اهل الاختصاص

بقلم
أ.د.فوزي أحمد عبد السلام
تطوّر نظريّات الحركة الحلقة الرّابعة: تطبيق على إطلاق الأقمار الصناعيّة من خطوط عرض بالقرب من دائر
 اختلاف السّرعة من نقطة لأخرى على سطح الأرض
صدق أو لا تصدق لكنّها حقيقة، كلّ نقطة على سطح الأرض تختلف في سرعتها عن أيّ نقطة أخرى لا تشاركها في عرض المكان، ففي حين تكون السّرعة الزّاوية لجميع الأماكن على سطح الأرض واحدة باستثناء نقطتي القطبين الشّمالي والجنوبي، فإنّ السّرعة الخطيّة ليست واحدة لجميع الأماكن، فجميع النّقاط الواقعة على دائرة الاستواء تتحرّك بسرعة أكبر من أيّ نقطة أخرى على سطح الكوكب، والسّرعة عند القطبين بالضّبط تساوي الصّفر حيث تنطبقان على محور دوران الأرض حول نفسها. ولتوضيح ذلك أكثر تخيّل أنّك نظرت إلى نقطتين على خطّ طول واحد من القطب إلى القطب، بقعة واحدة على خطّ الاستواء والأخرى في منتصف الطّريق إلى القطب، ستحدث كلّ منهما دورة كاملة في غضون 24 ساعة وتعود إلى حيث كانت. ولكن نظرًا لأنّ شكل الأرض مستدير تقريبا، وأنّ دائرة الاستواء هي أكبر دوائر العرض اتساعا، وبالتّالي فإنّ البقعة على دائرة الاستواء يجب أن تقطع أميالًا أكثر في تلك الأربع وعشرين ساعة حتّى تعود إلى موضعها الفضائي بفرض تثبيت موقعها حول الشّمس. هذا يعني أنّ النّقاط التي على الأرض تتحرّك بشكل أسرع عند دائرة الاستواء من أيّ مكان آخر على سطح الأرض. ومن هنا تكمن الاستفادة من هذه السّرعة الهائلة عند خطّ الاستواء والتي تبلغ بالمناسبة مرّة ونصف قدر سرعة الطّائرة عند استقرار سرعتها في رحلتها.
دفعة أوّليّة تحت الحساب
تحتاج الأقمار الصّناعيّة لإطلاقها إلى كمّية هائلة من الدّفع تكفي لتثبيتها في مداراتها حول الأرض، خصوصا عندما نعلم أنّ أقلّ ارتفاع فوق سطح الأرض مسموح به للقمر الصّناعي هو أقل قليلا من 200 كيلومتر وأبعد الأقمار تقترب من 40000 كيلومتر،  والقليل منها يتعدّى ذلك ليصل إلى 65000 كيلومتر. مع العلم أنّ أعلى ارتفاع للطّائرات يقع في حدود 10 كيلومتر فقط. تدور الأرض عكس عقارب السّاعة من الغرب إلى الشّرق لذلك نرى الشّمس تدور ظاهريّا حول الأرض من الشّرق إلى الغرب.تختلف سرعة دوران السّطح من نقطة إلى أخرى على الأرض، حيث تبلغ سرعتها بالقرب من خطّ الاستواء حوالي 1670 كم في السّاعة، تنخفض السّرعة تدريجيًّا مع انتقالنا إلى القطبين حيث تقترب من الصّفر هناك. وبالتّالي سيحصل القمر الصّناعي الذي يتمّ إطلاقه من المواقع القريبة من خطّ الاستواء باتجاه الشّرق على دفعة أوّليّة تساوي سرعة سطح الأرض بالإضافة إلى السّرعة المتولّدة من الدّفع الصّاروخي الحامل للقمر الصّناعي، وتساعده هذه الدّفعة في تحقيق سرعة الهروب التي تمكّنه من الدّوران حول الأرض بسرعة كافية حتّى لا يتمّ سحبه مرّة أخرى بواسطة جاذبيّة الأرض. وبالرّغم من أنّ الحدّ الأدنى للسّرعة المداريّة للأرض حوالي 29000 كم/ساعة، إلاّ أنّ هذه الدّفعة الأوليّة تساعد في خفض تكلفة الصّواريخ المستخدمة لإطلاق الأقمار الصّناعيّة. وهذا هو السّبب الرّئيسي لإطلاق الأقمار الصّناعيّة بالقرب من خطّ الاستواء في اتجاه الشّرق. ولكن لا يمكن الاستفادة من هذه الميزة إلاّ لمثل هذه الأقمار الصّناعيّة الموضوعة في مدارات استوائيّة  أي تدور في مستوى الاستواء السّماوي الذي يعتبر امتدادا لمستوى الاستواء الأرضي. عادة ما تكون هذه الأقمار الصّناعيّة عبارة عن أقمار للاتصالات أو أقمار تستخدم في البحث العلمي مثل محطّة الفضاء الدّوليّة. هناك أقمار صناعيّة أخرى موضوعة في مدارات قطبيّة تتحرّك عبر خطّ الاستواء في اتجاه الشّمال والجنوب وتستخدم بشكل أساسي لرسم الخرائط أو في بعض الأوقات للتّجسّس. يتمّ إطلاق مثل هذه الأقمار بشكل عام في الجناح الجنوبي أو باتجاه الجناح الشّمالي وبالتّالي لا يمكنها الاستفادة من دوران الأرض. وتقع محطات إطلاق الأقمار بشكل عام بالقرب من خطّ السّاحل الشّرقي، حتّى إذا فشل الإطلاق، لا يقع القمر الصّناعي على المناطق النّائية المأهولة بالسّكان. وبالتّالي يعد إطلاق الأقمار الصّناعيّة مباشرة إلى مدار استوائي من خطّ الاستواء أرخص من الإطلاق من خطّ عرض آخر أعلى منه.
