الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحيّة العدد 159
 تعيش الأمّة هذه الأيام فترة عصيبة تنذر بمزيد من التخلّف والتبعيّة، وبحجم من المعاناة والألم -وإن بدرجات متفاوتة الحدّة والخطورة -لجميع الشّعوب العربيّة شرقها وغربها، فقد باءت محاولات الإصلاح والتّغيير بالفشل أو تكاد، وتحوّل الربيع العربيّ إلى خريف موحش وشتاء قارس، نتيجة التآمر الدّاخلي والخارجي وفي ظل غياب القدرة على الإصلاح أو الرّغبة في ذلك أو كِلَيهما لدى النُّخَب السّياسيّة التي رفعت الثّورات من شأنها، وبوّأتها مقام الحكم لكنّها فشلت، وبقي دورها صوريّاً وتأثيرها الإيجابي رمزياً لا يظهر له أثر؛ ومازاد الطّين بلّة هرولة العديد من الحكّام العرب نحو الكيان الصهيوني، والارتماء في أحضان قادته، رافعين شعار السّلام مقابل كرسي الحكم حتّى وإن كان على جماجم شعوبهم.
يرى البعض أنّ ما حدث في الفترة الأخيرة من تطبيع مع الصهاينة هو بمثابة مسامير جديدة في نعش القضيّة الفلسطينيّة، وأنّه لم يبق للفلسطينيين أمل في تحرير بلادهم، وما عليهم إلاّ الخضوع والاستسلام إن كانوا يريدون العيش في سلام. والحقيقة أنّ النّظر إلى الواقع العربي عامّة والفلسطينيّ خاصّة من هذه الزّاوية إنّما يعبّر عن عقليّة إنهزاميّة لا تعرف قراءة التّاريخ أو ربّما تتجاهله، فالأزمات والمصاعب تساعد على تمييز الخبيث من الطيّب، وتفرز بين أصحاب القضيّة والمنافقين الذين صدعوا رؤوسنا بإيمانهم بالقضيّة والدفاع عنها، لكنّهم في الحقيقة يتاجرون بها. يقول تعالى: «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ»(37 - الانفال). وما حدث خلال العشريّة الأولى من القرن الواحد والعشرين ويحدث هذه الأيام،  سيكون له الأثر الإيجابي عاجلا أو آجلا، ذلك أنّ سنّة اللّه تتطلّب شدّة في الأزمة قبل أن يأتي الفرج،  وكما قال جمال الدين الأفغاني: «إنّ الأزمة تلد الهِمّة ولا يتّسِع الأمر إلاّ إذا ضاق، ولا يظهر فضل الفجر إلاّ بعد الظّلام الحالِك...وليس بعد هذا الضّيق إلاّ الفرج، سنَّةَ الله في خلقه».