باختصار

بقلم
عبدالقادر رالة
الصّين في القرن العشرين
 استهلّت الصّين القرن العشرين بأن تعرّضت عاصمة الإمبراطوريّة العظيمة، بكين للاحتلال سنة 1900م من طرف ثمانية دول متحالفة وهي اليابان وروسيا وبريطانيا وايطاليا وألمانيا وفرنسا والولايات المتّحدة والإمبراطوريّة النّمساوية، فأضعف ذلك من معنويات الشّعب الصّيني وأجّج نار الغضب في صدره وعقله، وازدادت كراهيّته  للأسرة الإمبراطوريّة الحاكمة المتحالفة والمستسلمة للقوى  الغربيّة الامبرياليّة.
وما هي إلاّ سنوات قليلة بعد ذلك حتّى استطاع الشّعب الصّيني أن يطيح بأسرة المانشو الملكيّة سنة 1911م، والتي حكمت الصّين ما يقارب ثلاثة قرون، وكان الزّعيم «صن يات سن» قائد تلك الثّورة.
نجحت الثّورة لكنّ البناء فشل، إذ سرعان ما دبّ الخلاف بين الصّينيين؛ خلاف تغذّيه الأحقاد والتّخلّف وتدخّل الدّول الغربيّة واليابان في شؤون الصّين، فتعرّضت البلاد لحرب أهليّة طاحنة بعد وفاة الزّعيم «صن يات سن» وتقاسم أمراء الحرب أقاليم الصّين ومقاطعاتها الواسعة، وفي تلك الظّروف المضطربة ظهرت الشّيوعيّة كمذهب منقذ للصّينيّين والاتحاد السّوفيتي كحليف يُعول عليه في النّهوض بالبلاد والتّخلّص من التّخلّف والاستعمار وتمزّق الوطن.«كان الصّينيّون ينظرون  الى الاتحاد السّوفيتي على أنّه أعظم بلاد الدّنيا تطوّراً وارتقاء ومستوى المعيشة هو أرقى مستوى في العالم»(1) وبالفعل  كان الاتحاد السّوفييتي حليف «ماو تسي تونغ» في حربه  ضدّ  الامبرياليّة اليابانيّة أو ضدّ تشان كان تشيك بعد نهاية الحرب العالميّة الثّانية والذي كان مدعوما من طرف الأمريكان واليابان والمعسكر الغربي. واعتمد «ماو تسي تونغ»  في حروبه ضد «تشان كاي تشيك» على العمال والفلاّحين في القرى والمداشر «وممّا يذكر عن ماو أنّه قلّما كان يلقي خطاباً دون أن يضمه بضع كلمات من الثّناء عن العمال ويطلق عليهم طليعة قوّات الثّورة»(2). واستطاع «ماو» باعتماده على الاتحاد السّوفيتي تسنده دول  المعسكر الشّرقي، معتمداَ على العمال والفلاحين أن يحقّق انتصارات باهرة وقويّة على قوّات تشان كاي تشيك، وهزمها نهائيّا سنة 1949م،  ودخل  في الفاتح من أكتوبر بكين معلنا قيام جمهوريّة الصّين الشّعبية، بينما فرّ «تشان كاي تشيك» الى جزيرة تايوان تحت حماية الأساطيل والطّائرات الأمريكيّة.
اعتمد «ماو»بعد قيام جمهوريّة الصّين الشّعبيّة بالكامل على الفلاّحين، نتيجة اعتقاده بعدم ملاءمة الوسائل الرّوسيّة لحالة الصّين، «وأنّ من الأفضل التّعويل على تنظيم صفوف الفلاّحين، لكثرة عددهم وسخطهم على حالهم، وأمامهم ما يكافحون لأجله»(3). بينما كانت  أدبيّات الاشتراكيّة في الاتحاد السّوفيتي والعالم الاشتراكي تعلي من شأن العامل الصّناعي في المدينة، وكان ذلك من أسباب الانشقاق الرّئيسيّة بين بكين وموسكو في الخمسينات من القرن الماضي ، بالإضافة الى رغبة بكين في  الحصول على السّلاح النّووي الخاصّ بها وليس الاعتماد فقط على السّوفيت، وهو ما تمّ بالفعل في السّتينات وبسواعد وعقول صينيّة! وفي نهاية السّتينات أعلن «ماو تسي تونغ» عن الثّورة الثّقافيّة لمحو أيّ أثر أجنبي معاصر  أو تراثي صيني من الماضي  قد يؤثّر  على الصّين المعاصرة المتحفّزة!..وكانت الثّورة  الثّقافيّة تمرّدا إيديولوجيّا وقوده الشّباب المتحمّس، لكن أثرها كان مدمّرا على الاقتصاد الصّيني والبنية التّحتية.
تُوفي «ماو تسي تونغ» سنة 1976م، وجاء بعده زعيم آخر ترك بصمة لا تمحى في تاريخ الصّين وبالأخصّ في الاقتصاد والنّهضة التّنمويّة، وهو «دونغ شياو بينغ» الذي أعلن سياسة الإصلاح والانفتاح سنة 1978م، الإصلاح الاقتصادي المدروس والإصلاح السّياسي الحذر والانفتاح على العالم، وبدأت الصّين تحقّق قفزات  اقتصاديّة مذهلة وتدفّقت عليها الاستثمارات ورؤوس الأموال من اليابان وأمريكا وأوروبا، وانتعش الاقتصاد وتكاثرت المصانع وازدادت رفاهيّة الشّعب الصّيني، وبنهاية القرن العشرين أصبحت الصّين قوّة اقتصاديّة وسياسيّة وعسكريّة مؤثّرة في العالم، وتأثيرها لا يمكن تجاهله ومكانتها لا يمكن الاستهانة بها !.. 
الهوامش
(1)  كارل اسكولند ، جولة في الصين ،ص 64
(2)  نفسه ،ص 88
(3)  نفسه ،ص 89