إنّ بعض المواضيع تبدو ثانويّة، ذات أهمّية محدودة أو غير مصيريّة، ويمكن للبعض أن يعتبرها شكليّة ولربّما تافهة . تلك المواضيع تستمدّ أهميّتها من كونها يمكن الفصل والجزم فيها، عكس بعض المواضيع الأخرى ذات الأهمّية الكبرى والتي قد يطول الجدل فيها لعدّة أجيال .

الموضوع المعني بالأمر هو موضوع شكل الأرقام المستعملة في كثير من البلدان العربيّة وهي أشكال من أصل هندي ( ۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹ ) بينما الأرقام المستعملة في بقيّة أنحاء العالم هي من أصل عربي  ( 0، 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7، 8، 9، ) .

إنّ الخوارزمي مبتكر الأرقام العربيّة التزم بعدد الزّوايا ،فالصّفر دائـري لا يحتـوي على أيّـة زاويـة ( 0 ) ورقم  1 يحتوي على زاوية واحدة ورقم 2 على زاويتين ورقم 3 على ثلاثة زوايا ، وهكذا دواليك ...

فكرة عدد الزوايا إذا تنطبق على الأشكال الأصليّة للأرقام العربيّة ،ثمّ وقع الإكتفاء بـ «الشّكل الرّمز» عوض رمزيّة تفاصيل الشّكل، فلم تعد قاعدة عدد الزّوايا متّبعة بل صار الشّكل رمزا مطلقا ، أكثر بساطة وجماليّة وأكثر تميّزا .

ومن الدقّة والفعاليّة الاتصاليّة استعمال الرّموز الواضحة والتي تتفادى أيّ نوع من الخلط أوالغموض أو الشّبهة . فالأرقام العربيّة من 0 إلى 9 متباينة، متمايزة عن بعضها عكس الأرقام الهنديّة التي تحتوي على إمكانيّة الخلط بين ۲ و۳ وبين ۲ و٦ وبين ٧ و۸ . أمّا موضوع الصّفر، فهو أخطر :

الصفر هو دون جدل أهمّ رقم . فأقلّ ما يقال فيه إنّه مفتاح المنظومة العشريّة للأعداد . حتّى أنّ كلمة « CHIFFRE» بالفرنسية ومعناها «رقم» مأخوذة من كلمة «صفر» . كيف يصبح أهمّ رقم مجرّد نقطة بكلّ ما يتبعها من غموض وفرضيّة التّهاون والغفلة وإمكانيّة الخلط والالتباس .

كيف نستبدل أرقاما ذكيّة من إنتاجنا الفكري بأرقام غريبة عنّا تحتوي على هنات وعيوب كثيرة ؟

كيف نستبدل الألماس النّفيس بالبلّور الزّهيد ؟

أما إذا كان التّعلّل بتقارب الأرقام الهنديّة والحروف العربيّة في الشّكل، فذلك بالعكس سبب إضافي لكي نتفاداها . فتميّز الأرقام عن بعضها مطلوب، وكذلك تميزها عن الحروف بنفس الأهمّية أوأكثر .

إنّ ما يزيد الأمر حيرة هو أنّ نسبة هامّة من عامّة العرب يظنّون أنّ الأرقام الهنديّة التي يستعملون هي أرقام عربيّة مع أنّ الغرب يقرّ بأنّ الأرقام التي يستعمل هي الأرقام العربيّة ومعظم البلاد العربيّة ماعدا المغرب العربي تستعمل الأرقام الهنديّة .

إلى المثقّفين والمفكّرين في المشرق العربي، هل يحقّ لنا أن نرجو منكم العمل على إصلاح هذا الخطأ الحضاري؟ .