الأمن الزراعي

بقلم
د. المعز العيادي
التطبيقات الحقلية للأمن الحيوي في مشاريع الإنتاج الحيواني
 1.مقدمة
تعتبر سلامة الغذاء من أهم القضايا الاستراتيجيّة الحيويّة فى الوطن العربي لما لها من أبعاد اقتصاديّة، واجتماعيّة، وسياسيّة، حيث يعتبر الأمن الغذائى أحد المكوّنات الرئيسيّة للأمن الاستراتيجى القومى. وحيث أنّ الثّروة الحيوانيّة تمثّل ركيزة هامّة في الإنتاج الفلاحي ومصدر رزق لقطاع عريض من المواطنين، ممّا يدفع إلى مزيد من العناية الغذائيّة السّليمة بطرق أمنيّة حيويّة ذات تقنية وجودة عالية بمزارع الإنتاج الحيواني.
 إنّ ظهور العديد من الأمراض الحيوانيّة المشتركة الوبائيّة عالميّا (جنون الأبقار، إنفلونزا الطيور،متلازمة الشّرق الأوسط التّنفسيّة...) إضافة الى أمراض تنقل بواسطة المنتجات الحيوانيّة وبعض التّسمّمات الغذائيّة (مركب الدّيوكسين) والتي تؤثّر سلبا على الإنتاج والصّحة العامّة. 
يبرز هذا كلّه أهمّية الأمن الحيوي (Biosécurité) في مشاريع الإنتاج الحيواني. ويرتكز الأمن الحيوي على منهج إستراتيجي متكامل يهدف إلى التّقليل والتّصرّف في المخاطر على صحّة الحيوان. حيث يستند على مبدأين أساسين: الإقصاء الحيوي (منع دخول الجراثيم في المنشآت) والاحتواء الحيوي (الوقاية من تفشّي الأمراض الموجودة في المنشآت). لذا فتحقيق الأمن الحيوي سوف ينعكس بالطّبع على كمّية ونوعيّة المنتج النّهائي (حليب، لحم، بيض....الخ) ممّا يمنح الثّقة للمستهلك في المنتجات المحلّية كما يضمن دخولها للسّوق الدّولي كمنتجات ذات جودة عالية تخضع للمقاييس والشّروط العالميّة.
2. مفهوم وأهمّية الأمن الحيوي 
الأمن الحيوي هو مفهوم حديث نسبيّاً ومصطلح يتطوّر، حيث أنّ «الحيوي» يعني الحياة « والأمن» يوحي بالحماية. وقد عرف بصفة عامّة كبرنامج مصمّم لحماية حياة الإنسان والحيوان وحتّى النبات(1). أمّا بالنّسبة لمفهوم الأمن الحيوي كتطبيقات حقلية فهو عبارة عن إتباع أكثر الطّرق علميّة وعمليّة للحفاظ على صحّة الحيوان وذلك من خلال وضعه بمعزل عن كلّ مسبّبات الأمراض أياً كانت طبيعتها(2). و هذا الإجراء يشبه عمل الحجر البيطري، إلاّ أنّ هذا يتمّ في بيئة مفتوحة معرّضة للإصابات المرضيّة. فالأمن الحيوي هو إذا إدارة القطيع لمنع دخول وانتشار الأمراض المعدية. وقد عرفت المنظمة العالمية للأغذية والزّراعة الأمن الحيوي كعمليّة تهدف لإدارة المخاطر الحيويّة المرتبطة بالغذاء والزّراعة(1).
إنّ تطبيق برنامج الأمن الحيوي فى مزارع الإنتاج الحيواني له العديد من الفوائد من أهمها:
- تحسين صحّة الحيوان ورعايته.
- زيادة عدد مستهلكى المنتجات الحيوانيّة ورفع ثقتهم.
- حماية صحّة الإنسان.
- خفض تكلفة الوقاية من الأمراض والعلاج.
- التّقليل من احتمال حدوث خسائر في دخل المزرعة.
