خواطر

بقلم
محمد المرنيسي‎
المقصور والممدود
 لا أدري لم قدّم جمهور النّحاة المقصور على الممدود؟ هل المقصور أكثرعددا من الممدود؟أم مراعاة لضعف المقصور وقوّة الممدود؟
سألت صاحبي: «ماذا تعرف عن المقصور والممدود؟»
قال معتذرا: «تلك قواعد حفظناها في الصّغر، وضاعت منّا عند الكبر، لانشغالنا بمشاكل الحياة».
قلت: «ألا أذكّرك بها؟»، قال: «لا داعي لذلك، لست راغبا في معرفتها». باغته بسؤال محرج: «هل أنت مقصور أم ممدود؟». نظر إليّ مستغربا وقال: «أنت تبحث دوما عن الغريب، تحفر في التّراب، وتكشف ما خلف الأسوار والأغوار، وتقرأ النّوايا، وما تحجبه الأخبار .لا أملك جوابا لسؤالك».
قلت: «المقصور من قصرت همّته عن بلوغ المراد، وفشلت حيلته في اختراق بوابات الممدود، إلاّ من استثني من مردة المتسلّلين، ومهرة المتلصّصين. فأنا وأنت وأمثالنا من هذا الصّنف، نتّكئ على الرّكب، ونتحرّك لنأكل ونشرب.
والممدود من امتدت يداه إلى ما يريد ويشتهي، دون حدود أو سدود أوقيود، لامتلاكهم علوم المالوجيا والجاهلوجيا والسّلطالوجيا.
الممدود يتكلّم بما شاء وكيف شاء، لا حرج في استعمال الألفاظ والتّعابير الجافّة، أو الحادّة الجارحة،ولا حرج في الخطأ والجهل، والتّحريف والبهتان، كلامه صواب لا يلحقه سقط أو شطط، وحكمة بالغة لا تدانيها إبداعات أو روائع الخطط.
أمّا المقصور فلكلامه مراقبون ومحلّلون وخبراء، يفحصونه كما يفحص المريض في المستشفيات الخاصة: يفتشون عن المرض وأبنائه وحفدته وعشيرته وقبيلته لعلّه ورثه من أحدهم، يدخل المريض مليئا ويخرج مدينا، يتّهم بالتّقصير والتّفريط.
ولأعمال المقصور مؤرّخون يدوّنون الحبّة والقبّة، ويرسمون بالألوان خريطة التّنقلات في البرّ والبحر والفضاء. لا تفوتهم حركة ولا إشارة في النّوم واليقظة، فإن سقط فتح كتابه وازداد عذابه، ولم يبق له من معين أو رحيم إلاّ ربّ العرش العظيم.
المقصور وأبناؤه وأحفاده يأكلون فلا يشبعون، ويشربون فلا يرتوون، هم خدّام للممدود، تقوس ظهر المقصور من أثقاله فسار زاحفا، واشتد انكساره فلم يخفض ولم يرفع وعاش خائفا، محكوما عليه بالسّجود لغير اللّه المعبود، والإخلاص في طاعة الممدود».
سأل صاحبي ضاحكا: «متى يصير المقصور ممدودا؟ومتى ينكسر الممدود فيصير مقصورا؟»
قلت: «هناك قاعدة عامّة لا استثناء لها هي: الصّيرورة للممدود، فالكلّ سيغادر الحياة طوعا أو كرها على سرير خشبي إلى مرقد ترابي لا يحمل معه من دنياه إلاّ خرقة تستر جلده، وسرعان ما تفنى ويرجع الأصل إلى أصله».
قال: «الحمد للّه على ما قضى وقدر، فأعطى وأفقر، وعاقب وغفر، فاللّهم اجعلنا من  الذين إذا أذنبوا استغفروا وتابوا، وإذا أحسنوا شكروا وأنابوا».