أهل الاختصاص
| بقلم |
![]() |
| أ.د.فوزي أحمد عبد السلام |
| الصّواريخ الباليستيّة وأشباهها ونظائرها جزء أصيل من الأعمال الصّالحة للأمّة |
ما هو السرّ وراء تسميته «باليستيًا»
ترسم قصّة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار طريق الخلاص والنّجاة إذا اشتد الكرب ونزل البلاء بالفرد، فعندما نزل الحجر العظيم على باب الغار وهم بداخله، قالوا نزل الحجر وعفا الأثر. فكيف إذا نزل بالأمّة النّوازل، فهل يكفي الدّعاء والإخلاص والتّوسّل بالرّصيد السّابق من العمل الصّالح الفردي في حال انحطاط شأن الأمّة. أغلب الظّنّ أنّ هذا لا يكفي مع أهمّيته لبناء الأسرة والتي تعتبر أساس المجتمع، إذ هناك أنواع كثيرة من العمل الصّالح التي تنتمي لفروض الكفايات التي أهملت في الأمّة، وأهمّها تحصيل العلوم الحديثة كلّها، وهذا ليس عملا فرديّا في الأساس إذ هو لبّ عمل السّلطان أو النّظام الحاكم بمصطلحات العصر الحديث. وعلى مرّ العصور كان الحكماء يقولون «عمارة البلدان عمل السّلطان»، ولا يخفى عن الجميع أنّ الحرب بين إسرائيل وإيران التي استمرت قرابة الأسبوعين كانت حرب صواريخ باليستيّة بالأساس. ولذلك سوف أتعرّض بالشّرح البسيط للصّواريخ الباليستيّة. وهي صواريخ تتبع مسارًا مقذوفيًّا في طبقات الجوّ المختلفة (باليستيًّا) معتمدًا على الجاذبيّة بعد مرحلة الدّفع الأوّليّة، وتُستخدم عادةً لحمل رؤوس حربيّة تقليديّة أو نوويّة. تتميّز بسرعتها العالية ومداها الكبير، ممّا يجعلها أسلحة استراتيجيّة مهمّة. وتأتي كلمة «باليستي» من مصطلح «Ballistics» (علم حركة المقذوفات في الهواء)، وأصل الكلمة يعود إلي اليونانيّة «ballein» بمعنى «يرمي» وعلم حركة المقذوفات هو فرع من الميكانيكا يدرس حركة الأجسام المقذوفة في الهواء أو الفضاء تحت تأثير قوى مثل الجاذبيّة والاحتكاك وغيرها. تأتي التّسمية لتعكس طبيعة حركة الصّاروخ التي تشبه حركة الأقمار الصّناعيّة، حيث يعتمد على الدّفع الأوّلي ثمّ يُترك ليتحرك تحت تأثير الجاذبيّة فقط، ممّا يجعله سريعًا وصعب الاعتراض، والفارق الرّئيس أنّ الصّاروخ الباليستي لا يتمّ دورة كاملة حول الأرض ولكن مساره يعتبر جزءا من مدار قمر صناعي منخفض.
كيف يحدّد الصّاروخ الباليستي هدفه بهذه الدّقّة؟
يعتمد الصّاروخ الباليستي في عمله على النّمذجة الرّياضيّة الدّقيقة للظّواهر الطّبيعيّة باعتبار أنّ الأرض كرويّة، والمسألة هنا هي دراسة حركة مقذوف حرّ الحركة. كلّ ذلك يُظهر بوضوح أهمّية علوم«الرّياضيّات» والفيزياء والفلك كعلوم أساسيّة وضروريّة في التّطبيقات العسكريّة والفضائيّة. يشبه الصّاروخ الباليستي إلى حدّ كبير الصّاروخ الفضائي الذي يحمل الأقمار الصّناعيّة، لكنّ الفارق يكمن في زاوية الإطلاق وسرعته. بعد انتهاء مرحلة الإطلاق وذلك عقب مرحلة دفع الصّاروخ إلى ارتفاعات عالية بسرعة هائلة، بالاعتماد على محرّكات تعمل بالوقود (صلب أو سائل)، يخرج الصّاروخ الباليستي من الغلاف الجوّي للأرض لفترة وجيزة ويصبح كأنّه قمر صناعي مؤقّت، ويدور في جزء من مدار قمر صناعي، ثمّ يسقط حرًّا نحو هدفه بسرعة تفوق 5-20 ماخ (أي أسرع من الصّوت بعدّة مرّات) وتعرف بمرحلة العودة.