-  تعزيز قيمة القطيع. 
- إنتاج منتجات آمنة، صحّية، وذات جودة عالية.
- إمكانيّة الوصول إلى أسواق عالميّة جديدة. 
3.أهم العوامل التي يرتكز عليها الأمن الحيوي
يرتكز الأمن الحيوي على العديد من العوامل، أهمها (3): 
1.3. الإجراءات الوقائيّة العامّة:
- اختيار قطيع من سلالة مناسبة حسب البيئة. 
- إختيار المكان المناسب للحظيرة وخاصّة بعدها عن المزارع المجاورة وعن المجاري المائيّة والصّرف الصّحيّ.
- وجود التّدابير العمليّة لتخفيف التّأثيرات السّلبيّة للإجهاد الحراري (توفير الظلّ، خفض حرارة الهواء، تبريد الماء،.....الخ).
- التّنظيف والتّطهير الأوّلي للمعدّات والحظائر مباشرة بعد الانتهاء من دورة التّربية.
- توفير أعلاف جيّدة ومتوازنة ومياه نظيفة وكافية.
- التخلّص من الهالكة والنّافقة بالحرق والدّفن وإرسال عيّنات للفحص المختبري الدّوري.
2.3  تنظيف وتعقيم منشآت الإنتاج الحيواني:
تمثّل المعقّمات خطّ الدّفاع الأول، نظرا لأنّ التّعامل معها يأتي أوّلا داخل المزارع. ويعتبر التّعقيم والتّطهير للمنشآت الحيوانيّة لبّ وجوهرعمليّة الأمن الحيوي، حيث أنّ المعقّمات تحقّق هذا الهدف من خلال القضاء على مسبّبات الأمراض سواء كانت هذه المسبّبات  فيروسات أو بكتيريا أو فطريات أو طفيليات. وفي بعض مشاريع الإنتاج الحيواني، مثل الدّواجن، تطبّق عمليّة الفراغ الصّحّي وهي الفترة الممتدة بين عمليّة التّطهيرالأوّلي ويوم إستقبال الفوج التّالي. وتمتدّ هذه الفترة الى حين جفاف الحظائر(10 إلى 15 يوم).   
3.3  التحصين وتلقيح الحيوانات المزرعيّة
يعتبر التّلقيح والتّحصين خطّ الدّفاع الثّاني، بعد المعقمات، لتحقيق الأمن الحيوي في مشاريع الإنتاج الحيواني.  فالتّحصين هو عمليّة أساسيّة لحماية القطيع من أخطر الأمراض والتي يستعصى علاجها بالطّرق التّقليديّة. حيث أنّ الهدف من التّحصين هو تحفيز الجهاز المناعي بجسم الحيوان على تكوين الأجسام المضادّة التي تقاوم مسبّبات الأمراض الفيروسيّة بشكل خاصّ وبقيّة الجراثيم والبكتيريا بشكل عام. وتعطى اللّقاحات بطرق مختلفة كالحقن عند الأبقار والأغنام أو عن طريق مياه الشّرب أو التّقطير في العين عند الدّواجن. وتطبق التّعليمات الفنّية الموضوعة من قبل الشّركة المنتجة للقاح لإنجاح عمليّة التّحصين.
4.3 صحّة المياه
الماء هوعنصر غذائيّ أساسيّ وأحد العناصر الحيويّة لإنجاح مشاريع الثّروة الحيوانيّة. وهو يشكّل الوسط الأساسي الذي يتمّ عن طريقه إعطاء الأدوية واللّقاحات مثلا عند الدّواجن. حيث يمثّل أحد أهمّ مصادر نقل الأمراض إذا ما تمّ تلوّثه بالميكروبات المرضيّة. لذا لتحقيق الأمن الحيوي، يجب أن تتوفّر في مياه الشّرب المقدّمة للحيونات الشّروط الصّحيّة: أن تكون طازجة ونظيفة خالية من الشّوائب والروائح الكريهة وأن تقدّم مياه مستساغة الطّعم باردة نوعا ما في الصّيف ومقبولة في الشّتاء وبكمّيات وافرة  مع ضمان توزيع مصادرها  (عدد المشارب).
