بهدوء

بقلم
د.ناجي حجلاوي
حادثة الإفك من القصّة التّراثيّة إلى التّأويل الاستشراقي(7) «سورة النّور وأبعادها»
  إذا تقرّر لدى الدّارسين أنّ سورة النّور هي من أوائل السّور الّتي نزلت في المدينة، فإنّ هذا المعنى يرسم الإطار العامّ الّذي يُيسّر فهم القضيّة لأنّ المسلمين كانوا أقلّية مستضعفة. وكان المشركون كُثْرًا يضطهدونهم حتّى بعد إخراجهم من مكّة. وانظر إلى هذه الآيات كيف تعدُ المؤمنين بالتّمكين في الأرض وإبدال خوفهم أمنا:﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(النور:55). ويتدعّم هذا المعنى في سورة الأنفال في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الأنفال:26).
واللاّفت في الأمر، أنّ المهاجرين لمّا قدموا إلى المدينة وجدوا نسيجها الاجتماعي غير متجانس عماده قبيلتان متنازعتان: الأوس والخزرج، وطائفة يهوديّة منقسمة على نفسها مشكلّة من بني قريضة وبني قيْنقاع وبني النّضير. وكان عبد اللّه بن أُبيْ يُمنّي نفسه بالولاية على المدينة. «وفي المجتمع المدني الّذي وقعت فيه، «حادثة الإفك»، كان من أكابر المجرمين فيه: عبد اللّه بن أُبَيْ بن سلول، الّذي كان في يثرب، قبل مقدم النّبي ﷺَ، إليها كبيرا مطاعا شريفا مقدّما، حتّى اتّفق أهلها على أن يُمّلكوه عليهم»(1). 
وقد ورد في تفسير ابن كثير أنّ أُسيدا بن الحضير قال للنّبي في شأن ابن أُبيْ لما قال: «ليخرجنّ الأعز منها الأذل. ارفق به يا رسول اللّه، فواللّه لقد جاء اللّه بك وإنّا لننظّم له الخرز لنتوّجه، فإنّه ليرى أنّ قد استلبته ملكا»(2). 
وبالإضافة إلى الأطماع السّياسية الّتي تبخّرت، تجدر الإشارة إلى أنّ معدن عبد اللّه بن أُبيْ يتجلّى في وضاعة امتهانه لتجارة البغاء، فقد  ذُكر أنّه عندما دخل الإسلام المدينة كان لعبد اللّه بن أُبيْ ستّ جوار مُعاذة ومُسيكة وأميمة وعَمرة وأروى وقتيلة، يُكرههن على البغاء وضرب عليهنّ الضّرائب، فشكت اثنتان منهنّ إلى رسول اللّه ﷺَ،  فنزل قوله تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(النّور:33). وقد رُوي أنه أسر رجلا فراود الأسير جارية له. وكانت الجارية قد أسلمت فامتنعت لإسلامها. وأكرهها ابن أُبيْ على ذلك رجاء أن تحمل من الأسير فيطلب فداء ولده(3). وقد ورد في التّحرير والتّنوير أنّ عبد الله بن أُبَيّ كان قد أعدّ معاذة لإكرام ضيوفه فإذا نزل عليه ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الكرامة له. فأقبلت معاذة إلى أبي بكر فشكت ذلك إليه، فذكر أبو بكر ذلك للنّبي ﷺَ، فأمر النّبي أبا بكر بقبضها. فصاح عبد اللّه بن أُبَيّ: مَنْ يعذِرنا من محمّد يغلبنا على مماليكنا. فأنزل اللّه هذه الآية، وذلك قبل أن يتظاهر عبد اللّه بن أُبَيّ بالإسلام. 
