الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 183
 يصدر العدد 183 من مجلّة الإصلاح قبل أيّام من ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد ﷺ ، وبهذه المناسبة تجدني أتساءل عن العلاقة التي تربط هذا النّبي بمن يسمّون أنفسهم مسلمين سواء كانوا حكّاما أو محكومين . قد يستغرب البعض من السّؤال، ويردّ بسؤال إنكاري آخر: ألا ترى مدى ارتباط المسلمين بنبيّهم، وكيف يخرجون على بكرة أبيهم لنصرته كلّما تجرّأ أحدهم واستهزأ به  أو أساء إليه؟ ألا ترى الاحتفالات الضّخمة التي يشارك فيها الجميع في أنحاء العالم الإسلامي بمناسبة ذكرى مولده؟ كيف تتساءل عن علاقة المسلمين بنبيّهم وهم يذكرونه ليلا نهارا ويصلّون عليه آلاف الصّلوات؟ ألا يعني ذلك أن هؤلاء تربطهم علاقة حبّ وتقديس مع النّبي محمّد؟
أتساءل ومازلت أسأل، كيف يحبّ هؤلاء نبيّهم ويخالفونه في كلّ وقت وحين؟ كيف يقدّس هؤلاء رسولهم ويتّبعون غيره؟ بل ويتركون القرآن - معجزته الخالدة- وراء ظهورهم، ويتّخذون أعداءه أولياء من دون اللّه؟ أنظروا إلى هذه الأمّة وقد ارتفع فيها ضجيج الاختلاف والتّفرقة، وخفت فيها صوت الألفة والمحبّة. أصبحنا نقاتل بعضنا البعض، ويستغلّ الغنيّ منّا الفقير. ابتعدنا عن العلم فجهلنا، وتركنا العمل والاجتهاد فسرنا في طريق التخلّف والتّبعيّة. فأين نحن من سيرة رسول اللّه؟ 
أسّس النّبى ﷺ مدرسة الزّهد فى الدّنيا، كتب على بابها «ازهد فى الدّنيا يحبّك اللّه»، لكنّ أغلب من يدّعون حبّه يتكالبون على الدّنيا كما يتكالب الجائع على الطّعام. وبنى مدرسة الأخلاق تحت شعار «إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» و«إنّك لعلى خلق عظيم»، لكنّ ما نرقبه من أخلاق الكثير من المسلمين سواء داخل أوطانهم أو خارجها هي أخلاق لا تمتّ بصلة لا لإنسانيّة ولا لدين. دشّن مدرسة الأمانة وكان شعارها «إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها» لكنّ أغلب من يدّعون اتّباعه يخونون الأمانة وينقضون العهود فيما بينهم. وأقام ﷺ مدرسة العدل وكان شعارها «وزنوا بالقسطاس المستقيم»، لكنّ ما نراه في أقطار هذه الأمّة من ظلم وحيف وقضاء يحكم بغير عدل يخالف هذا الشّعار.
أنشأ ﷺ مدرسة العفو والصّفح وكتب على بابها «فاصفح الصّفح الجميل»، لكنّ طيفا كبيرا من المسلمين لا يعترف بالعفو ولا بالصّفح، تحكمهم نزعة طائفّية مقيتة وضغائن متلبّسة بمظاهر التديّن، يقاتل بعضهم بعضا قتالا لا تراه بينهم وبين الكافرين. من يطّلع على ما يحدث من صور في أمّة تدّعي أنّها تدين بدين نبيّ كريمٍ قال عنه ربّه (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) لا يرى وجه شبه بينهما. 
إنّ حبّه ﷺ ونصرته لا يُعبّر عنهما بالاحتفال بذكرى مولده أو بالصّلاة والسّلام عليه كلّما ذكر اسمه، ولكن يعبّر عنهما بالاقتداء به واتِّباع هديه واقتفاء سَنَنه، ومحجّته، وعَدم مخالفته. أن نحبّه ﷺ يعني أن نجعله قدوةً كاملةً في جميع جوانب حياتنا، إيمانيًّا وعباديًّا وخُلقًا وسلوكًا وتعاملاً مع الغير، أن نعمل بجدّ وإخلاص من أجل إصلاح حالنا والخروج من واقع الجهل والتخلّف والتبعيّة.