باختصار
بقلم |
![]() |
عبدالقادر رالة |
روجيه غارودي بين عالمين. |
يُعتبر روجيه غارودي (1913 ـ 2012)- والمعروف أيضا برجاء غارودي- من المفكّرين الفرنسيّين الكبار، وهو رجل سياسي كان ينتمي الى الحزب الشّيوعي الفرنسي.
اشتهر في بلده فرنسا، وفي العالم بكتاباته الغزيرة المتنوعة التي جعلت منه ألمع الكتّاب الفرنسيّين... كتب حول الشّيوعيّة والصّين والهند وحوار الحضارات، والسّلام العالمي، وأوروبا ما بعد الحرب العالميّة الثّانية...وكان في كتاباته يُعلي من قيم التّسامح والعدالة الاجتماعيّة ...
سعى غارودي من خلال رحلته الفكريّة التي امتدّت الى أكثر من خمسين سنة الى كشف الحقيقة؛ وانتهت به هذه الرّحلة الى اعتناق الإسلام سنة 1982م، ليتحوّل الى أكبر العاشقين للحضارة العربيّة الإسلاميّة والمدافعين عنها ... وبسبب نقده العنيف والمستمر للاتحاد السّوفيتي طُرد من الحزب الشّيوعي الفرنسي في بداية السّبعينات... وكان ذلك النّقد عن دراسة ومعاينة ميدانيّة، إذ ما « فتيء غارودي منذ عام 1956 يجري حوارًا فكريًّا مع الماركسيّة الجامدة التي تحجّرت في قوالب بعينيها منعتها من الاستجابة لروح العصر، ولذلك نجده في ذلك العام نفسه يمتنع عن إعادة نشر رسالته للدكتوراه وهي «النظريّة المادّية في المعرفة»، ويتّجه نحو البحث عن ماركسيّة حيّة متفتّحة ذات طابع إنساني»(1).
وحول الشّيوعيّة ، فطالما كان غارودي «يعلّق بمرارة ساخرة : هؤلاء الثّوريّون المزيّفون الذين حاولوا تغيير كلّ شيء ماعدا أنفسهم ...»(2).
أمّا عن الحضارة الغربيّة فإنّ ما يرفضه فيها غارودي هو مركزيّتها إذ ترفض «الحضارة والثّقافة الغربيّة التّعامل والتّعايش مع غيرها من الحضارات، وهذا الرّفض يصل أحيانا الى حدّ تشويه الحضارات المختلفة والى إنكار وجودها»(3).
أما العلم، في نظر روجيه غارودي، «في هذه الحضارة هو علم للعلم وفنّ للفنّ وحياة لمجرّد الحياة بلا معنى أو حكمة، وكلّ حادثة تفسّر بالقياس الى المفاهيم السّائدة بعد تفريغها من معاني الجمال والحبّ والإيمان»(4).
و«لقد حاول غارودي دراسة الإسلام باعتباره قوّة حيّة ليس لتقديرات ماضيه، ولكن لما يحمله اليوم من ابتكارات للمستقبل»(5).
« بهذا الوضوح المبهر وبهذا المستوى العالي من الفهم يرى غارودي الإسلام من الشّاطئ الآخر من البحر..وهو يرى فيه دين المستقبل ونظام المستقبل، ويرى فيه طوق النّجاة للعالم»(6).
كما يُعتبر روجيه غارودي من أشدّ المنتقدين للصهيونيّة العالميّة ودولة الاحتلال الصّهيوني وأحلامها التّوسعيّة وحروبها الدّمويّة في فلسطين ولبنان، وله في ذلك عدّة كتب تُدافع عن الحقّ العربي في فلسطين وتنتقد همجيّة الاحتلال سبّبت له المتاعب والمصائب بسبب تنفّذ اللّوبي اليهودي وسيطرته في فرنسا، من بين هذه الكتب نذكر «غارودي يقاضي الصهيونية الإسرائيلية» وهو كتاب أثار عاصفة من الاحتجاجات التي زادت من الحصار على غارودي باعتباره «فيلسوف المحرقة»، وهو الذي أكّد أنّه وضع المحرقة (الهولوكوست) في صورتها الحقيقية.
الهوامش
(1) روجيه غارودي ، لماذا أسلمت ؟، نصف قرن من البحث عن الحقيقة، دراسة أعدّها محمد عثمان الخشت ، مكتبة القرآن ،د.ت ، ص 35-36
(2) مصطفى محمود، نهاية حضارة، دار المجدد، الجزائر، ط2017، ص 10
(3) محمد طماش ، عظماء ومفكرون يعتنقون الإسلام ، دار المحبة ، دمشق ، ط2002،ص 64
(4) مصطفى محمود، نهاية حضارة ، ص 12
(5) روجيه غارودي ، لماذا أسلمت ؟ مصدر سابق، ص 83
(6) مصطفى محمود، نهاية حضارة، ص 17
|