ونفس وما سواها

بقلم
د. سعيد الشبلي
أسرار النّفس البشريّة: قراءة قرآنيّة الحلقة 6 : استكبار النّفس
 قال الله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ *قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ *قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ*وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ *وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ *فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ *قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾(1).
توضح هذه الآيات البيّنات من سورة البقرة عقيدة الاستخلاف ومعانيها. فاللّه تعالى قال للملائكة ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فهناك الخليفة من ناحية وهو آدم كما كشفت عنه الآيات اللاّحقة، وهناك محلّ الاستخلاف وهو الأرض. وواضح أنّ الخليفة هو من الرّفعة والتّمكين والحظوة لدى اللّه بحيث علّمه الأسماء كلّها. وفي قوله تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا...﴾ إشارة إلى آدم العاقل المعلَّم أي صاحب العلم. وموئل العلم ومحلّه في الإنسان، العقل. فالعقل من الإنسان هو الخليفة، والأرض موقع الخلافة هي نفسه وهي في الاعتبار جسده الذي سيظهر فيه ويمارس فيه تدبيره، وإذا كان ابن عباس رضي اللّه عنه وبعض اللّغويين قالوا إنّ النّفس بمعنى الرّوح هي المتمّم للنّفس بمعنى العقل، فهم يقصدون بالرّوح هنا مجلى حياة الإنسان. والمعلوم أنّ بروز الحياة في الإنسان يكون من خلال الجسد. وهذه الخلافة لها بعد ذاتي فردي حيث توحّد ثنائيّة الخليفة – الأرض في جمعيّة ذات الإنسان. فالإنسان أصلا شاهد ومشهود، أي عقل شاهد (خليفة) وأرض مشهودة (نفس : محلّ استخلاف). وكمال الإنسان بكمال سكون معناه ولا يكون إلاّ في الجنّة: ﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾. فسكون الإنسان الحقيقي والأساسي هو التقاء عقله بنفسه التقاء توحيديّا تنشأ عنه نفس واحدة كاملة تامّة هي البدر في كمال نوره وجمال منظره، تمجّد اللّه منظره مُظهره وصانعه. حينئذ تندمج الزّوجيّة في الفرديّة بفعل التّوحيد الخالص، ولا تكون زوجيّة إلاّ من حيث الاعتبار ولزوم المقام وإظهارا للقوّة الرّحمانيّة حيث لا يفلت من التّركيب مخلوق ولتثبت الوحدة المطلقة للّه الواحد الأحد الفرد الصّمد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا. فلما سكن آدم وزوجه الجنّة، ثبتت لهما الرّاحة التّامّة والسّكينة المطلقة، وكانت حياتهما رغدا خالصا. وضمن هذا الاندماج الأوّل لم يفقد الاستخلاف حقائقه ولا معانيه. فاللّه تعالى ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا...﴾؛ والتّعليم على ما يظهر كان لآدم دون زوجه أي للوجه العاقل من الإنسان: ﴿قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ...﴾ هنا نلاحظ أنّ العلم كان حظّ آدم من ربّه، فدلّ بذلك على أنّ آدم هو موئل العلم، أي أنّه العقل الخليفة. ثمّ جاءت الرّسالة لآدم ومن خلاله لزوجه: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ﴾(2). فآدم هو المخاطب المباشر ومن خلاله زوجه. والملاحظ أنّ العقل هنا بما هو محلّ المعرفة والمستخلف عليها، سمّي «آدم». فدلّ بذلك على ضرورة ظهوره وهيمنته على محلّ استخلافه وهو زوجه أي نفسه التي نسبت إليه فعُرِّفت به «زوجه»، ولم تعرف بذاتها. وفي ذلك حكمة قرآنيّة بالغة تكشف عن سرّ قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾(3).
ويقول تعالى في سورة البقرة: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(4).
فالقرآن الكريم صريح في تقديم الرّجال على النّساء درجة، وصريح في أنّ اللّه فضّل بعضهم على بعض. وهذا التّفضيل وهذه الدّرجة قد يكون - واللّه أعلم - بسبب الدّور الاستخلافي لآدم من كونه محلاّ للعقل وممثّلا له. والعقل الأعظم الكلّي المطلق القدرة كما نعلم هو اللّه تعالى، فجاء آدم على صورة ربّه سبحانه وتعالى قائما بالخلافة في الأرض التي هي زوجه، كما قام ربّه تعالى بعقل العالم و تنظيمه وإحكام توجيهه. إنّ قمّة تنظيم اللّه تعالى للعالم برزت في خضوع هذا العالم للّه تعالى خضوعا مطلقا بالطّاعة قبل الإكراه ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾(5). وقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾(6). وقوله أيضا:﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾(7).
