في ظلال آية

بقلم
ابراهيم بلكيلاني
لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَان
 يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (1)
يفسّر الفخر الرازي خُطوات الشّيطان «والمُرادُ بِذَلِكَ السِّيرَةُ والطَّرِيقَةُ، والمَعْنى لا تَتَّبِعُوا آثارَ الشَّيْطانِ ولا تَسْلُكُوا مَسالِكَهُ في الإصْغاءِ إلى الإفْكِ والتَّلَقِّي لَهُ وإشاعَةِ الفاحِشَةِ في الَّذِينَ آمَنُوا، واللَّهُ تَعالى وإنْ خَصَّ بِذَلِكَ المُؤْمِنِينَ فَهو نَهْيٌ لِكُلِّ المُكَلَّفِينَ » (2). 
ويقول العلامة ابن عاشور «فَإنْ أرْسَلَ المُكَلَّفُ نَفْسَهُ لِاتِّباعِها ولَمْ يَرْدَعْها بِما لَهُ مِنَ الإرادَةِ والعَزِيمَةِ حَقَّقَها في فِعْلِهِ، وإنْ كَبَحَها وصَدَّها عَنْ ذَلِكَ غَلَبَها. ولِذَلِكَ أوْدَعَ اللَّهُ فِينا العَقْلَ والإرادَةَ والقُدْرَةَ وكَمَّلَ لَنا ذَلِكَ بِالهُدى الدِّينِيِّ عَوْنًا وعِصْمَةً عَنْ تَلْبِيَتِها لِئَلّا تُضِلَّنا الخَواطِرُ الشَّيْطانِيَّةُ حَتّى نَرى حَسَنًا ما لَيْسَ بِالحَسَنِ» (3) .
ويعرّف العلامة ابن عاشور الفحشاء: « كُلُّ فِعْلٍ أوْ قَوْلٍ قَبِيحٍ» و المنكر: « ما تُنْكِرهُ الشَّرِيعَةُ ويُنْكِرهُ أهْلُ الخَبَرِ»(4) أما صاحب مفاتيح الغيب فيقول « والفاحِشَةُ ما أفْرَطَ قُبْحُهُ، والمُنْكَرُ ما تُنْكِرهُ النُّفُوسُ فَتَنْفِرُ عَنْهُ ولا تَرْتَضِيهِ» (5).
ومن لطائف صاحب التّفسير التّوحيدي قوله «والسّياق هنا هو اتقاء الذين آمنوا نزغ الشّيطان خاصّة في العلاقات والفتن الزّوجانيّة بين الذّكور والإناث، فذلك مجال تغشاه الشّهوات ويهيج نزعها البليغ ليستغلها ذلك الشّيطان ويشفي كيده عدوًّا للإنسان» (6). 
فالنّهي عن خطوات الشّيطان هو لأنّ هذا الأخير لا يأمر إلاّ بكلّ فعل أو قول قبيح، وبما تنكره النفس المجبولة على فعل الخير، فانحرف بها التّشويه والتّزيين الشّيطاني للنّفوس، فاستمرأ فعل ما تنهاه عنه الشّرائع السّمحة. 
وفي الآية تذكير بالهدى الدّيني المتمثّل في فضل اللّه على بني آدم أن يسّر لهم طريق الهداية. وكما يقول صاحب التّفسير التّوحيدي «لولا ذلك الفيض من الفضل والرّحمة ما زكا منهم أحد أبدا ليتطهّر من دنس الهوى ورجس الشّيطان وليرقى إلى درجة الزّكاة والإحسان» (7). 
فبما أودعه اللّه فينا من العقل والإرادة والقدرة والهدى الدّيني يمكننا التّحرّر من خواطر الشّيطان، ويرسم المرء لنفسه طريقا نقيّا، لا يتعدّى فيه على حقوق الآخرين. فمن حقّ الآخر عليك أن تكبح هواك وتلجم فعلك وقولك الجارح والقبيح عنه، وفي ذلك انتصار لك على نفسك، وانتصار تشارك فيه الآخرين على كلّ ما ينحرف بالحياة ويسقطها في أتّون الفحش والمنكر الذي يفحّشه وينكره الجميع. 
فقد رسمت لنا هذه الآيات ما يمكننا أن نعيش به حياة سعيدة نقيّة، يسعد فيها الجميع، ويكبح فيها كلّ واحد منّا ما يمكن أن يسبّبه من جروح نفسيّة للآخر. وإذا سلمت النّفوس، سلمت الأجساد. مع تذكير دائم بأهمّية الهدي الدّيني المتأسّس على البيان الحكيم، الذي بدونه تضطرب الرّؤية. وفي كلّ خطوة نجاح للمرء في الابتعاد عن خطوات الشّيطان، يستذكر فضل اللّه عليه، فهذا الاستذكار تغذية مستديمة له إن شاء اللّه تعالى.
الهوامش
(1)   سورة النور - الآية 21.
(2) الفخر الرازي، تفسير الآية 21 ، سورة النور ،  21/https://tafsir.app/alrazi/24. 
(3) محمد الطاهر بن العاشور تفسير «التحرير والتنوير»، سورة البقرة،   169/2/https://tafsir.app/ibn-aashoor
(4) محمد الطاهر بن العاشور تفسير «التحرير والتنوير»، سورة غافر،   40/40/https://tafsir.app/ibn-aashoor
(5) الفخر الرازي، تفسير الآية 21 ، سورة النور ،  21/https://tafsir.app/alrazi/24. 
(6) د.حسن الترابي، التفسير التوحيدي، الجزء الثاني، ص 992 - الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، لبنان، ط1، 2011م
(7) د.حسن الترابي، نفسه، ص 993.