بلدانها الجغرافيّة، سواء كان خيرا أو شرّا، ولعبت تلك الحدود دورا كبيرا في التّأثير النّفسي على الأفراد؛ فأصبح العرب يهتمّون بما له انتماء إلى بلدانهم، سواء كان دينا أو سياسة أو ثقافة، بل حتّى لباسا...
فكلّ دولة عربيّة بالغت في التّعلّق بتراثها وما له صلة بماضيها وحاضرها، فأصبحت كلّ دولة تتغنّى بليلاها؛ ممّا خلق نفورا من الثّقافات الأخرى للدّول العربيّة، على اعتبار أنّها منافسة لا شريكة متعاونة .
* العداوة الوهميّة التي يخلقها الغرب:
وهذا هو رأس الشّرّ كلّه؛ حيث تتوهّم كلّ دولة عربيّة على أنّها عدوّة لدولة أخرى ممّا يجعل التّسابق نحو إعداد العدّة، مع اقتناء الأسلحة وامتلاكها تحسّبا للدّخول في صراع ـ لا قدّر اللّه - ومن هنا تبقى كلّ دولة تخاف على نفسها، ممّا يجعل الخوف يتسرّب إلى الشّعوب؛ فينتج عن ذلك ازدراء واحتقار وشنآن، وكلّ ذلك يصبّ في صالح التّمزّق والتّشرذم .
إنّ العناوين الثّلاثة المذكورة آنفا يمكن أن تؤلّف فيها الكتب والمجلّدات، ولكنّني رأيت اختصار ما يمكن اختصاره؛ لأنّ الجرح غائر ومعروف. والواقع مكشوف ومعروف. ولكي يلتئم هذا الجرح  وجب فقط اتخاذ القرارات المناسبة.
وأكبر شاهد على ما ذكرته آنفا؛ أنّ العرب جميعا يتفرّجون ويشاهدون ما يحدث في الدّول العربيّة الأخرى، كفلسطين ولبنان وسوريّة واليمن والسودان،  دون أن يحرّكوا ساكنا، اللّهم بعض البيانات والاحتجاجات التي لا تغني ولا تسمن من جوع؛ وكأنّ الموت يعاجلهم فيجعلهم في حالة احتضار.
وعلى خلاف ذلك، رأينا قديما أنّ العرب لم تكن لهم لا حدود ولا توجّهات خارجيّة تتحكّم في سير قراراتهم الذّاتيّة، ولم يكن هناك من يفرض عليهم تلك العداوة الوهميّة بين القبائل بشكل صريح وعلني، باستثناء بعض الأفراد الذين كانوا ينقلون الأخبار والأسرار.
لذلك كانوا شجعانا إذا ما حلّ ظلام التّفرقة الحالك؛ ممّا يجعلهم يثبون وثبة رجل واحد في وجه المعتدي والظّالم.