همسة

بقلم
رضوان مقديش
العلماء
 إن كلمة عالِم (بكسر اللاّم ) وجمعها عُلماء، تستحقّ منّا وقفة تدقيقيّة ومراجعة لمدلولها واستعمالاتها. 
التّركيبة الصّرفيّة للكلمة تأتي على وزن فاعل، والتّحليل النّحوي يفيد الحال والوصف. العالم إذا هو حال وتوصيف من علم الشّيء، وهذا هو الاستعمال المبدئي والمطلق الوارد في القرآن الكريم. وصفة عالم ترد آنذاك قطعيّة لأنّ اللّه سبحانه وتعالى ذو علم مطلق يعرف تمام المعرفة أنّ المعني بالوصف يعلم حقّا.
والآية ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادهِ الْعُلَمَاءُ﴾(1). التي تشير- من بين ما تشير - إلى التقوى ،والآية ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾(2). التي تفيد الأفضليّة وعلوّ المقام، كلاّ الآيتين لا تنطبق إلاّ على الذين يعلمون حقّا (في الآية الأولى) وعلى الذين يعلمون حقّا أو يسعون حقّا ويجاهدون في سبيل العلم (في الآية الثّانية)
وفي نفس منطق التّعريف لكلمة «عالِم»، تستعمل هذه الكلمة من وجهة النّظر المحدودة للبشر، ويكون الاستعمال في إطار ظنّي وليس مطلقا ولا قطعيّا، فهو إذا استعمال مختلف عن الآيتين الكريمتين والاستدلال بهما يطرح جدلا.
من جهة أخرى، في الماضي كانت العلوم تُولد وتنبثق من كتلة الفلسفة والفكر، وبحكم التطوّر التّاريخي للعلوم وتشعّبها وتخصّصها، أصبحت كلمة «علم» تدلّ على ميدان معرفي محدّد ذي قواعد تكاد تكون قطعيّة، بعيدة كلّ البعد عن الذّاتيّة: ميدان العلوم التّجريبية الصّحيحة. إنّ كلمة «عالم» بالمفهوم الواقعي والمنطقي لعصرنا تشير لمختص ملمّ بقواعد موضوعيّة أكاديميّة ومقنّنة في ميدان محدّد كعالم الفيزياء وعالم الكيمياء وعالم بيولوجيا النّبات وعالم البصريّات وعالم الذرّة وعالم المناخ وعالم الجيولوجيا...إلخ.
إنّ الميادين العلميّة سالفة الذّكر وغيرها كثير، ميادين يحقّ احتكارها وبصفة تلقائيّة لا يتطفّل عليها من لا ينتمي إليها.
أمّا ميدان الدّين بصفة عامّة بفروعه من عقيدة وفقه وتفسير فهو بالمنظور الحديث ميدان فكر وإبداء الرّأي. إنّه ميدان شاسع ذو أهمّية قصوى يتطلّب حدّا أدنى من المعرفة والجاهزيّة الفكريّة، ميدان لا ينبغي لكلّ من هبّ ودبّ والباحثين عن الإثارة ومستعملي قاعدة «خالف تعرف». إنّه إذا ميدان ذو حساسيّة كبيرة لا يمكن إتاحته دون شروط ولا يمكن كذلك حضره أوغلقه واحتكاره تحت بنود شكليّة، نظرا لطبيعته الفكريّة. 
  إنّ توصيف بعض المهتمّين بمجال الدّين بكونهم «علماء» بقطع النّظر عن مستواهم الفعلي، يفتقد إلى الدقّة وينطوي على إيحاء باحتكار المجال وإقصاء المداخلات القيّمة. والمسألة ليست البتّة تقييميّة بل توصيفيّة، فنحن نجلّ شيوخنا وفقهاءنا خصوصا من جمع منهم بين سعة المعرفة وقوّة المنطق والبديهة.
  إنّ بين النّظريّات المنطقيّة والكلمات المستعملة علاقة جدليّة : فكما أنّ المنطق المتعثّر يوصلنا إلى كلمات غير موفّقة، فإنّ الكلمات التي لا تنطبق بدقّة توصلنا إلى منطق مهزوز ومرتبك.
  ولعلّ المغالطة والتّعتيم يبلغان أشدّهما عندما يقال لنا «بإجماع العلماء» لفرض الأمر الواقع وتشميع بل وتحنيط بعض المفاهيم الموروثة.
في آخر المسألة، لا يمكن التحكّم في أقلام وألسنة النّاس ولكن المهمّ هو الوعي بحقيقة معاني الكلمات وعدم انطلاء الإيحاءات الخاطئة على عقولنا.