قبل الوداع
بقلم |
![]() |
علي عبيد |
لماذا نلزم أنفسنا بتصنيفات الغرب؟ |
كنت ولا زلت أعتقد جازما أنّ «طوفان الأقصى» وما حدث من بعده سيكون له تأثير بالغ الأهمّية على المنطقة العربيّة عامّة ومنطقة الشّرق الأوسط خاصّة، ذلك أنّ نجاح المقاومة الفلسطينيّة في كسر العديد من السّرديّات القائمة على مسلمات تصبّ كلّها لصالح المشروع الصّهيوني الإستكباري العالمي بعث من جديد روح المقاومة في الشّعوب العربيّة المقهورة، وهو ما أعطى دفعا جديدا للثّوار السّوريّين الذين تمكّنوا من الإجهاز على نظام حكم الأسد(1) في ظرف وجيز أبهر المتابعين والسّياسيين في العالم أجمع، فلم يكن أحد يتوقّع انهيار نظام الأسد بتلك السّهولة والسّرعة.
انتصرت الثّورة السّوريّة أخيرا على الطّاغية بشار الأسد وأعوانه الظّالمين وداعميه المحلّيين والإقليميين والدّوليين الحاقدين والطّامعين، ورغم عسر ولادة هذه الثّورة المباركة حيث امتدّ مخاض ولادتها أكثر من ثلاث عشرة سنة (2)، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل مع هذا العسر يسرا، فيسّر هروب المجرمين إلى خارج الحدود السّوريّة، ويسّر إقامة مجلس الحكم الجديد، فحُقنت كثيرٌ من الدّماء، ويسّر إقناع المؤيّدين لبشار وأعوانه بأنّه لا فائدة من الإصرار على تأييده بحجّة أنّه يمثّل إحدى قوى الممانعة وهو مناصر للمقاومين ومحاربا شرسا للإرهاب، فقد تبيّن للجميع أن هذه الثّورة إنّما هي ثورة ضدّ الظّلم والاستبداد والمطالبة بنشر العدل والسّلم والحرّية.
وفي الوقت الذي نعبّر فيه عن فرحتنا بهذا الإنجاز الثّوري ونعتبره علامة نجاح ونسأل اللّه أن يجعله منبّها لسائر شعوب الدّول العربيّة والإسلاميّة وقادتها ومحفّزا لهم على السّير في طريق وحدة الأمّة لتحقيق نهضتها وعزّتها وانتصارها على أعدائها، يفاجئنا بعض ممّن يشاركنا العروبة والإسلام من سياسيين ومفكّرين ومحلّلين بمواقف غريبة وعجيبة انطلاقا من مسلّمات خاطئة تنتهي إلى استنتاجات يغلب عليها التّشاؤم وعدم الثّقة بقادة هذه الثّورة وما يمكن أن ينجزوه لفائدة شعبهم وأمّتهم، وأخطر هذه المسلّمات هي فرضيّة انتماء القادة الجدد إلى حركة إرهابيّة صنّفها الغرب ضمن قائمة الإرهاب مثلما صنّف حركات المقاومة الفلسطينيّة التي حملت لواء الانتصار لحقّ الشّعب الفلسطيني في تحرير أرضه، في حين يعتبر الكيان الصّهيوني الذي يقوم بإبادة جماعيّة في العلن مدافعا عن نفسه، فيجد كلّ الدعم المادّي والمعنوي.
إنّه من المؤسف حقّا أن يتماها جزء من نخب الأمّة العربيّة الإسلاميّة مع تصنيفات أعدائها ويتبنّونها كمسلّمات بل ويدافعون عنها، وهم يعلمون جيّدا أنّها صادرة عن جهات تعمل جاهدة على الهيمنة على دول المنطقة العربيّة ومقدّرات شعوبها وتبيح لنفسها حقّ الإبادة واستعباد غيرها. أليس من الأجدر أن نعبّر على الأقل عن سعادتنا بنجاح الشّعب السّوري في استرجاع حرّيته بعد معاناة تجاوزت نصف قرن؟ ولماذا لا نبارك الالتحام البارز للعيان بين المواطنين السّوريين مع القيادة الجديدة التي وعدت شعبها بالقطع مع الماضي بما فيه من ظلم واستبداد وقهر وجهل وفتح باب الأمل في مستقبل مشرق قوامه العدل والأخوّة والمساواة؟
إنّ الحكم على الثّورة السّوريّة بالنّجاح يقُاس بمدى إلتزام القادة الجدد بما صرّحوا به في العلن أمام النّاس وبما وعدوا به شعبهم. فلننتظر قليلا وندعو لأشقائنا في سوريا بالنّجاح والتّوفيق، والتّغلّب على التّحديات والصّعوبات الدّاخليّة والمؤامرات الخارجيّة، فالأمر ليس هيّنا بالمرّة، والانتكاسة -لا قدر الله -ممكنة وقد تحدث في أيّة لحظة نتيجة لعوامل داخليّة وخارجيّة عدّة يطول شرحها.
|