الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 166
 يصدر هذا العدد قبل أيام قلائل من عيد الفطر المبارك، وبهذه المناسبة نتقدّم لكلّ قرائنا الأعزّاء بأحرّ التّهاني، راجين من اللّه العليّ القدير أن يتقبّل منهم ومنّا الصّيام والقيام، ويغفر لهم ولنا الذّنوب، ويعتق رقابهم ورقابنا من النّيران؛ فكلّ عام وأنتم بخير.
لقد حلّ بيننا شهر رمضان المبارك وها هو يستعدّ للرّحيل عنّا ككلّ مرّة، من دون أن نتذوّق كعادتنا صيامه ونتلذّذ قيامه نتيجة وضعنا المتأزّم الذي فرضه علينا الاكتساح الرّهيب لوباء كورونا من جهة، وتشتّت كلمتنا وانهيار اقتصادنا من جهة أخرى. 
حلّ رمضان بيننا وها هو يغادرنا من دون أن نأخذ منه العبر؛ فهو شهر الوحدة، إذ أنّ صيام النّاس جميعاً في وقت واحد هو مظهر من مظاهر الوحدة الإسلاميّة، فأين نحن من هذه الوحدة، ونحن نزداد انقساما وتشتّتا؟ حتّى غدت الحروب والصّراعات وما يصاحبها من دمار للعمران وإذلال للبشر من ميزات دولنا ومجتمعاتنا.  
ورمضان شهر للتّدرّب على التّحرّر من أهواء الجسد وشهواته، بما أنّ الصّوم يضعف الجسد فتتحرّر الرّوح من هيمنته وتسمو بالإنسان بعيدا عن المادّة، ويهدّ الشّهوة فيتحرّر العقل من سلطانها، فينزع الإنسان بذلك إلى تحقيق تميّزه، ويرنو إلى الكمال والارتقاء، ويتّجه إلى العمل بدل الاستكانة وإلى التّعمير بدل التّخريب وإلى الإبداع بدل التّقليد، فأين نحن من كلّ هذا، فأغلب النّاس لا يفكرون إلاّ في إشباع شهواتهم، كيفما أمكن ذلك الإشباع، حتّى على حساب بشر أمثالهم، أو حتّى على حساب تدمير الأرض وتخريبها.
ورمضان شهر أُنزل فيه القرآن، وفيه إشارة إلى تدبّر آياته لنستحضر عظمة التوحيد بما هو ركيزة أساسيّة لتحقيق إنسانيّة الإنسان وحرّيته، وفيه إشارة إلى التّمسّك به واتخاذه مرجعا، نستنبط منه منهجا نمارس من خلاله خلافتنا على وجه الأرض. فأين نحن من كّل هذا، ألا ترى معي أيّها القارئ الكريم أنّنا اتخذنا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا؟
سيرحل رمضان ولكنّه سيعود إن شاء اللّه، فلعلّنا - إن بقي لنا في العمر بقيّة- نستقبله في المرّة القادمة أفضل استقبال ونستفيد كما يجب من عبره التي لا تحصى ولا تعد.