شخصيات الإصلاح

بقلم
التحرير الإصلاح
الأستاذ الدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان
 الأستاذ الدكتور عبد الحميد أحمد أبو سليمان من مواليد 1936 بمكة المكرّمة، هو عالم إسلامي معروف عالميًا ومفكر وتربوي ومؤلّف العديد من الكتب والمقالات حول الاسلام والإصلاح خاصة في مجالات الفكر والتّعليم. 
زاول الدكتور عبدالحميد تعليمه الابتدائي والثانوي بمكّة المكرّمة،ثمّ درس بكلية التّجارة بجامعة القاهرة أين تحصّل على بكالوريوس التّجارة في قسم العلوم السّياسيّة عام 1959م، ثمّ على درجة الماجستير في العلوم السّياسيّة عام 1963م، ثمّ انتقل إلى الولايات المتحدة لينجز أطروحته للدّكتوراه في العلاقات الدّوليّة تحت عنوان «نحو نظرية إسلاميّة للعلاقات الدولية: اتجاهات جديدة للمنهج والفكر الإسلامي» بجامعة بنسلفانيا بفيلادلفيا ويحصل عليها في عام 1973م.
بدأ حياته المهنية محاضرًا في جامعة الملك سعود في مدينة الرّياض، المملكة العربية السعودية، حيث ترأس قسم العلوم السّياسيّة من عام 1982 إلى عام 1984. ثم انتقل إلى ماليزيا، حيث عمل أيضًا كمحاضر في الجامعة الإسلامية العالمية بماليمزيا. ومن عام 1989 إلى 1999، أشرف على رئاسة الجامعة ثمّ انضم إلى المعهد الدولي للفكر الإسلامي (مقره واشنطن) ليترأس مجلس إدارته. وهذا المعهد هو مؤسسة فكرية علميّة خيريّة مستقلّة، تعمل في ميدان الإصلاح الفكري والمعرفي، باعتبار ذلك واحداً من منطلقات المشروع الحضاري الإسلامي المعاصر، ويوجّه خطابه إلى العلماء والمفكّرين والباحثين وجمهور المثقّفين للعمل على إصلاح الفكر والمنهجيّة الإسلاميّة على مستوى الأمّة متجاوزاً حدود اللّغة والإقليم. ويتعامل المعهد مع مصادر التراث الإسلامي والمعرفة الإنسانية المعاصرة؛ لبلورة تيار فكري إسلامي متميز، يمهّد لاستعادة قدرة الأمة على العطاء الحضاري، وتوجيه التقدم الإنساني.
والدكتور أبو سليمان من مؤسّسي اتحاد الطّلبة المسلمين في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا، والاتحاد الإسلامي للمنظّمات الطّلابيّة، والرّئيس المؤسّس لمؤسسة تنمية الطّفل، والمؤسّس والرّئيس الأسبق لجمعيّة علماء الاجتماعيّات المسلمين بالولايات المتحدة الأميركيّة وكندا، ومؤسّس ورئيس تحرير سابق للمجلة الأميركيّة للعلوم الاجتماعيّة الإسلاميّة· وله عدد من الكتب والأبحاث والأوراق العلميّة والفكريّة التي تهتمّ – من المنظور الإسلامي – بالتّغيير وبالجوانب الإبداعيّة الإصلاحيّة للأمّة في العقيدة والرّؤية الحضاريّة الإسلاميّة، وفي الفكر والمنهج والثّقافة، وفي التّربية ووجدان المسلم. ومن بين مؤلفاته «أزمة العقل المسلم» (1986م)، الذي تطرّق فيه إلى سبل خروج الأمّة من أزمتها الحضاريّة، مقترحا فكرة «الأصالة الإسلاميّة المعاصرة» وموضّحا منطقها، ومقترحا قواعد وأسس جديدة  لمنهجيّة الفكر الإسلامي بناء على نقده لمنهجيّته التّقليديّة.
