الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 162
 يصدر العدد 162 من مجلة «الإصلاح» متزامنا مع حدثين هامّين، الأول حلول السنة الإداريّة الجديدة 2021، نرجو من الله أن لا تكون مثل سابقتها 2020، التي تركت فينا أسوأ الذكريات، خاصّة جائحة «كورونا» وما خلّفته من فقدان لأحبّة لنا وعسر في تسيير حياتنا اليوميّة وتعطيل لعجلة إقتصاد بلادنا وسائر البلدان في العالم، وحرمان من دفء العلاقات الإجتماعيّة في الأفراح والأتراح على حدّ سواء. نأمل أن تكون السّنة الميلاديّة الجديدة عام خير وبركة فيه تنتهي معاناة الإنسانيّة من وباء الكورونا ومن الحروب المدمّرة والصراعات، وتفتح فيه أبواب الحوار بين الأمم، وتغلق فيه أبواب الصّراعات. وبهذه المناسبة يسرّ أسرة مجلّة الإصلاح أن تتقدّم بأحر التهاني والأماني إلى قرّائها الأعزّاء خاصّة وجميع الناس عامّة، فكلّ عام وأنتم بخير.
الحدث الثاني هو حلول الذّكرى العاشرة لهروب الطّاغية «بن علي» بعد ثورة شعبيّة عارمة، قدّم فيها عدد كبير من الأمّهات فلذات أكبادهن شهداء وجرحى، قربانا للقطع مع الاستبداد وتحقيقا للحرّية والكرامة. وبهذه المناسبة، ارتأينا إعداد كتاب يكون موضوعه: قراءة النّخبة التّونسية للثّورة في ذكراها العاشرة، من خلال الإجابة على 5 أسئلة تتمحور حول مكاسب الثورة وسلبياتها وأسباب الفشل في الإقلاع الإقتصادي وحول تشكِّل فكر الثورة وثقافتَها، وأي مستقبل ينتظرها. 
أن تجمع مواقف وآراء عدد من الشّخصيات السّياسيّة والفكريّة والثّقافيّة التي شاركت في صنع ما حدث خلال السّنوات العشر الفارطة في وثيقة واحدة، هو مساهمة من مجلّة «الإصلاح » في إنارة القرّاء لفهم ما حصل وما قد يحصل، بما أنّ هذه النّخبة هي التي بيدها مقاليد الأمور في البلاد سواء كانت في الحكم أو في المعارضة، وسواء كانت في الميدان السّياسي أو الثّقافي أو الفّكري. الفكرة كانت في البداية جميلة وتوحي بمتعة لمن سينفذها لكنّ تحقيقها كان صعبا للغاية ولعلّنا لم ننجح فيه بالشّكل المتوقع والمطلوب. فقد قمنا بالاتصال بأغلب الأطياف السّياسية والفكريّة في البلاد عبر الوسائل المتاحة (البريد الالكتروني وشبكة التواصل الاجتماعي والهاتف والاتصال المباشر وغير المباشر...) لضمان أكبر قدر من التّنوع في هذه الوثيقة، لكنّنا اكتشفنا أنّ التّعامل مع النّخبة ليس بالأمر الهيّن لأسباب عديدة لا يسمح المجال هنا بذكرها، وبالتّالي فإنّ التّنوع الذي طمحنا إليه لم يتحقّق بالقدر المطلوب، نظرا لأنّ عددا كبيرا ممّن اتصلنا بهم لم يلبّ الدّعوة، بالرّغم من وعوده المتكرّرة.
الكتاب في اللّمسات الأخيرة، وقريبا يرى النّور، وسيصدر بحول اللّه مع حلول ذكرى سقوط الطّاغية، ضمن سلسلة «كتاب الإصلاح»، ويوزّع مجانا عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر الإيميل، فنرجو من اللّه أن يكون مضمونه في مستوى يُرضى  جميع القراء الأعزّاء.
إنّ ما حدث قبل 10 سنوات كان زلزالا بأتمّ معنى الكلمة، وكلّ زلزال يحدث تتبعه عدّة رجّات ارتداديّة، لهذا كان من الطّبيعي أن تعيش البلاد أزمات واضطرابات وهو ما حدث بالفعل خلال العشريّة الفارطة حيث لم تعرف تونس استقرارا بحكم القلاقل التي كانت تحدث بين الحين والآخر  خاصّة في الفترة الأخيرة من كلّ سنة وفي بداية كلّ عام جديد.
نجحت الثورة التونسيّة في الصمود أوّلا أمام كلّ محاولات الوأد والتخريب، وهي الوحيدة بين دول الرّبيع العربي التي استطاعت لحدّ اللّحظة أن تمنع الانزلاق إلى نقطة اللاّعودة، وهذا الصّمود يحسب بدون شكّ لجميع التّونسيين الذين تمسّكوا بثورتهم بدرجات متفاوتة فرفضوا الانسياق مع دعوات الهدم التي تبنّاها بعض من أبناء جلدتهم ذوي الحنين إلى الاستبداد والدكتاتوريّة.
كما نجحت الثورة نسبيّا في مسارها السّياسي الديمقراطي، لكنّ هذا المسار بقي أعرجَ نتيجة فشل المنظومة الجديدة في تحقيق ما بشّرت به من تنمية وقضاء على الفقر والبطالة وتوفير أدنى مستوى من العيش بكرامة لأبناء هذا الوطن، بالإضافة إلى فشلها الذريع في محاربة الفساد والفاسدين، ممّا أدّى إلى أزمات اجتماعيّة خطيرة ومتكرّرة وخلق وضع قابل للانفجار في أيّة لحظة. لكنّ الأمل يبقى قائما... وتبقى «تونس بعد الثّورة خير».
وكلّ عام والشّعب التّونسي بألف خير ...