الافتتاحية

بقلم
فيصل العش
افتتاحية العدد 151

 برغم المحن التي تنزل بساحة المسلمين في شتى بقاع الأرض، والقلب ينفطر أحياناً لما يرى أو لما يسمع، وبرغم تلبّد الغيوم في سماء بلادنا العربيّة من المحيط إلى الخليج لمنع أشعّة شمس الحريّة من الوصول إلى الشّعوب التوّاقة إلى العيش بكرامة، وبرغم المؤامرات الخارجيّة  والدّاخليّة التي تحاك في الظلام ضدّ الثورات العربيّة، وبرغم روائح البارود التي تزكم الأنوف الآتية من فوهات بنادق الأخوة الأعداء الذين يقتلون بعضهم بعضا من أجل عيون الآخرين أو مقابل حفنة من دولارات زائلة أو سلطة زائفة، وبرغم البراميل المتفجّرة التي تتساقط على رؤوس عشّاق الحرّية في سورية وفي اليمن، وبرغم طغيان العسكر وموت معارضيه في السّجون بلا رحمة ولا شفقة وتفنّن إعلامه في الكذب وتزوير الحقائق، وبرغم تآمر بعض أمراء النفط على القدس وعلى فلسطين وتهليلهم لصفقة القرن التي خطّط لها ترامب مقابل حماية سلطتهم المهزوزة. رغم كلّ ذلك يبقى الأمل قائما مادام هناك من يرفع راية المقاومة و الإصلاح ومادام في أوطاننا مصلحون «وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ» (سورة  هود - 117)

ليس هناك ما يخسره المناضلون من أجل أوطانهم والمدافعون عن أفكارهم والمجاهدون على خطوط التّماس مع الصّهاينة وعملائهم والعاملين بالفكر والسّاعد من أجل رقيّ بلدانهم وتحريرها من التبعيّة والمهانة. ماداموا مؤمنين بالله ومقتنعين بما يفعلون.
ستتقشّع  الغيوم لا محالة وتبزغ شمس الحرّية برغم أنوف أعدائها. ذلك وعد الله ... «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»(سورة  النور - 55).  وعد الله عزّ وجلّ لا محالة واقع، استخلاف للمستضعفين، وتمكين للشّعوب، وتطمين لهم، تلك سنّة الله «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا  وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا» (سورة  فاطر - 43)، ولكنّ تغيير حالنا لن يتحقّق إلاّ إذا اجتهدنا في تغيير ما بأنفسنا، أي تغيير ثقافتنا وسلوكنا «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (سورة  الرعد - 11) . لن يتغيّر في واقعنا شيء مادام الحقد يملأ صدور بعضنا على بعض، لن تقوم لنا قائمة مادمنا ندافع عن الفاسدين ونحتقر المصلحين . لن يصلح الله حالنا ما دمنا نتواكل ولا نعمل، نطالب ولا نعطي، نستهلك ولا ننتج. تحقيق وعد الله بتغيير الحال مرتبط بحجم التّضحيّات التي نقدّمها وبشرط الإيمان بالله والعمل الصّالح .
العمل الصّالح في بعده القيمي هو أحد الدّعائم التي قام عليها البعد الحضاري للإسلام. العمل الصّالح يشمل كلّ ما يقوم به المرء من عمل خالص يبتغى به وجه الله عز وجل، ويريد أن يتعفف به عن سؤال النّاس، أو يحقّق لهم المنفعة. 
العمل الصالح هو تعبير قرآني رائع وشامل، يشمل كلّ عمل تصلح به الحياة، مادياً وروحياً، فرديّاً وجماعيّاً، أي ما يصلح به الإنسان الفرد، وما تصلح به الأسرة وما يصلح به المجتمع. كل ما يقدّمه الإنسان من خدمة لأخيه الإنسان ، يمسح دمعة محزون، يفرّج كربة مكروب، يربّت على كتف يتيم ، أو يدافع عن مظلوم.
علينا إذا بالتوّجه إلى العمل الصالح ولن يتأخر وعد الله يقول الله سبحانه وتعالى : «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً،» ( الشّرح - 5)   أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ، ثمّ أكّد هذا الخبر . ذلك من السّنن الإلهيّة، فلاتحزن أيها القارئ الكريم وارفع رأسك واقرأ:«إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً» وتفاءل وتبسّم وثق بربّك واعمل عملا صالحا قدر مستطاعك وانتظر بروق الفَرَج كانتظار انبلاج الفَجْر.
«إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ» ( هود - 88)