5.3 جودة العلف
لتحقيق الأمن الحيوي في مشاريع الإنتاج الحيواني يجب تقديم علائق متوازنة ونظيفة للحيونات لكي يساهم في عمليّة بناء الأجسام السّليمة والقويّة. حيث أنّ توفيرعليقة ذات جودة عالية تساعد على المقاومة الفيزيولوجيّة للأمراض الوبائيّة والمعدية التي يمكن أن تتعرّض لها الحيوانات طوال فترات التّربية أو الإنتاج. وترتبط جودة العلف بالأساس بجودة المواد الأوّلية التي تكوّنه وبالتّقيد بشروط حفظ الصحّة خلال مراحل تصنيعه (تطبيق منظومة HACCP , إحترام درجات الحرارة،...). لهذا يجب أن تتوفّر في العلائق الشّروط الصّحية التّالية: التّوازن و التّكامل في محتوياتها من البروتينات والكربوهيدرات والدّهون والفيتامينات والأملاح المعدنية، النّظافة التّامة والخلوّ من الشّوائب ومسبّبات الأمراض على اختلاف أنواعها والخلوّ من الملوّثات الكيماويّة والسّموم الفطريّة.
4.التّطبيقات الحقليّة للأمن الحيوي في مشاريع الإنتاج الحيواني
4.1. الأمن الحيوي في مزارع تربية الدّواجن
لقد نمت صناعة الدّواجن التّجارية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، حيث ازداد استهلاك الدّجاج نظرا لتنوّعها كغذاء، وانخفاض سعرها، و اعتبرها اختيارا صحّيا مقارنة باللّحوم الحمراء. كما اتسعت صناعة الدّواجن بسرعة وأصبحت الأمراض أكثر شيوعا وتكلفة. وفي الأونة الأخيرة تسبّبت الأمراض النّاتجة عن صناعة الدّواجن التّجارية في خسائر فادحة في معظم المناطق خاصّة في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا(2). وقد اعتبر أغلب الباحثين أنّ مفتاح النّجاح في المستقبل سوف يتحقّق من خلال القضاء على الأمراض ومكافحتها، ويمكن تنفيذ ذلك فقط بتطبيق برامج الأمن الحيوي الذي يقوم اساسا على العناصر التالية: (2,4) 
- إستراتيجيات السّيطرة على أمراض الدّواجن عبر التّحصين، وهو عبارة عن استخدام للقاحات معيّنة ضدّ مرض واحد أو أكثر. وللحدّ من انتشار الأمراض يجب التّركيز على العلاج الوقائي، والذي يتضمّن كلّ الأدوية التي تستخدم في الوقاية من انتشار الأمراض الميكروبيّة خاصّة التي تسبّب خسائر مالية كبيرة في حالة ظهور أحدها في قطعان التّربية. إلى جانب الجرعة الوقائيّة، يجب العمل على أن تكون إدارة القطيع جيّدة، حيث أنّ عمليّة التّنظيف المستمر والتّطهير المتوالي للمنشآت بعد كلّ فترة تربية مهمّة جدّا لتجنّب الأمراض المعدية(4). وقد أكّد العديد من البياطرة أنّ في حالة ظهور الأمراض عند الدّواجن يجب أن تستخدم الأدوية بتركيز أكبر من الجرعة الوقائيّة. وفي الأونة الأخيرة أصبحت العديد من مشاريع إنتاج الدّواجن، تحت ظروف التّربية المكثّفة، من اتّباع وتصميم برامج لتحصين الدّواجن، حيث أنّه برنامج يأخذ بعين الاعتبار الأمراض السّائدة في منطقة الإنتاج، ومستوى مناعة القطيع، وتكاليف التّحصين وتوفّر اللّقاح المطلوب في السّوق (2,4) .