لمّا تكلم العالم قال «أتيت طائعا»، وذلك خضوعا للحقّ تعالى،  فإنّ آدم الذي جعله اللّه تعالى على صورته لا بدّ له أن يعي هذا الدّرس جيّدا في علاقته بنفسه، أي بزوجه. إنّ هذه النّفس لا بدّ أن تأتي طوعا أو كرها؛ وإتيانها طوعا بالاعتراف والتّسبيح هو أكمل الإتيان وأفضله لآدم ولها. حيث برز في قول السّماء والأرض «أَتَيْنَا طَائِعِينَ»، عزّة اللّه وهيمنته وجبروته وقوّته وجاذبيته المطلقة لمخلوقاته. وبرز أيضا حسن اعتراف المخلوق بفضل خالقه وبهيمنته؛ فنشأ عن ذلك الفضل والإنعام ومزيد العطاء حيث مدّ اللّه السّماء فجعلها سبعا، وأوحى في كلّ سماء أمرها، و زيّن السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظا .
إنّ الاعتراف بالقضاء الذي لا رادّ له يؤدّي إلى إحسان القدر. فقد فازت السّماء والأرض لما أتيا طائعتين. وكذلك الإنسان إذا اعترف بألوهيّة ربّه وعبوديّته التّامة له، وجاء ربّه طائعا حسّن اللّه قدره وزين حياته ونوّر بيته الأعلى :(السّماء)، والأدنى: (السّماء الدّنيا).
 إنّ القرآن الكريم أخفى اسم الزّوجة لحكمة عظيمة(8) وهي بيان المواقع والاعتبارات والدّرجات. فالزّوجة وهي النّفس، ليست متميّزة بذاتها حتّى يكون لها الاسم العلم، وإنّما هي بحسب الزّوج تكون، وإليه تنسب. وكذا النّفس، بحسب العقل تكون. فإن كان العقل مؤمنا عالما بربّه، مستمدّا من نوره تعالى، أفاض على النّفس من نوره مثلما تفيض الشّمس على الأرض. وإن كان خربا ويكون ذلك باستمداد العلم الفاسد (الجهل) من الشّيطان (السّماع الإبليسي اللّعين)، خربت النّفس بخرابه، وأظلمت بتولّيه، وساءت مصيرا. فالعقل سرّ النّفس، والعلم سرّ العقل، واللّه سرّ العلم. وهذا غاية الإحكام في التّنظيم الإلهي للوجود وللكون ولهذه التّجربة الإنسانيّة الشّريفة بإذن اللّه. إنّ منتهى سعادة النّفس أن تؤوب إلى عقل مؤمن معلَّم ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾، فتسكن إليه وتستنير بنوره وتندمج فيه وذلك على التحديد معنى رحلة الإنسان من الأرض إلى السماء، وذلك معنى الخلاص، وذلك معنى النجاة. فالإنسان بإناثه وذكوره نفس واحدة أسكنت الأرض لا لتبقى فيها وتدّعي القيوميّة والاستقلال، بل لتؤوب إلى ربّها ولترجع إلى النّور الذي منه جاءت وإليه تحنّ لو علمت. فالأرض هي الظّلمة والسّماء هي النّور، والنّفس هي اللّيل، والعقل هو النّهار، والإنسان هو العبد واللّه هو الرّب. فعقلَ اللّه الإنسان وشرّفه بأن جعل سعيه ورجعاه إليه طوعا واختيارا، فكرّمه بذلك على كثير ممّن خلق. يقول تعالى للنّفس: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾(9).
هذه النّفس المطمئنة التي صنعت عند الفجر بين الظّلمة والنّور، والتي تتجاوز بما حباها اللّه الإيمان واليقين ليل الطّبيعة الموحش إلى فجر الوجود من جديد، هي القادرة وحدها على العبور وعلى الرّجعى. فإن سألت: وبم رجعت ؟ قلنا بسرّ الاطمئنان؛ فإن قلت: ومن أين جاءها الاطمئنان؟ ذكرنا قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(10). فطمأنينة النّفس (القلب)، بذكر اللّه تعالى. وبذكره تعالى تنقلب النّفس انقلابها الحقيقي إلى نفس مطمئنة أو إن شئت الوجه الأصحّ قلت بذكر اللّه تثبت النّفس وتأمن التقلّب، وتركن إلى موقع القلب من هذه المملكة الإنسانيّة المكرمة فلا تفارقه، فتُجبى إليها فيه ثمرات كلّ شيء؛ فهو الحرم الآمن، وهو البيت العتيق وهو موئل السّرّ وسفينة النّجاة.
