الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 184
 يصدر العدد 184 من مجلّة الإصلاح قبل أيّام من انطلاق بطولة كأس العالم لكرة القدم التي ستحتضنها قطر. وقد يستغرب البعض من تخصيص افتتاحيّة العدد للحديث عن هذا الحدث في الوقت الذي تعتبر فيه لعبة كرة القدم عند الكثير مضيعة للوقت وأفيونا يستعمله الحكّام لإلهاء النّاس عن همومهم ومشاكلهم التي يعيشون. فما علاقة شعار الإصلاح الذي ترفعه المجلّة بلعبة كرة القدم، وبالذّات حدث كأس العالم؟
لم تعد كرة القدم مجرّد هواية ولعبة للتّسلية أوالتّنافس، بل أصبحت سوقا تجاريّة وماليّة مهمّة ووسيلة للتّأثير في الرّأي العام العالمي وتوجيهه وبالتّالي مجالا للصّراع السّياسي والثّقافي والاقتصادي خاصّة بعد الثّورة التّكنولوجيّة العظيمة في مجال الإعلام والاتصالات.
اقتصاديّا، يتمّ استغلال كرة القدم (وخاصّة اللاعبين الذين يمثّلون قوّة ناعمة من شأنها التّأثير في الجماهير) لنشر القيم الاستهلاكيّة في المجتمعات لتصبح جزءًا من الدّورة الاقتصاديّة، حيث تعدّ مباريات كرة القدم أرضًا خصبة للدّعاية والإشهار وملاذَا للمعلنين نظرًا لشعبيتها وانتشارها وقدرتها على تسويق المنتجات وخلق أنماط استهلاكيّة جديدة. 
أمّا سياسيّا، فقد أضحت تظاهرات كأس العالم أداة لإثبات المكانة الإقليميّة والدّوليّة بالنّسبة للبلد المستضيف، ووسيلة لزيادة الظّهور على المسرح العالمي. ومنذ عقود استغلّت كرة القدم كرأسمال سياسي يلجأ  إليه الحكّام لكسب ودّ الجماهير وتحسين صورتهم لدى الرّأي العام العالمي (موسولويني في إيطاليا، فرانكو في اسبانيا، بينو تشي في التشيلي، والأنظمة العربيّة خاصّة عند ترشح الفريق الوطني لكأس العالم..).   كما تستغلّ  للترويج لموقف سياسي معيّن خاصّة من طرف الغرب (الصّراع الروسي الأوكراني مثالا)
ولأنّ مقابلات كرة القدم لا تقتصر على المستطيل الأخضر بل تشمل الأشكال الفنيّة الاستعراضيّة من أهازيج وأغان يقوم بها الجمهور المرافق للفرق والشّعارات التي يرفعها، ولأنّ كأس العالم اجتماعٌ عالميٌّ يحضره ممثلون عن شعوب العالم (جمهور الملاعب) وتتابعه البقيّة عبر وسائل الإعلام باهتمام بالغ، فهو فرصة سانحة -لمن يقدر على استغلال الفرص ويهيء لها- للتّعريف بثقافته وأفكاره وسلوكه.(انظر الضّغط الكبير الذي تمارسه جماعة المثليّين لكسب حقّها في حضور المونديال). 
لقد استطاعت قطر كسب رهان تنظيم «المونديال» وهي الدّولة العربيّة المسلمة الوحيدة التي حقّقت ذلك،  ولكن هل فكّرنا - نحن العرب والمسلمون - في كيفيّة استغلال هذا الحدث؟ وهل لدينا استراتيجيّة واضحة للاستفادة منه في بثّ رسائل نريد أن تصل إلى العالم (قضيّة فلسطين، الحرّية، العدالة ...) والعمل على إصلاح ثقافة النّاس وترقية الذّوق العام، أم أنّنا سنفّوت الفرصة كالعادة ونسمح للآخرين باستغلالها كما يشاؤون في بثّ ثقافاتهم وعاداتهم بين النّاس أجمعين؟. 
إنّ مباريات كأس العالم لكرة القدم لا تجري فقط في المربع الأخضر للملعب، وليس كسب المباريات وتسجيل الأهداف هو الانتصار الحقيقي، وإنّما النجاح في التّأثير على الجماهير الحاضرة في الملعب وتلك التي تتابع الحدث من وراء التّلفاز وإيصال الرّسائل الإيجابيّة حول ثقافتنا وسلوكنا كمسلمين وعرب.