وفي كتابه «الإصلاح الإسلامي المعاصر»(2011م)، يتناول عدداً من القضايا المهمّة التي تؤسّس للإصلاح الإسلامي الإنساني، تستعيد بها الأمّة مكانة العقل والتّفكير المنهجي في تحقيق ‏مقاصد الشّريعة، وتعيد بناء مناهج التّربية والتّعليم لتحقيق الأصالة الإسلاميّة المعاصرة.‏‎ ‎كما يقدم إعادة نموذجية لقراءة الأنظمة الإسلامية ‏قراءة منهجية، تزيل ما أصابها من تشوه، وتجسد بذلك نموذجاً جيداً للأصالة المعاصرة. ويعرض كذلك قواعد الحوار والتواصل بما يحقق ‏الغايات الإنسانيّة الرّاشدة لعالم تسوده روح الإخاء والعدل والسّلام.
ومع تركيزه في العديد من الكتابات الأخرى على أهمّية بناء وجدان المسلم وعلى توضيح الرؤية الكونية الحضارية القرآنية التي هي القاعدة الأساس ‏لفكر الإنسان المسلم ورؤيته الحياتيّة، ومن خلالها يستطيع أن يحدّد غاية وجوده، ويعيد-في هذا العصر- بناء كيان أمّته الذي تهدم، نجد الدكتور أبو سليمان يوجّه انتقاده للحركات الإصلاحيّة التي ركّزت حتى اليوم على «السّياسي»، وعلى الوسائل والأدوات والآليّات المعتمدة، واعتبر ذلك هروبا من مواجهة الحقيقة بالعمق وبالشّجاعة المطلوبة، لأنّ حراك العمل السّياسي وحده، دون إحياء فكر الأمّة ووجدانها وتفكيك معيقاته، لا يحلّ مشاكلها، ولا ينمي على الحقيقة طاقاتها وقدراتها، ويكون بذلك وفي ضوء معطيات الصّراعات والتّحديّات الكونيّة الحضاريّة - إستنزافاً للطّاقة، ولوناً من الحرث في البحر يسهم - في كثير من الحالات دون وعي أو قصد في إستمرار تدهور الأمّة، وتفاقم أزمتها وجمودها.
 لكنّ هذا النقد لا يعني أن الدكتور أبو سليمان لا يهتمّ بالبحث في المجال السّياسي، ففي كتابه «إشكالية الاستبداد والفساد في الفكر والتّاريخ السّياسي الإسلامي» (2007م) يطرح طريقة جديدة في التّفكير السّياسي والدّيني في قضيتي الاستبداد والفساد. ويطرح رؤية حضاريّة في تنزيل النّص على الواقع، طلباً ‏لإصلاح خلل فادح في شؤون السّلطة وعلاقتها بالدّين، ويقدّم آليّات عمليّة، متظافرة على أمثلة واقعيّة، ترسم التّمايز بين الحكومة ‏الدّينيّة الثيوقراطيّة، والحكومة الدّينيّة المدنيّة. ويفضح الكتاب الممارسات السّلطوية التي توظّف الدّين توظيفاً سلبياً، ويعيد رسم العلاقة بين ‏السّلطة ومؤسّسات الدّعوي والإعلام القومي، كما يعيد النّظر في كيفيّة ممارسة الجماعات والأحزاب الإسلاميّة للعمل السّياسي. إنّه ‏دعوة للانتقال من دولة السّلطان إلى الدّولة المدينة، حيث يكون لجمهور الأمّة حقّ الوصاية على شؤون حياتها، في إطار اجتهادي ‏تجديدي، يأخذ الظّروف المكانيّة والزّمانية بالحسبان.
ويرتبط ما يطرحه أ.د. أبو سليمان جزئيّا بما أعاد ربيع الثّورات العربيّة إثارته من قضايا ظنّ الجميع أنّها قد حسمت على منضدة النّقاش، وبالسّقف الذي بلغته المرحلة الرّاهنة من الحوار حول هذه القضايا، خاصّة وأنّ البناء الفكري فيها لا يمكنه الاقتصار على النّمط التوليدي لبنى المعرفة، وإنّما يحتاج لرؤية تاريخيّة؛ تأخذ في الاعتبار رؤى وتخوّفات شركاء العيش المشترك، وهو ما يترجم الآن بحالة استقطاب حول قضايا العلمانيّة والدّولة المدنيّة والدّيمقراطيّة.