الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 173
 "أحمد اللّه لأنّني عانيت كلّ التّجارب والنّكسات المتعاقبة، ولا يزال عودي صلبا، إنّ بعض علماء النّفس يقولون بأنّ الجيل الواحد لا يحتمل أكثر من هزيمة واحدة، وها أنذا أعدّ نفسي للهزيمة السّادسة أو السّابعة، الهزيمة أم النّصر.. وما الفرق بالنسبة لنا؟ إنّ ذلك مهمّ جدّا للتّجار والرّياضيين ومحترفي السّياسة، أمّا بالنّسبة لنا فالمهم هو أداؤنا لرسالة الاستخلاف وقيامنا بواجبنا تحت كلّ الظّروف وفي مواجهة كلّ الاحتمالات، فإذا انتصرنا نرجو من اللّه أن يقينا شرّ الغرور ونزعة الظّلم واضطهاد الآخرين، وإذا هزمنا نرجو من اللّه أن يقينا من الذلّ والهوان والخضوع". كان هذا آخر ما كتبه الدّكتور علي شريعتي لابنه إحسان قبل موته بأيام. وأنا أقرأ هذه الكلمات، أستحضر ما أعانيه كمثّقف في بلدي ويعانيه كلّ المثقّفين في الوطن العربي ونحن نحاول بكل الوسائل المتاحة لنا أن نوقظ النّاس من غفلتهم ونشحذ هممهم للبحث عن طريق للتّحرّر من الفقر والقهر والتخلّف، فلا نجد لما نقول أذن صاغية ولما نكتب عين قارئة. ولكنّنا نواصل الكتابة والنّشر، ونواصل عرض أفكارنا على النّاس ما دام في النّفس رمق. 
يقول لي أبنائي والبعض من أصدقائي: «لمن تكتب والنّاس لا يقرؤون؟، ولماذا تضيّع وقتك في إنتاج ما لا مستهلك له؟  ومن أين تستمدّ كلّ هذا الأمل والصّبر والعالم يسير ضدّ ما تطمح إليه؟». ومازلت أجيبهم بأنّني أكتب حجّتي أمام اللّه، عندما يسألني يوم الحساب ماذا قدّمت لمن حولك من النّاس وماذا فعلت في الأمانة التي كلّفتك بها.. سأقول له - وهو أعلم منّي بما كنت أفعل-  بأنّني حاولت قدر المستطاع لكنّني فشلت... سأقول له أنّني عملت بما جاء في قولك لرسولك الكريم ﷺ :﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ «الغاشية - 21».. وهذه حجج تذكيري. 
أمّا الصّبر الذي أتحلّى به والأمل الذي يملأ فؤادي، فإنّني أستمده من اللّه، فلا تهمّني الهزيمة أو النّصر، فلست كما قال شريعتي محترف سياسة أو تاجر أو رياضي. فإذا نجحت فذاك من فضل اللّه وإذا فشلت فالخير فيما اختاره اللّه، فربّما لم ألتمس الطريق الصّحيح الذي يمكّني من الاقتراب من النّاس ولم يكن في ما أعرضه البلسم لجراحهم والحلّ لمشاغلهم. سأحاول أنا ومن معي من جديد وسنواصل المسيرة مادمنا نبتغي الإصلاح ولا نرى في عملنا ضررا ولا مفسدة ...ديدننا في ذلك قوله تعالى : ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبٍُ﴾ «هود - 88»