بعض الاستثناءات في بناء منصات إطلاق الأقمار الصناعية
تقع معظم الموانئ الفضائيّة لعمليّات الإطلاق المداريّة على خطوط العرض المنخفضة، مع استثناء رئيسي واحد على الأقل: حيث تقع محطة «بليسيتسك الرّوسيّة» عند دائرة عرض 63 درجة شمالًا، وهي أكثر المطارات الفضائيّة نشاطًا على الأرض للإطلاق إلى مدارت حول الأرض أو الرّحلات بين الكواكب، ومنذ سقوط الاتحاد السّوفيتي، أصبح ميناء الفضاء الرّوسي المحلّي الوحيد، والمساحات الشّاسعة غير المأهولة حوله مفيدة لسلامة ترك مراحل الصّواريخ المختلفة تسقط على الأرض، لكنّ روسيا لديها الكثير من الأراضي الفارغة عند خطوط العرض المنخفضة (على الرّغم من أنّ بايكونور الكازاخستانيّة تقع عند 46 درجة شمالاً)، فلماذا تمّ بناء «بليسيتسك» في مكانها الحالي أصلاً؟ هل هناك أيّ مزايا للانطلاق من مثل هذا الارتفاع. اعتمادًا على ما تريده بالضّبط من القمر هناك بعض المزايا لإطلاق مركبات فضائيّة من خطّ عرض عالٍ. الميزة الأساسيّة لمثل هذا النّظام هي المدارات شديدة الميل على مستوى الاستواء (القرب من الميل الحرج 63.4 درجة أو أكبر منه قليلا). تستفيد معظم الأقمار الصّناعيّة الأرضيّة المنخفضة من الميل العالي، وفي الواقع، يتمّ وضع العديد منها في ما يعرف باسم «المدارت المتزامنة شمسيّا» أي التي ترى الشّمس باستمرار مع ميل طفيف عكسي retrograde inclination. فإذا كنت تنطلق في اتجاه خلفي، عكس دوران الأرض فعليك في الواقع إخراج كلّ دوران الموقع الذي تنطلق منه، ممّا يجعل الوصول إلى المدار بالقرب من خطّ الاستواء أكثر صعوبة. ومع ذلك، سيكون من الأصعب إطلاق قمر صناعي استوائي من هذه المواقع على سبيل المثال.