فما اطمأنت النّفس بنفسها، وما سكن القلب وأمن التّقلّب بقواه الذّاتية، بل بقوّة اللّه وبنور ذكر اللّه تعالى.  فعلمنا أن ّسرّ النّفس في العقل لا شكّ في ذلك، وأنّ النّفس بحسب العقل تكون، وأنّ خصب الأنثى لا يكون إلاّ من الذّكَر، وأنّ بيت المرأة لا فائدة فيه إذا لم يعمّره الرّجل، و أنّ حنين الأنثى إلى الذّكَر كما قال الشّيخ محيي الدّين بن عربي رحمه اللّه تعالى، هو حنين الفرع إلى أصله. فإن ترفّعت الأنثى عن مقامها هذا وطلبت كمال الدّرجة في نفس نفسها، فإنّها حينئذ تدّعي أنّها لا تحتاج لكي تلد إلى مصدر للخصب. فمثلها مثل الأرض إذا ادعت أنّها بدون ماء تخضّر وتزهر، وهذا هو الوهم، وهو الادّعاء وهي الأمنية الزّائفة والرّغبة المجنونة. يقول تعالى ناهيا عن طلب المحال في هذه العلاقة بين النّساء والرّجال: ﴿إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا * وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾(11).
ينهى اللّه تعالى الإنسان عن الكِبْر والتّأله الزّائف الذي يأتيه من قِبل الشّيطان. فاللّه تعالى قد أحكم البناء لما آب بالنّفس إلى العقل وأنشأ من اندماجهما نفسا مطمئنّة قادرة على الرّجعى إلى ربّها ليكون موئلها الدّخول في عباد اللّه الصّالحين ودخول جنّة اللّه تعالى. إنّ عمل الشّيطان حينئذ تدمير التّناسب والتّناغم وقطع الطّريق بكلّ السّبل على التّوحّد المطلوب بين النّفس والعقل. إنّ الشّيطان يسعى بكلّ قواه لإلقاء بذور الفتنة والفساد وإقناع النّفس بالتّأله وأنّها أعلى من العقل، وأنّها قادرة على الاستقلال والتّدبير، بل إنّها أحرى بأن تتولّى نفسها؛ هذا إن لم يقنعها بأن تكون هي مصدر جاذبيّة للعقل بالمعنى الاستكباري للكلمة، فيدعوها إلى أن تستصنع من نفسها «القوّة» «تلو القوة»، ويوهمها بأنّها على ذلك قديرة، فماذا تفعل هذه النّفس؟ إنّها تقوم وبفعل هذا الإغواء اللّعين، إلى نفسها (جسدها)، فتظهر فِتنه، فتنفخ في صدرها، وتكشف عمّا خفي، وتزيد بالطّلاء ما بهت بيانا، وما خفي ظهورا، ثمّ تلبس لا لكي تستتر بل لكي تتعرّى؛  يبرز ذلك في اتخاذها لتلك الثّياب الفاضحة. فإذا ما ظنّت أنّها استوت على سوقها، خرجت يملأ الشّيطان أعطافها حرارة، ويهزّ كيانها هزّا. فهذا المثل الذي نراه يوميّا في جاهلات النّساء وفاجرات البشر ولسن بالقليلات، هو مثل النّفس في استعلائها على العقل وهو أصلا مثل الإنسان في استعلائه على ربّه، يدعي بذلك القيوميّة على نفسه، ويدعي المقدرة على التّحكم في ذاته وكيانه، وهو في الحقيقة أخسأ عبد لأخسأ شيطان، وفرجة لكلّ متفرج، وعبرة لمن يعتبر من عباد اللّه الصّالحين .
الهوامش
(1) سورة البقرة - من الآية 30 إلى الآية 39
(2) سورة البقرة- الآية 35
(3) سورة النساء- الآية 34
(4) سورة البقرة- الآية 228
(5) سورة آل عمران- الآية 83
(6) سورة الرعد- الآية 15
(7) سورة فصلت - الآيتان 11 - 12
(8) لم يذكر في القرآن الكريم اسم زوجة آدم عليه وعليها السلام. 
(9) سورة الفجر - من الآية 27 إلى الآية 30
(10) سورة الرعد- الآية 28
(11) سورة النساء- الآيتان 30 - 31