- تصميم واختيار موقع التّربية لتعزيز الأمن الحيوي
- الأمن الحيوي في صناعة الأعلاف
- إزالت الملوّثات من حظائر الدّواجن بالتّنظيف المستمر داخل وخارج الحظائر والتّطهير المتوالي بعد كلّ فترة تربية وتعقيم مياه الشّرب وتجنّب الأمراض التي تنتقل بواسطة الكائن الحيّ أو بواسطة العوامل الميكانيكيّة
- التّخطيط والتّدقيق والتّنفيذ للسّيطرة على تفشّي العدوى. 
4.2. الأمن الحيوي في مزارع تربية الماشية
أصبح تطبيق الأمن الحيوي  في مزارع  تربية الماشية ضرورة ملحّة في الوقت الراهن، حيث أنّ الحفاظ على الصحّة وزيادة الإنتاجيّة، مع منع وصول مسبّبات الأمراض المعدية إلى الإسطبلات علاوة على دورها في الحدّ من انتشار تلك الأمراض في الحظائر، من أهم أهداف مزارع الإنتاج (حليب ولحم). حيث يجب على مربّي المجترّات (أبقار، أغنام، ماعز وإبل) اتباع ممارسات الأمن الحيوي لمنع وصول مسبّبات الأمراض المعدية الى قطعانهم. 
حيث تحدّ هذه  الممارسات والإجراءات المهمّة من  تفشّي الأمراض وانتشارها وتأتي أهمّيتها من كون الحيوانات تربّى في قطعان (خاصة الماعز والاغنام ) فالمعالجة الفرديّة لن تجدي في حالة الإصابة بالمرض، وحتّى العلاج لن يجدي من النّاحية الاقتصادية لفترة طويلة (5).
5.الخلاصة
نتيجة ظهور العديد من الأمراض الحيوانيّة الوبائيّة وبعض التّسمّمات الغذائيّة أصبح للأمن الحيوي أهمّية كبرى في مشاريع الإنتاج الحيواني. فالأمن الحيوي هي عمليّة تهدف لإدارة المخاطر الحيويّة المرتبطة بالغذاء والزّراعة. ولتعزيز الأمن الحيوي يجب تطبيق الإجراءات الوقائيّة العامّة في المزرعة، وتنظيف وتعقيم المنشآت الحيوانيّة، وتحصين الحيوانات، وتوفير الماء والعلف ذي الجودة العالية. كما يجب تكوين وإعلام كلّ العاملين في المزرعة بأهمّية الأمن الحيوي والبروتوكولات المتعلّقة به. وفي الآونة الأخيرة أصبحت أغلب مزارع الإنتاج الحيواني (دواجن أو تربية ماشية) تقوم بتقييم سريع لمستوى الأمن الحيوي بالمزرعة. ويكون التّقييم في شكل إستبيان يستخدم لإبراز نقاط الضّعف بالمزرعة قبل تحديد أعمال رفع الكفاءة والدّعم لتحسين الوضع. 
الهوامش :
(1) الأمن الحيوي في مزارع الدواجن. 2018. منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. www.fao.org
(2) دليل الأمن الحيوي في تربية الدواجن في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 2017. www.ussec.org
(3) المعز العيادي. 2015. مفهوم وتطبيقات الأمن الحيوي في مشاريع الثروة الحيوانية. دورة تدريبية في الأمن الحيوي والترقيم الإلكتروني في الإنتاج الحيواني، وزارة الزراعة، الرياض، المملكة العربية السعودية.
(4) الدليل المبسط للحد الأدنى من ممارسات الأمن الحيوي لتحسين قطاع الإنتاج الدواجن في مصر. 2010. www.aman.egyptagriculture.net
(5) دليل الأمن الحيوي في مزارع تربية الماشية بكندا. 2018.  https://www.inspection.gc.ca
(6) الأمن الحيوي في مزارع تربية الأبقار بفرنسا. 2015.  www.journee3R.fr