ولعلّ البعض يتساءل: لماذا لا يتّجه الصّاروخ بخطّ مستقيم نحو الهدف؟ والجواب أنّ الأرض كرويّة، والسّير بخطّ مستقيم داخل الغلاف الجوي يتطلّب طاقة هائلة ويُعرّض الصّاروخ للاحتكاك مع الهواء الكثيف نسبيّا الموجود في طبقات الغلاف الجوّي القريبة من الأرض، ولذلك يُطلق الصّاروخ في مسار منحني (قوس باليستي) يمرّ خارج طبقات الغلاف الجوّي الدّنيا حيث تقلّ مقاومة الهواء، ما يجعله أكثر كفاءة من حيث السّرعة والدّقّة.
مثال تطبيقي
كمثال علي ذلك: لو أُطلق صاروخ من مدينة طهران نحو تل أبيب، فإنّ المسافة بينهما تُحسب على شكل قوس على سطح الأرض وتُقدّر بحوالي 1600 كيلومتر. للوصول إلى هذا الهدف، يجب أن تكون زاوية الإطلاق بين 37° و45°. فزاوية أقلّ تعني أنّ الصّاروخ سيسير أفقيًّا أكثر ويسقط سريعًا دون أن يقطع المسافة المطلوبة، وزاوية أعلى تعني أنّه سيرتفع كثيرًا لكنّه لن يحقّق المدى الأفقي المطلوب. ولقطع هذه المسافة، يجب أن يبلغ الصّاروخ ارتفاعًا يتراوح بين 250 و350 كيلومترًا، أي ارتفاع قريب من محطّة الفضاء الدّوليّة، ويحتاج إلى سرعة ابتدائيّة تبلغ حوالي 4 كيلومتر في الثّانية. مدّة الرّحلة تتراوح بين 8 إلى 15 دقيقة، وذلك حسب نوع الصّاروخ (أحادي، ثنائي، أو ثلاثي المراحل). في أعلى نقطة من مسار الصّاروخ، تبدأ أنظمة التّوجيه الدّقيقة بالعمل، ومنها الجيروسكوبات ومقاييس التّسارع، وفي بعض الأحيان تُستخدم كاميرات فلكيّة لتتبع النّجوم، مثل التي تُستخدم في تصوير المجرّات، من أجل تصحيح الاتجاه بدقّة شديدة. كلّ هذا يجري بدقّة حسابيّة عالية، دون حاجة إلى تحكّم بشري مباشر، خلافًا لما يتخيّله البعض بأنّ الصّاروخ يُدار بجهاز تحكّم.
منصّات الإطلاق و طرق التّحكّم
هناك أنواع كثيرة من منصّات الإطلاق، منها ما هي أرضيّة ثابتة: مثل صوامع الصّواريخ العابرة للقارات ICBM. ومنها منصّات أرضيّة متنقّلة، مثل الشّاحنات أو القاطرات (مثل إسكندر الرّوسي). وهناك أيضا منصّات بحريّة، مثل الغوّاصات المزوّدة بصواريخ باليستيّة SLBM. بل هناك أيضا منصّات جويّة، وهي نادرة، لكن بعض الدّول تطوّر صواريخ باليستيّة تطلق من الطّائرات. ويتمّ توجيه الصاروخ إمّا بالقصور الذّاتي(INS)الذي يعتمد على أجهزة استشعار الحركة والجيروسكوبات. والتّوجيه بالأقمار الصّناعيّة (GPS) لزيادة الدّقّة (في بعض الصّواريخ الحديثة). والتّوجيه بالرّادار النّشط/المنظومة البصريّة في مرحلة الدّخول الجوّي لضرب أهداف محدّدة بدقّة.