وجميع هذه الآثار متضافرة على التّدليل بأنّ هذه الآية كان بها تحريم البغاء على المسلمين والمسلمات المالكات أمر أنفسهن(4). وفي هذا الإطار يتنزّل قول عباس محمود العقاد من أنّه ليس من طبقة الرّؤساء المتورّعين المُترفّعين، ولم يكن له من أخلاقه ما يعصمه أن يكذب وأن ينافق وأن يُداهن، وأن يصطنع الوشاية ويَلغَ في الأعراض، لأنّه كان مطبوعا على النّفاق، مشهورا به بين أصحابه وخصومه على السّواء(5).
 إنّ كلّ هذه العوامل كافلة بأن يمتلئ قلب عبد اللّه بن أُبيْ غيضا وبغضا وكراهيّة للنّبي وللإسلام، فكان قدوم عائشة مع صفوان بن المعطل، على افتراض صحّة الخبر، فرصة ذهبيّة أمامه لكيْ يبثّ سمومه بين الصّحابة، فقد صرّح بقوله: «والله ما نجت منه ولا نجا منها، امرأة  نبيكم باتت مع رجل حتّى أصبحت، فَجَر بها وربّ الكعبة»(6). 
وفي حقيقة الأمر، لقد تشكّل معطى اجتماعي  جديد، تمثّل في قدوم المهاجرين ومشاركتهم إخوانهم الأنصار في المكان وفي ظروف العيش. وعليه تبلور كيّان سياسي جديد بزعامة النّبي محمّد ﷺَ، الأمر الّذي أربك مصالح الأثرياء والكبراء، زد على اختلاف الطّبائع الإنسانيّة والعادات الاجتماعيّة بمقتضى التّجارة والحجّ، وما يستتبعهما من علاقات منفتحة لدى الرّجال، فنساء مكّة كُنّ خاضعات لسلطة الرّجال، في حين أنّ نساء المدينة كُنَّ يشاركن الرّجال السّلطة العائليّة، ما تسبّب في صدمة لدى رجال مكّة(7).
إنّ العامل الأساسي في المستوى الاجتماعي الّذي صاحب عمليّة الهجرة يتمثّل في أنّ بعض النّساء هاجرن دون أزواجهن لأنّهن فضّلْن الدّين الجديد. وكثير من الرّجال هاجروا مع النّبي دون زوجاتهم للسّبب ذاته. وكانت الخصاصة بادية على المهاجرين الّذين نجوْا بأنفسهم من اضطهاد الكفّار والمشركين، فقد تركوا أموالهم وأنعامهم ونعيمهم في مكّة. وعليه كانت حادثة الهجرة عامل إرباك في البناء الاجتماعي في المدينة فأهلها كانوا طرائق قددا. منهم الصّالحون الّذين يُؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة. ومنهم الفقراء. ومنهم الأغنياء. ومنهم المنافقون. وهكذا كانت المهاجرات الفقيرات محلّ تصدّق من بعض الأغنياء. ولربّما ارتادت بعض نساء الأنصار محلاّ يسكنه المهاجرون. وهو مجال خصب لأهل الألسن أن يلوكوا أعراض النّاس. وهو ما جرى فعلا حيث شاعت الأكاذيب وذاعت الإشاعات بشكل جماعي وهي ليست خاصّة بفرد محدّد. 
فالمسألة، حينئذ، عليقة بظاهرة اجتماعيّة. ولها اتّصال بفلسفة التّشريع الّتي أراد اللّه أن تنتظم وفقها العلاقات الاجتماعيّة المترتّبة عن لقاء المهاجرين بالأنصار في نسيج اجتماعي سياسي لم يكن معهودا من قبل. لذلك تضمنّت سورة النّور جزاء الّذين يزنون: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ  وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(النّور:2). كما تضمّنت هذه السّورة التّشديد الصّريح على ضرورة التّثبّت في اتّهام النّاس في أعراضهم. وذلك بادٍ في وجوب الشهادة من أربعة أشخاص لاحظوا الجريمة بالإضافة إلى شهادة المدعّي الّذي هو الزوج أو الزوجة. وبعد ذلك تتطرّق السّورة إلى أثر الشائعات الفظيع في تدمير الأسر والمجتمعات مع التّأكيد على إطلاقية الحكم ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم  بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ  لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(النّور:11).
