الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 171
 يصدر العدد 171 من مجلّة الإصلاح قبل أيّام من ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد ﷺ ، وهو حدث هامّ يحتفل به المسلمون كلّ عام تمجيدا لشأنه وتعظيما لقدره ولرسالته. ورغم أنّ هذه الاحتفالات التي تختلف من بلد إلى آخر، هي شكل من أشكال تعبير المسلمين عن حبّهم وفرحتهم وإكبارهم لهذا النّبي العظيم الذي منّ اللّه به على المؤمنين وأرسله رحمة للعالمين، إلاّ أنّ الفولكلور هيمن على أغلبها واتّسمت بعادات لا صلة لها بجوهر الحدث أصلا، ممّا دفع البعض إلى النّهي عنها إمّا باعتبارها بدعة لم تنقل عن السّلف الصّالح من القرون الثّلاثة، وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار وهذا موقف العديد من السّلفيّين، أو لأنّها تكرّس واقع التخلّف والانحطاط الذي يعيشه المسلمون بعشقهم للماضي وتمسّكهم به، وهذا موقف ثلّة من العلمانيّين والاستئصاليّين.
ونحن نرى أنّ الاحتفال بذكرى مولد الرّسول محمّد ﷺ مناسبة نرتوي فيها من رحيقه المختوم ولحظة نراجع فيها أنفسنا ومقدار محبّتنا له، لنسير بعدها على هديه حتّى نلاقي ربّنا مهما تكاثرت الفتن وازدادت علينا البلايا والمحن. إنّها فرصة للتّذكير بشمائل هذا الرّسول القدوة والتعمّق في قراءة شخصيّته الفذّة والغوص في أنوارها. شخصيّة تميّزت بالحكمة والرّشاد وبعد النظر، والاعتدال في المواقف والمعاشرة الطيّبة، والصّبر والمكابدة، وغيرها من الشّمائل الطيّبة وصفات الكمال وجمال الخُلُق.
هي فرصة للتّذكير بأنّ الرّسالة المحمديّة دعت النّاس كافّة إلى المساواة والتّعارف والتّآخي، والتّعاون على البرّ والتّقوى، وإقامة العدل، وحفظ الحياة والعقل والمال والنّسل، والإحسان إلى الجار وصلة الرّحم ومحبّة الغير والشّورى في تسيير الأمور وعبادة اللّه تعالى وحده والتّقرّب إليه بتحقيق صفاته الحسنى في النّفس وفي المجتمع، حتّى تكون العبادة تقرّبا إلى اللّه من جهة القصد وطريقا إلى الكمال الذّاتي والاجتماعي من جهة النّتيجة.
إن الرّسول الكريم ﷺ أهل لأن يعظّم في سائر أيّام السّنة وليس في يوم مولده فقط، وأن تُذكر سيرته العطرة في كلّ لحظة، لأنّه المبلّغ لرسالة من ربّ العالمين، تستمدّ أصالتها من القرآن الكريم، أصالةٌ يسعى الاستئصاليّون إلى طمسها في حين أنّها رسالة لم تحقّق إلاّ نتيجة ثقة في الإنسان وقدراته، فاتحة بذلك آفاقا غير محدودة للإنسانيّة. تتجدّد ذكرى ميلاد النّبي محمد ﷺ باستمرار وبدون توقّف بميلاد الخير في كلّ لحظة مع ميلاد كل إنسان جديد ليُولد معه أمل جديد أقره صاحب الذّكرى نفسه حين قال «الخير فيّ وفي أمّتي إلى يوم القيامة»، خيرا كان وسيظلّ حاجة أكيدة للإنسانيّة جمعاء إلى يوم الحساب.