أنظمة الدّفاع الجوّي والقبّة الحديديّة
أمّا أنظمة الدّفاع الجوّي، فهي تعتمد على مراحل اعتراض: في المرحلة الوسطى من الطّيران (بين 150 إلى 400 كم)، تُستخـدم أنظمـة مثـل THAAD الأمريكـي وAegis BMD، التي تعترض الأهداف في الفضاء القريب، وأمّا في المرحلة الأخيرة، حين يدخل الصّاروخ الغلاف الجوي، تُستخدم أنظمة مثل Patriot PAC-3 الأمريكي و-400 الرّوسي، القادر على التّعامل مع أهداف على ارتفاعات تصل إلى 30 كم. وعند اعتراض هذه الصّواريخ في الغلاف الجوّي أو الفضاء القريب، تحدث تفجيرات عالية تُرى من أماكن بعيدة، ويظهر في السّماء توهّج بألوان مختلفة، منها البرتقالي والأحمر والأبيض السّاطع، بسبب احتراق المعادن وانفجار الوقود على ارتفاعات شاهقة، تصل إلى حدود الفضاء، ما يجعل المشهد مرئيّاً حتّى لمناطق تبعد مئات الكيلومترات عن نقطة الاعتراض.
القبّة الحديديّة هي نظام دفاع جوي إسرائيلي متنقل، تم تطويره بواسطة شركة رافائيل لأنظمة الدّفاع المتقدمة وصناعات الفضاء الإسرائيليّة. تمّ تصميمه لاعتراض الصّواريخ قصيرة المدى وقذائف المدفعية التي تطلق من مسافات تتراوح بين 4 و 70 كيلومترا وتدميرها. توجد بطاريّات القبّة الحديديّة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. كلّ واحدة لديها ثلاث أو أربع قاذفات تحتوي كلّ منها على 20 صاروخا اعتراضيّا. كما تمّ تصميم أنظمة مثل David›s Sling مقلاع داوود والسّهم 2،3 Arrow لتدمير الصّواريخ طويلة المدى وصواريخ كروز والصّواريخ الباليستيّة متوسّطة المدى أو طويلة المدى من مسافة تصل إلى 300 – 500 كم تمّ تطويره بشكل مشترك من قبل شركة «رافائيل» وشركة «رايثيون الأمريكية» ، وبدأ العمل في عام 2017. تسير صواريخها بسرعة تصل إلى تسعة أضعاف سرعة الصّوت، ويمكنها إطلاق ما يصل إلى 14 هدفا في وقت واحد.
المقارنة بين التّرسانة الإيرانيّة والإسرائيليّة
يمتلك الكيان الصّهيوني ترسانة صواريخ باليستيّة متطوّرة، مع تركيز على الرّدع النّووي عبر صواريخ جيريكو 2 ، 3 الذي يصل مداه إلى ما يقرب من 6500 كم. تعتمد هذه الصّواريخ على الدّقّة العالية والقدرة على الضّربة الثّانية (عبر الغوّاصات). يعتبر الكيان من أقوى القوى الصّاروخيّة في المنطقة، متفوّقة على الصّواريخ الإيرانيّة خرمشهر- 4 التي يصل مداها إلى 3000 كم. تمتلك إيران واحدة من أكبر ترسانات الصّواريخ الباليستيّة تنوعًا في الشّرق الأوسط، حيث طوّرت برنامجًا صاروخيًّا متقدّمًا يعتمد على تصاميم محلّية وتكنولوجيا مستوردة (خاصّة من كوريا الشّماليّة وروسيا والصّين). من هذه الصّواريخ ما يصل مداه إلى أكثر من 2000 كم، مثل «شهاب- 3» و«سجّيل»، اللّذين يُعدّان استراتيجيين، ويُستخدمان في الرّدع بعيد المدى. وصاروخ «خرمشهر» الذي يتميّز بقدرته على حمل رؤوس حربيّة ثقيلة تصل إلى ما يقرب من 2 طن بالإضافة إلى قدرته العالية على المناورة، أمّا الصّواريخ مثل «ذو الفقار» و«دزفول»، فهي تكتيكيّة بمدى متوسط، وتُستخدم في ضرب الأهداف ضمن الإقليم. ويُعد «فاتح- 110» من أكثر الصّواريخ دقّة، ويُستخدم في الضّربات الميدانيّة. لكن إجمالا معظم الصّواريخ الإيرانية ليست دقيقة جدًّا (عدّة مئات من الأمتار)، ممّا يجعلها مناسبة للهجمات على أهداف كبيرة (قواعد عسكريّة، مدن).
|