إنّ الخيريّة البادية في هذه الإشاعات تتجلّى في كوْنها كانت سببا في إنزال الوحي للبتّ فيها مرّة واحدة لأنّ البناء الاجتماعي إذا لم يُبْنَ من البداية على أسس سليمة، فإنّ المضاعفات السّلبيّة ستظلّ مستمرة مع الأجيال المتلاحقة. فالقرآن حريص على بناء الأسرة الّتي تحمي عرضها وسمعتها وأن تنهض على دعائم وأسس قويمة وعلى قواعد أخلاقيّة متينة. والهدف الأسمى من ذلك هو تماسك المجتمع الّذي تنْبني أسسه على صلاح ورقيّ حتّى لا ينهار ويندثر. إنّ الّذين كانوا يعتبرون المهاجرين أصحاب حاجة وخصاصة وعاملهم على هذا الأساس وجّههم القرآن إلى الّتي هي أقوم. والّذين طالت  إساءتهم كعُصبة الإفك والكذب، لإخوانهم، لمّا أعلنوا وقرّروا كف الماعون وجّههم اللّه أيضا إلى الّتي هي أحسن ودعاهم إلى مواصلة مدّهم بالمعروف، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا  أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ  وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾(النّور:22) . 
ولا أدلّ على ظهور الإفك في حادثة الإفك من أنّ القرآن يتكلّم بوضوح على أنّ الاتّهام طال مجموعة من النّساء وليست واحدة. وهن المحصنات الغافلات، قال الله تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(النّور:23). ولمّا كانت المسألة عامّة وذات بعد اجتماعي، كانت المعالجة عامّة متعلّقة بالجماعة. ومصداق ذلك الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(النّور:19) .
والحاصل أنّ المعالجة متّجهة إلى قضايا الاجتماع، فالأقوال الطّيبة لا تصدر إلاّ عن أناس طيبيّن رجالا ونساء. والأقوال الخبيثة لا تصدر إلاّ عن أناس خبيثين ذكورا وإناثا، يقول تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ  وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ  لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾(النّور:26). وتتواصل المعالجة للأوضاع الاجتماعيّة دفعا لكلّ شبهة ومساءلة. ولذلك تضمّنت السّورة تفصيلا لآداب الاستئذان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا  ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُـمْ تَذَكَّرُونَ﴾(النّور:27). ومن ثمّ تتوطّد العلاقـات السّويـة بين الأفراد بمقتضى الاستئناس والتّسليـم على  أهل المنــزل. وكذلك آداب الأكـل. والملاحظ أنّ هذه الآداب والقيم والأخلاق هي الّتي جعلت من سورة النّور السّورة الوحيدة المفروضة لأنّهـا جاءت، بصفـة محـدّدة، بما سيشيع نور الوضوح والصّراحة والاطمئنان الّذي يشيـع بين أفراد المجتمع الواحد وما ينجـر عن ذلك من انسجام وتكامل وتعاون.
يشير أحمد صبحي منصور إلى أنّ السّبب المباشر الّذي حدا بابن إسحق أن يحبك نسيج هذه الفِرْية وينسبها إلى عائشة هو أنّه ألفّ السّيرة النّبويّة إرضاء للسّلطة العبّاسية. وقد كانت استجابة لأمر الخليفة المهدي بن جعفر المنصور. فجنح إلى إخراج صورة النّبي ﷺَ على هيأة الخليفة العباسي يأخذ السّبي ويقتل الأسرى ويستعين بالعصابات الّتي تفتك بالمعارضين والمتمرّدين الثّائرين. وقد كان ذلك استثمارا للكراهيّة الّتي كانت قائمة بين بني العباس وعائشة زوج النّبي بمعيّة عبد اللّه بن الزبير ابن أختها(8)عوْدا على أنّ الزبير بن العوّام وطلحة بن عبيد اللّه وعائشة هم الّذين نقضوا العهد مع علي بن أبي طالب وتمردوا على سلطته في موقعة الجمل(9). وإلى عبد اللّه بن الزبير حين حرّض الحُسيْن على التّمرّد ضدّ بني أميّة. وقد كان موقف ابن عباس من تمرّد الحُسيْن معارضا. ثمّ إنّ عبد اللّه بن الزّبير لمّا خرج على خلافة عبد الملك بن مروان ونسب لنفسه الخلافة. وقد كان مستوليا على الحجاز ومصر والعراق أراد أن يحرق ابن عباس ومحمّد بن الحنفيّة على رأس جبل لامتناعهما عن مبايعته لولا تدخّل مختار بن عبيْدة الثّقفي بالنّجدة(10). فلا غرو، حينئذ، في أن يُقدّم ابن إسحق عائشة في صورة غير لائقة تودّدا لبني العباس استثمارا للثّأر القائم بين عائشة وابن أختها من جهة، وبني هاشم من جهة أخرى. 
