شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
د. إدوارد سعيد
 في الخامس والعشرين من هذا الشّهر نحيي الذّكرى التّاسعة عشرة لوفاة المفكر والنّاقد الفلسطيني الأميركي «إدوارد سعيد»، لهذا ارتأينا تخصيص هذه الحلقة للتعريف بهذه الشّخصيّة المميّزة التي تُعدّ أحد أبرز المثقّفين الفلسطينيين والعرب في القرن العشرين من حيث عمق تأثيرها وتنوع نشاطاتها. 
ولد «سعيد» في غرّة نوفمبر من سنة 1935 في القدس في عائلة مسيحيّة، وترعرع في القاهرة ثمّ هاجر منها إلى الولايات المتّحدة حيث نال البكالوريوس من جامعة برنستون عام 1957 ثم حصل على الماجستير عام 1960 وعلى الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1964. ثمّ حصل عام 1992 على منصب أستاذ جامعي، وهي أعلى درجة علمية أكاديمية في جامعة كولومبيا.
يتقن «سعيد» اللّغات العربيّة والإنجليزيّة والفرنسيّة، وهو ملمّ بالإسبانيّة والألمانيّة والإيطاليّة.اشتغل أستاذا للأدب المقارن بجامعة كولومبيا في نيويورك، وأستاذا زائرا في عدد من كبريات المؤسسات الأكاديميّة الأمريكيّة، منها جامعة هارفرد عام 1974، وجامعة جونز هوبكينز عام 1979 بالإضافة إلى تقديمه لعدد لايحصى من المحاضرات في أكثر من مائة جامعة.
أغنى «إدوارد سعيد» السّاحة الفكريّة العربيّة والعالميّة بأكثر من عشرين كتابا، من بينها: «الاستشراق» (1978)، و«مسألة فلسطين»(1979)،و«تغطية الإسلام: كيف تحدّد وسائل الإعلام والخبراء الطّريقة التي نرى فيها العالم» (1981)، و«القومية والاستعمار والأدب: ييتس ونهاية الاستعمار» (1988)، و«الثّقافة والإمبرياليّة» (1993) و«الإنسانيّة ونقد الدّيمقراطيّة» (2004). كما ألّف سيرة ذاتية أصدرها عام 2000 بعنوان «خارج المكان»، وقد ترجمت كتبه إلى أكثر من عشرين لغة.
ويبقى كتابه «الاستشراق» من أهمّ الكتب التي أعطته بُعدا عالميّا، فقد أثار ضجّة واسعة وجدلا كبيرا في كثير من الأوساط العلميّة والأكاديميّة العالميّة. وقد عمد فيه إلى تفكيك وخلخلة نظرة الغرب إلى الشّرق، ودحض الصّورة النمطيّة التي اعتمد فيها المستشرقون على دارسات ومفاهيم قامت على أسس غير علميّة. فقد قامت أفكاره على تبيان وتأكيد ارتباط الدّراسات الاستشراقيّة وثيقاً بالمجتمعات الإمبرياليّة معتبراً إيّاها منتجاً لتلك المجتمعات ما جعل للاستشراق أبعاداً وأهدافاً سياسيّةً في صميمه وخاضعاً للسّلطة حتّى أصبح مذهبا فكريّا -له خلفيّة سياسيّة- أنتج صورة عن الآخر (الشّرق) برغبة تسلطيّة تحكّمية استعماريّة وخلق انطباعا سيّئا لدى المتلقي الغربي عن الشّرق ونظرةً سلبيّة مليئة بالتعصّب على العرب والإسلام ولذلك شكّك بأدبيّاته ونتائجه واصطدم مع العديد من المستشرقين التقليديّين أمثال «برنارد لويس» و«مونتغمري واط». 
وبعكس ما اعتقده البعض، لم يتخذ إدوارد سعيد موقع الدّفاع في كتابه، بل موقع المنتقد الكاشف لخطأ الغرب في مقاربته ورؤيته للشّرق، وطرح مقاربة جديدة تسهم في ردم الهوّة بين الشّرق والغرب، من خلال احترام التّعدديّة الثّقافيّة وربط المعرفة بالنّزعة الإنسانيّة بدل النّزعة التّسلّطيّة الأيديولوجيّة. ولأجل ذلك كان يوجّه الطّلبة العرب إلى دراسة تاريخ الأمم والحضارات الأخرى، ويحثّهم على عدم الاقتصار على معرفة تاريخهم فقط.
يقول سعيد في سيرته الذاتية: «عام سبعةٍ وستين كان مدمراً لي ولكل شيءٍ عرفته، كنت وحيداً في أمريكا وقتها حيث شاع فيها إحساسٌ عارمٌ بالنّصر -ليس فقط في أوساط اليهود وحسب- وإنّما عند الجميع... لم أعد الإنسان ذاته بعد عام سبعةٍ وستين، فقد دفعتني صدمة الحرب إلى نقطة البداية، إلى الصّراع على فلسطين»، لهذا أصبح من أكبر المناضلين في ساحة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي  حيث كان عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني لمدّة 14 عاما، ثمّ استقال بسبب معارضته الشّديدة لبعض مواقف الرّئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، خاصّة اتفاقيات أوسلو التي كان يعتقد أنّها صفقة خاسرة للفلسطينيين.ثمّ  ساهم «إدوارد سعيد» سنة 2003 مع حيدر عبد الشّافي وإبراهيم الدّقاق ومصطفى البرغوثي في تأسيس المبادرة الوطنيّة الفلسطينيّة والتي ابتغت تأسيس قوّةٍ ثالثةٍ في السّياسة الفلسطينيّة الدّيمقراطيّة منافسة لفتح وحماس.
وقد عرف في العقود الثلاثة الأخيرة من حياته بمواقفه الجريئة وكتاباته عن الوضع في الشّرق الأوسط التي يدافع فيها عن القضيّة الفلسطينيّة، وقيام دولة فلسطينيّة ذات سيادة. وكتب دراسات ومقالات حول الصّراع العربي الإسرائيلي وقضايا سياسيّة أخرى وقضايا ثقافيّة وأدبيّة نشرها في دوريّة «ذا نيشن»، وصحيفة «الغارديان»، ومجلة «لندن ريفيو أوف بوكس»، وصحيفة «لوموند ديبلوماتيك»، و«الأهرام».
وبالإضافة للكتابة امتلك إدوارد سعيد معرفة بالموسيقى وتاريخها، وألّف فيها كتابين «متتاليات موسيقية»، و«عن النّموذج الأخير: الموسيقى والأدب ضدّ التّيار»، فضلا عن ممارسته للعزف على البيانو بمستوى المحترفين.
كُرِّم إدوارد سعيد عشرات المرّات، ومنح العضويّة في عدد من المؤسّسات المرموقة، كما حصل على شهادات فخريّة من جامعات عالميّة. وحصل على جوائز عديدة منها جائزة «بودين» من جامعة هارفرد، وجائزة «ليونيل تريلينغ»، وجائزة «ويليك من الجمعية الأميركية للأدب المقارن»، وجائزة «سبينوزا»، وجائزة «أمير أستورياس».
توفي إدوارد سعيد في إحدى مستشفيات نيويورك يوم 25 سبتمبر 2003 بعد أكثر من عشر سنوات من الصّراع مع المرض. وعلى إثر وفاته أسّست جامعة كولومبيا كرسي «إدوارد سعيد للدّراسات العربيّة» في قسم التّاريخ، وأعادت جامعة بيرزيت سنة 2004 تسمية مدرستها الموسيقيّة باسم «معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى» تكريماً له.