شذرات

بقلم
د.محمد عمر الفقيه
دلالة كلمة ( السّنة) بين المفهوم والمصطلح
 هناك فارق كبير بين السّنة كمصطلح وبين السّنة كمفهوم في الدّلالة القرآنيّة، فمعظم المختصّين في علوم الشّريعة لا يفرّقون بين المصطلح والمفهوم، فكلمة السّنة وردت في كتاب اللّه ثمان مرّات ( الحجر13  الإسراء 77، الكهف 55، الأحزاب 38 ، الأحقاف 15، الفتح 23، فاطر 43، غافر 85)  فلو تتبعناها لعرفنا أنّ استعمال القرآن الكريم لكلمة السّنّة يختلف تماما عن استخدام هذه الكلمة عند أهل الاصطلاح ، فقد وردت السّنة في القرآن الكريم لتدلّ على الطّريقة والمنهج والسّيرة والعادة ، فالسّنة هي سنّة اللّه وهي القوانين التي وضعها اللّه من أجل خلق الطّبيعة والحفاظ عليها وتنظيم الحياة الاجتماعيّة، وهي طريقة اللّه في التّعامل مع الأمم.
ومن الآيات الدّالة على ذلك قوله تعالى :
1_ ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾(1) 
2_ ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا . اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾(2)
3_ ﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا﴾(3)
4_﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾(4)
5_﴿ فلمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادهِ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾(5)
6_ ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ، وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ﴾(6)
وكذلك وردت كلمة السّنّة في الرّوايات المنسوبة للنّبي ﷺ لتدلّ على الطّريقة والمنهج كقوله ﷺ : «من رغب عن سنّتي فليس منّي». وأينما وردت كلمة السّنة في الرّوايات المنسوبة للنّبي جاءت بهذا المعنى، وبالتّالي نجد توافقًا وانسجامًا تامّين بين مفهوم السّنة في كتاب اللّه وبين مفهوم السّنة في الرّوايات المنسوبة للنّبي ﷺ .
بينما أخذت السّنّة في الاصطلاح اتجاها آخر، فقد اصطلح الأصوليّون على تعريفها بأنّها كلّ ما ورد عن النّبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة ..... 
ومن الملاحظ أنّه لا علاقة بين دلالة المصطلح ودلالة المفهوم القرآني لكلمة السّنّة، ومن المؤسف أنّه تمّ إسقاط الدّلالة الاصطلاحيّة على كتاب اللّه، علما بأنّ الدّلالة الاصطلاحيّة لكلمة السّنّة ليس لها أصل في كتاب اللّه، والمتتبّع لكثير من المفاهيم الاصطلاحيّة المتعلّقة بالفقه والسّنّة والعقيدة والدّراسات القرآنيّة يجد بسهولة أنّها أخذت دلالاتها من خارج النّصّ القرآني، ومع ذلك تمّ إسقاطها على كتاب اللّه وأُلبست لباسا شرعيّا ليس لها .
ألم يَئِنْ الأوان لأن نحرّر هذه المفاهيم في ضوء القرآن الكريم وننفض عنها غبار الدّلالات الاصطلاحيّة التي لا تمتّ الى كتاب اللّه بصلة ؟.
الهوامش
(1) سورة آل عمران - الآية 137
(2) سورة فاطر - الآيتان 42 و43
(3) سورة الإسراء - الآيتان 76 و77
(4) سورة الفتح - الآيتان 22 و23 
(5) سورة غافر - الآيتان 84 و85
(6) سورة الأنفال - الآية 38