وإذ تفتح الرّوايات الباب مشرعا أمام الإشاعات المغرضة للإساءة إلى النّبي ﷺَ وزوجه، فإنّ بعض الدّارسين رغم قبولهم بالأخبار والآثار والرّوايات باسم السّنة،  يشعر بالحرج فيصرح بأنّ بيت النّبوءة أبعد ما يكون عن هذا المستوى وهو ما يوقع في التّناقض، يقول أمير بن محمّد المدري: «وحاشا للّه أن يدور من حول البيت النّبوي مثل هذا الرّيب»(11). ويبدو أنّ المعالجة المُجدية لمثل هذه الوقائع تتجلّى في مزيد التّمحيص لهذه المرويّات المُنفعلة بالسّياق الاجتماعي والسّياسي والمذهبي وعرضها على النّص القرآني الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديْه ولا من خلفه.
يخلص الدّارس من وراء هذه الحادثة إلى ضرورة التّعريج على منهج في التّعامل مع النّص القرآني كيْ يتُمّ إنتاج ضرب من المعرفة جديد، إذ لا يستقيم الحديث عن نهضة ثقافيّة جديدة بوعي قديم. وبناء على ذلك تحسن العودة إلى منعرج خطير في حياة المسلمين، كان له كبير الأثر في توجيه الثّقافة توجيها مخصوصا حيث تترسّخ غلبة السياسي على الدّيني وهو ما يُعرف بحادثة التّحكيم. 
وهو ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة.
الهوامش
(1) أمير بن محمّد المدري، حادثة الإفك: دروس وعبر، م ن، ص57.
(2) إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج4، م ن،  ص128. وانظر إبراهيم علي سالم، النفاق والمنافقون في عهد رسـول الله ﷺَ،  م ن ، ص30. 
(3) إبراهيم علي سالم، النفاق والمنافقون في عهد رسول الله ﷺَ، م ن، ص 40.
(4) محمّد الطاهر ابن عاشور، تفسير التّحرير والتّنوير، ج 18، الدّار التّونسية للنّشر، تونس، ط1، سنة 1973، ص 223.
(5)  عباس محمود العقاد، الصّديقة بنت الصّديق، م ن، ص54.
(6)  الطبراني، المعجم الكبير، ج 23،  تحقيق حمدي عبد المجيد السّلفي،  دار ابن تيمية، القاهرة، مصر،  ط2، د ت، ص124.
(7)  ليلى عبد الوهاب، علم الاجتماع العائلي،  مقال منشور بمجلة الوحدة، الرباط، المغرب،  سنة 1985، ص ص56-141.
(8) أحمد صبحي منصور:  amir@ahl-alquran.com
(9) سيف بن عمر الضبي الأسدي، الفتنة ووقعة الجمل، م ن، ص106 وما بعدها.
(10) انظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، م ن، وبالتّحديد ترجمة محمّد بن الحنفية، ص 100.
(11) أمير بن محمّد المدري، حادثة الإفك: دروس وعبر، م ن، ص66.