الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 180
 يصدر العدد 180 من مجلّة الإصلاح في أحد الأيام العشر الأولى من ذي الحجّة والمسلمون بين مُحرم ساعٍ إلى ربّه، متحمّل وَعثاء السّفر ومشقّات الرّحلة ليصل إلى بيت اللّه، فيطوف بالكعبة ملبّيا نداء ربّه، وبين متهيء لنحر أضحيته تقرّبا من اللّه وتنفيذا لسنّة أبينا إبراهيم عليه السّلام، ومن ثمّ الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، لهذا نفتتح هذا العدد بتقديم أحرّ التّهاني وأجمل الأمنيات إلى القراء الأعزّاء وعائلاتهم وأقاربهم وإلى كافّة أفراد الشّعب التّونسي والشّعوب العربيّة والإسلاميّة قاطبة بمناسبة حلول هذا العيد، راجين من اللّه العلي القدير أن يجعل أيامه أيام يمن وبركة خاصّة على المستضعفين والفقراء والمساكين، آملين أن يؤلّف بين قلوب من يسكن هذه الأرض الطيّبة، فيتوجّهون إلى الحوار والتّوافق والتآزر، وينبذون العنف والكراهيّة والتّقاتل والخصام.
إنّ العيد مناسبة للتوادّ والتّراحم بين النّاس يستغلّها الجميع (إلاّ من كان في قلبه مرض) للتّصالح والتّناصح والتّنافس في عمل الخير، وهي بالتّالي فرصة ليجدّد المجتمع وحدته ويشحن ماكينته الاجتماعيّة ثمّ يتحرّك سالكا طريق العمل والبناء في تناسق وتكامل بين مختلف مكوّناته، وهو ما تفتقده بلادنا وأغلب بلاد المسلمين منذ سنوات عديدة.
ويرتبط عيد الأضحى بالحجّ إلى بيت اللّه الحرام تنفيذا للرّكن الخامس من أركان الإسلام. ففي الأيام الأولى من شهر ذي الحجة من كلّ عام تشدّ الرّحال إلى بيت اللّه وتتّجه أنظار المسلمين كافّة نحوه، ملبّين دعوة أبيهم إبراهيم عليه السّلام ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ (سورة الحجّ - 27 ). هي مناسبة تذكّر بواجب وحدة المسلمين وتعزّز المساواة بينهم. فظهورهم بمظهر موحّد في الزّمان والمكان والعمل والهيئة، سواء كانوا أغنياء أم فقراء،عربا أو عجما، يعزّز المساواة بين المسلمين ويحقّق مشهد الوحدة بينهم،ويعوّدهم على الصّبر، ويعلّمهم النّظام والترتيب.  
العجيب في الأمر أنّ هذا التجمّع الذي يعدّ أكبر تجمّع للمسلمين منذ خمسة عشر قرنا، لم يعد له التّأثير المفروض حدوثه على علاقة المسلمين بعضهم ببعض، خاصّة بين الدّول والأنظمة التي تحكمها، فالتّناحر والتّقاتل والتّخاصم هي السّمة التي تمّيز واقع الأمّة الاسلاميّة مشرقا ومغربا. وهذا دليل على أنّ أغلب المسلمين لم يدركوا لحدّ الآن الفلسفة الحقيقيّة للحجّ؛ ورغم كلّ الأسرار والعظمة الكامنة فيه، لا يزال لدى هؤلاء عبادة جافّة وحركات غير مجدية ولا مثمرة.  لقد جعل اللّه سبحانه الحجّ مناسبة لتجميع الأمّة، وتأليف قلوبها، وتوحيدها في وجهتها وطريقتها، وحركاتها وسكناتها، وآلامها وآمالها، والتّسامي نحو الوحدة التي يريدها لعباده على الدّوام، ﴿وإِنَّ هَذهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾(المؤمنون: 52). غير أنّ واقع المسلمين المؤلم يؤكّد عكس ذلك. فمتى سيجني المسلمون ثمار هذا المنسك العظيم؟  ومتى تتطبّع مجتمعاتهم بالخصال التي تتأتّى من هذه العبادة؟.