نبذة عن «بليسيتسك»
لفهم سبب قيام الاتحاد السّوفياتي سابقا ببناء محطّة «بليسيتسك» نحتاج إلى مراجعة تاريخ رحلات الفضاء الرّوسيّة. تمّ تصميم «بليسيتسك» في الأصل لإطلاق صواريخ باليستيّة عابرة للقارّات باتجاه القطب الشّمالي متّجهة نحو أمريكا الشّماليّة. وصواريخ «سويوز» مشتقّة من صاروخ R-7، الذي تمّ تطويره في البداية لحمل رؤوس حربيّة نوويّة. تشترك كلّ من Soyuz وR-7 الحديثتين في نفس النّوع من منصّات الإطلاق والتّجميع وما إلى ذلك، بالإضافة إلى إبقاء «بليسيتسك» مفتوحة، فعلى سبيل المثال لا تزال عمليّات الإطلاق القطبيّة (ذات الميل العالي) منطقيّة من وجهة نظر تقنيّة بحتة. تقع «بليسيتسك» في موقع مثالي لإطلاق الأقمار الصّناعيّة في مدارات ذات ميل حرج 63.4 درجة مثل أقمار مولينيا  Molniya (وهي تعني الإضاءة باللّغة الرّوسيّة) وهي مدارات شديدة الاستطالة وتدور حول الأرض مرّتين في اليوم، مع نقطة أوج تتمحور حول روسيا والأخرى في الولايات المتّحدة. أدّى ذلك إلى أقمار صناعية مزدوجة الوظائف، تتجسّس على الولايات المتّحدة 9 ساعات من اليوم، ثمّ تدور حول قاع الأرض وتعمل كأقمار صناعيّة للاتصالات/ البثّ/الطّقس للاتحاد السّوفيتي لمدّة 9 ساعات أخرى من اليوم. الجانب السّلبي لهذا المدار هو أنّه يتطلّب عدّة أقمار صناعيّة لتوفير غطاء مستمر لسطح روسيا بأكمله. تتعرّض هذه الأقمار الصّناعيّة أيضًا لأحزمة «فان آلن» الإشعاعيّة 4 مرّات في اليوم، ممّا يؤدي إلى فترات عمر أقصر. قام الرّوس بتحديث الأقمار الصّناعيّة بانتظام وتطوير تكنلوجيّتها، وتحسين المدارات. 
لماذا لا تطلق الصواريخ من الأماكن ذات العروض العالية؟
هل هناك أسباب تدعو لعدم القيام ببناء منصّات إطلاق صواريخ في أماكن خطّ عرضها كبير؟ ببساطة نعم، والسبب هو توفير قدر من الوقود مقابل مواقع الإطلاق على مستوى سطح البحر. فعند إطلاق مركبة فضائيّة، هناك عدد من التّحدّيات التي تدخل حيز التّنفيذ، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، أولا: الصّعود في الفضاء. ثانيا: تسريع الحمولة حتّى السّرعة المداريّة بحيث يمكنها البقاء في الفضاء. ثالثا: محاربة الجاذبيّة خلال الوقت الذي يستغرقه القيام 1و2.  رابعا:  محاربة مقاومة الهواء خلال الوقت الذي تستغرقه للقيام 1و2.  خامسا: ماذا يحدث لو لم نصل إلى المدى المطلوب فور الإطلاق؟ سادسا: لوجستيّات منصّة الإطلاق (إيصال الوقود إلى المنصة، وما إلى ذلك)  ثامنا: إطلاق لوجستيّات نقل المركبات (إيصال الحمولة، والمراحل، والمعززات، إلخ إلى موقع الإطلاق) .
ما هي السرعة المدارية المطلوبة لإبقاء القمر في مداره حول الأرض
كي يستقر القمر في مدار حول الأرض لابدّ أن تتساوى قوّة الجاذبيّة الأرضيّة                                  مع قوّة الطّرد المركزي النّاشئة عن الدوران                                      ومن تســـاوي القوّتين وحلّ المعادلتين نحصـل على السّرعـة المداريّـة المطلوبـة للبقـاء في المدار هـي                          حيث      هي ثابت الجذب العـام و      هي كتلة الأرض و      هي كتلة القمر الصناعي و   هي نصف قطر المدار و   هي سرعة القمر الصناعي(1). فإذا أُطلق القمـر الصناعي من أحد القطبين، فهذا يعني أنّه قد أُطلق من السّكون، ولحساب الطّاقة التي يكتسبها القمر في مداره  فإنّنا نطبّق مبدأ  بقاء الطّاقة وهو أنّ الطّاقة الكلّية للقمر تساوي مجموع طاقة حركته بالإضافة إلى طاقة وضعه في مداره، وحيث أنّ السّرعة الابتدائيّة عند أيّ موضع آخر غير القطبين ليست صفريّة وإنّما دالّة في خطّ عرض مكان الإطلاق من العلاقة التّاليـة
                            وبالتـالي فــإن معادلــة طاقـــة القمـــر ستكــــون:
      
لتوضيح أهمية هذه المعادلة فإنّنا نقدم الشّكل التّوضيحي التّالي المعبّر عن الطّاقة اللاّزمة لوضع كيلوجرام واحد في مدار حول الأرض على ارتفاع 300 كيلومتر من سطح الأرض. من هذا الشّكل يتّضح من مقارنة الطّاقة اللاّزمة لوضع القمر في ذلك المدار من محطّة على خطّ الاستواء وأخرى عند القطبين  أن نسبة التّوفير تكون في حـدود
                 ومع أنّها نسبة صغيرة إلاّ أنّها تؤثّر في الرّحلات الكبيرة